خطب وكتابات السيد محمد محمد صادق الصدر عن الامام الحسين عليه السلام (ح 2)

د. فاضل حسن شريف

جاء في منتدى جامع الأئمة في خطب الجمعة للسيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: لا شك أن أفضل ما تفعله أية دولة الى مجتمعها وشعبها هو إعطاء الحرية للتصرف والقيام بشعائرها الدينية والتنفيس عن قناعاتها النفسية والعقلية بالشكل الذي لا يضر الدولة اصلا ولا يمت الى سياستها وكيانها باية صلة بل ان ذلك سيكون أكيدا في نفع الدولة، اية دولة، وسيكون سببا لمحبة الشعب للدولة ووثاقتهم بها والتفافهم حولها لما يرون من انها متفضلة عليهم بالحرية والفرص المتكافئة للشعائر الدينية مضافا الى الأمور الدنيوية والاقتصادية. واذا قامت الدولة بذلك كانت بلا شك اقرب إلى محبة الناس واطمئنانهم لما يشعرون من فضلها عليهم والتفاتها اليهم بخلاف العكس بطبيعة الحال.

يكون من الراجح ان نواجه الاستعمار وان نتشجع ضده وأن نقوم بكل عمل لا يرتاح اليه ولا يحبه بما في ذلك الشعائر الدينية عموما والسير الى كربلاء المقدسة خصوصا. اذن فهذه الشعيرة المقدسة ستكون الى جنب الثائرين ضد الاستعمار والمستنكرين للحصار وخطوة جيدة تدريجية يمكن أن تكون تدريجا مفتاحا لفك الحصار والضغط الشعبي على الاستعمار كما قيل هنا من أن ظرف الحصار لا يناسب قبول السير الى كربلاء المقدسة لا يكون امرا مقبولا بطبيعة الحال بل الامر بالعكس بطبيعة الحال ولا يحتاج ذلك الا الى التفاتة بسيطة الى واقع الحال الاجتماعي الذي نعيشه.

انه بفضل الله وحسن توفيقه انه بالرغم من أن السير الى كربلاء لم يتم بالشكل الموسع الذي تمنيناه له الا انه أثمر ثمرة طيبة وانتج نتائجه الحسنة في سبيل الله سبحانه ونصرة دينه والمذهب من حيث انه اظهر تكاتف الشعب العراقي كله وخاصة في الوسط والجنوب على العمل في سبيل الله والتضحية في سبيل الدين والتعب في سبيل الاشادة بشريعة سيد المرسلين وبدم الحسين المقدس الذي اهريق ظلما في كربلاء المقدسة فان السير الطويل لعدة أيام في البراري والقفار مع عدم توفر الاقل المجزي من وسائل العيش إنما هو لمعة مضيئة في جبين المؤمنين الذين أدوا ما عليهم ولم يقصروا في هذا الطريق جزاهم الله خيرا بحيث رأينا الكثير منهم حين وصلوا الى النجف لم يكن لديهم اية قدرة على شراء الطعام أو النزول ليلة واحدة في فندق وهذا امر مجيد وحميد كما قال الشاعر: هكذا هكذا والا فلا لا ليس كل الرجال تدعى رجالا.

أنهم لم يتحملوا الصعوبة المعيشية فقط في هذا السفر المقدس للزيارة الاربعينية الى كربلاء بل تحملوا الصعوبة النفسية ومشقة الخوف والإزعاج في هذا الصدد ولا اريد هنا ان اذكر شيئا الا ان لنا اسوة في ذلك بقادتنا المعصومين عليهم السلام كما قال في الدعاء أو الزيارة : السلام على الأئمة الراشدين السلام على الانبياء والمرسلين السلام على الأئمة المستودعين السلام على خاصة الله من خلقه السلام على المتوسمين السلام على المؤمنين الذين قاموا بأمره و وازروا أولياء الله وخافوا بخوفهم السلام على الملائكة المقربين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ان هذا النموذج من الإخلاص والمخلصين والوعي والواعين كان قليلا في صدر الإسلام حتى قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لعدد من اصحابه او نستطيع ان نقول لاكثر أصحابه: (يا أشباه الرجال ولا رجال وحلوم ربات الحجال) اي النساء طبعا وقال ما مضمونه: (انني ان دعوتكم في الشتاء قلتم دعنا حتى يذهب عنا البرد واذا دعوتكم في الصيف قلتم دعنا يذهب عنا القيض واذا كنتم عاجزين عن حر الصيف فإنكم أعجز عن تحمل حر السيف). وهذا النموذج هو الذي كان في صدر الاسلام وسبّب انتصار معاوية في صفين واللجوء الى التحكيم كما سبب تفرق الناس عن مسلم بن عقيل سلام الله عليه وعن الحسين سلام الله عليه إلا انه عن طريق التربية المركزة والمستمرة بمقدار ما هو ممكن من قبل قادتنا المعصومين عليهم السلام وعلمائِنا المرحومين رضوان الله عليهم تبدل هذا النموذج بالنموذج الآخر المخلص المتفاني الذي كان ولا يزال نراه يفيد الدين ويضحي في سبيل شريعة سيد المرسلين.

