أحزاب الصبيان

علي الابراهيمي

كلام ( صالح محمد العراقي ) – الناطق الرقمي عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر – وحده كفيل بأن يرجع أي عاقل من فريق السيد مقتدى الصدر إلى بيته ، حين يجد نفسه – بعد هذا الكلام – يتظاهر دفاعاً عن ( القواعد الإسرائيلية والأمريكية ) في ( أربيل ) وعن وجود ( د١عش ) في (الأنبار) ، وهو كاشف عن اختراق ( غير شيعي ) خطير لهذه المنظومة الغريبة ، والحديث عن ( قاسم مصلح ) موافقة ضمنية من قادة التيار على إتهامات ( الأمريكيين ) له . لذلك فالأكيد والمتيقن من قبل أي باحث أن ( التيار الصدري ) لو سيطر بقوة على السلطة سيكون أكبر همه ليس حل ( الحشد الشعبي ) بل زج رجال الحشد في السجون ، لأننا نرى عملية بحث عن الثأر ( غير شيعية ) واضحة .

لكنّ الجمهور الذي يفهم من رسالة ( السيد مقتدى ) في ( صلاة الجمعة الموحدة ) الوصية بالابتعاد عن ( الدين والدنيا ) ، والذي لا يعرف من سورة ( الفاتحة ) سوى ( بسم الله الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين * اهدنا الصلاة المستقيم* صلاة الذين أنعمت عليهم ) ، والذي يريد تحويل النظام السياسي العراقي ( الجمهوري ) أساساً إلى نظام ( جمهوري ) ، والذي يعتقد أن ( السيد ) مذكور في القران بإجماع المفسرين حول آية (( اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا انا اليكم مرسلون )) ، والذي يرى معظمه أن السيد مقتدى الصدر هو ( الإمام ) ، والذي يريد ( برلمان رئاسي ) ، و (القيادة) التي تحالف دكتاتوراً قبلياً انفصالياً مهرّباً للنفط ومخرّباً للاقتصاد الوطني وعميلاً للغرب وحليفاً لإسرائيل وملاذاً للإرهابيين مثل ( بارزاني ) ، وتعتقد أن ( الحشد الشعبي العراقي ) عدو طائفي ، في الوقت الذي تصادق صنيعة أجهزة مخابرات طائفية فاسداً مثل ( الخنجر ) ، والتي ترى أن النظام السعودي الدكتاتوري الطائفي القمعي افضل من نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الديمقراطي ، وترى أن ( التجربة المصرية ) الفاشلة والقمعية والمديونة نموذجاً يجب نقله إلى العراق ، هي لا شك جهات لا تعرف شيئاً عن الإصلاح .

والتيار الذي يريد القول – بالقوة – أن جميع المنظومة السياسية القديمة فاسدة ، ما عدا ( سياسي التيار ) و ( سياسي بارزاني ) و ( عشيرة الحلبوسي ) ، هو ( أعور ) لا شك .

إن ما لا يفهمه بسطاء أنصار ( تيار السيد مقتدى الصدر ) أنهم وقود حرب (شيعية-شيعية داخلية) ، بعد فشل (المحاولات الخارجية) السابقة لخلق حرب (شيعية-شيعية عراقية إيرانية) كانت وسائل إعلام (التيار) جزءاً منها أيضا . ولو اشتعلت الحرب الاولى وفاز فيها ( التيار ) – والجميع خاسر – ستكون مقدمة للحرب الثانية بالتأكيد .

فهل يجد أنصار ( التيار الصدري ) أنه من الصدفة أن تعادي قيادتهم : الحشد الشعبي ‏والاحزاب والحركات الشيعية كافة ‏وايران ، وأنها بعيدة عن كل المرجعيات الدينية الشيعية ، وأنها تجتمع مع مصالح أعداء شعوب اليمن والبحرين ولبنان ، وأنها تتحالف وصديقة أو معجبة بتجربة عائلة ( بارزاني ) و ( الحلبوسي ) ‏والنظام السعودي وانظمة الخليج والنظام المصري .

المثل الشعبي العراقي ” مطلجهه ويدحج اعله حجولهه ” أفضل تعليق منقول عن ( حميد الهايس ) على وضع ( التيار الصدري ) في العملية السياسية العراقية حاليا .

لقد قمعت حكومة ( الكاظمي ) مخيمات اعتصام المتظاهرين (التشرينيين) في بغداد ، ثم قمع كوادر التيار الصدري لمخيمات اعتصام انتفاضة تشرين في المحافظات ، في ليلة وضحاها ، ثم السماح بدخول تظاهرات التيار لمؤسسات الدولة التشريعية والقضائية في المنطقة الخضراء المحصنة يكشف جميع خيوط لعبة الدكتاتورية القائمة اليوم .

إن تواطؤ رئيس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي) والأمين العام لمجلس الوزراء (حميد الغزي) لتسهيل عبور (أنصار تيار السيد مقتدى الصدر) إلى مبنى البرلمان والمؤسسات التشريعية والقضائية أمر متوقع جدا ، لأنهم اكبر المستفيدين من بقاء الوضع على ما هو عليه ، لا سيما مع كون الوكيل الأول لوزارة الداخلية من ( التيار ) ذاته .

فيما دعوة (الأمم المتحدة) لحماية ( المتظاهرين ) وعدم اهتمامها بالمؤسسات الدستورية والمسار الديمقراطي التي تعطّلها التظاهرات وتهدد القائمين عليها ، وقول (الولايات المتحدة الأمريكية) أن ” حق التظاهر مكفول دستورياً ” رغم خوضها تحقيقاً قاسياً ضد ( المتظاهرين الذين اقتحموا البرلمان الأمريكي ) ، ودعوة الطائفي ( خميس الخنجر ) لإسقاط النظام السياسي برمته ، وتأجيل رئيس البرلمان (محمد الحلبوسي) لجلساته ، وتعطيل رئيس الوزراء (مصطفى الكاظمي) لدوائر الدولة لتوفير مزيد من الدعم البشري المتفرغ للتظاهرات ، وعدم قيامه بواجبه في حماية المؤسسات (التشريعية) و (القضائية) ، وتوليته (جهاز المخابرات العراقي) لشخصيتين من (التيار الصدري) ، كل ذلك يؤكد الأنباء التي تشير إلى تحضير (مصطفى الكاظمي) لانقلاب بالتعاون مع (الأجهزة الأمنية) و (الجيش) ، ورعاية أمريكية أممية غير مباشرة ، لإلحاق العراق بمصر وتونس .

وحينئذ لن يكون الخاسر (خصوم التيار الصدري) وحدهم ، بل جميع (الشعب العراقي) ، بما فيهم (قواعد التيار الصدري) الساذجة ، بل بما فيهم (قياداته) التي هي أضعف من مواجهة (التدابير المخابراتية العالمية) .

إذ نرى أن ( تركيا ) كانت واحدة من أكثر المستفيدين من سقوط البرلمان العراقي ، حيث انشغلت الساحة السياسية العراقية عن محاسبتها بعد قتلها للعراقيين في مصيف ( برخ ) بدهوك .

إن نفس المقدمات ( الشعاراتية ) القائمة في ( العراق ) اليوم من مكافحة ( الفساد ) والقضاء على ( الأحزاب ) وحماية ( الشعب ) كانت قائمة في ( مصر ) قبل ( انقلاب السيسي ) ، ونفس ( التغليسة ) الدولية ، ونفس الدعم الإعلامي لنفس القنوات والشبكات ، ونفس الإعلان من ( الجيش ) عن ( الحياد ) ، ونفس ( القلق ) من ( المرجعية الدينية ) ، وكانت