اذكر لكم فيما يلي قصتين باختصار نتذكرهما لأجل زيادة العبرة وتجديد الهمة في سبيل الله تعالى :
احداهما أن المتوكل حين حرث قبر الحسين عليه السلام واجرى عليه الماء منع زيارته ووضع الحرس وكانوا يمسكون بالزوار فيقطعون ايديهم من المعصم كأنهم سراق والعياذ بالله حتى جاء رجل وهو ملتف بعباءته فامسكوه وقالوا له اخرج يدك لكي نقطعها فاخرج لهم يده اليمنى فاذا هي مقطوعة فقالوا له اخرج يدك اليسرى فأخرجها فإذا هي مقطوعة قال أنتم قطعتموها في زيارات سابقة لي ومع ذلك فهو مقبل للزيارة غير خائف ولا هائب طبقا لقول رسول الله صلى الله عليه واله كما في الرواية : (ان لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب شيعته ومحبيه لن تبرد الى يوم القيامة).

أن المنع حصل في الحكمة الالهية لقصور او تقصير في المجتمع بما فيهم السيد محمد الصدر ولو كنا على مستوى المسؤولية حقيقة وموضوعاً للرحمة الالهية من جميع الجهات لما حصل المنع بكل تأكيد. اما ما هو سبب القصور والتقصير فليس هذا مهما الان وانما المهم والاهم هو ان نحاسب انفسنا وننظر الى اعمالنا والى مدى اخلاصنا لربنا وهدفنا وديننا ونحاول السير الحثيث للزيادة والتكامل بفضل الله سبحانه وتعالى ولا ننسى ان المخلصين الممحصين من اصحاب الانبياء والمعصومين لم يكن يخطر في بالهم الخوف طرفة عين كما قال الله تعالى : “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ” (البقرة 249) وقوله تعالى : “وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (ال عمران 147-148) وقال تعالى في قصة طالوت : “فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ” (البقرة 249-251).

جاء في كتاب أضواء على ثورة الحسين لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: لا شك أن التقية واجبة عندنا بنص القرآن الكريم والسنة الشريفة إجماع علمائنا. أما القرآن الكريم ففي أكثرمن آية واحدة كقوله تعالى “ِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً” (ال عمران 28). وأما السنة الشريفة فأكثر من نص كقوله عليه السلام: (التقية ديني ودين آبائي) . وقوله عليه السلام (لا دين لمن لا تقية له) . وقوله عليه السلام (التقية درع المؤمن الحصينة). ويغر ذلك وأما الاجماع فهو واضح لمن استعرض فتاوى علمائنا، بل الحكم يعتبر من ضروريات المذهب. إذن فالتقية واجبة. وهذا ما حدى بالمعصومين عليهم السلام جميعاً العمل بها إلا الحسين عليه السلام. فلماذا لم يعمل بها هذا الإمام الجليل. إذ من الواضح أن أحداً من المعصومين غيره لم يتحرك مثل حركته، بل كانت الثورات متعددة، والحروب في داخل البلاد الإسلامية وخارجها موجودة. وهم معرضون عنا لا يشاركون بأي شيء منها. حتى لو كان الثوار والمحاربون من أبناء عمومتهم كذرية الحسن أو الحسين الذين تحركوا خلال العهدين الأموي والعباسي بكثرة، عدّ منهم في مقاتل الطالبيين عشرات. الا أن المعصومين سلام الله عليهم. لم يكونوا من بينهم بأي حال من الأحوال. بل كانوا يسلكون سلوكا مغايراً لذلك تماما عملاً بالتقية الواجبة التي يحسون بضرورتها التشريعية والواقعية عليهم سلام الله عليهم.لا يستثني من ذلك إلا واحد معين منهم هو الإمام الحسين عليه السلام في حركته العظيمة. إن العمل بالتقية رخصة لا عزيمة . ومن هنا يمكن القول أن الإمام الحسين عليه السلام كان مخيراً يومئذ بين العمل بالتقية وبين تركها ولم يكن يحب العمل بالتقية في حقه. وما دام مخيراً فقد اختار الجانب الأفضل في نظره، وهو فعلاً الأفضل في الدنيا والأفضل في الأخرة، وهو نيله للشهادة بعد صموده ضد الانحراف والظلم والظلال. ومن هنا، أيضاً، كان عمل أصحاب الأئمة والمعصومين عموماً. مع العلم أنهم كانوا عارفين بالأحكام متفهمين للشريعة مرتفعين في درجات الإيمان. فعمار بن ياسر عمل بالتقية حين طلب منه مشركوا قريش الطعن بالإسلام ونبي الإسلام .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here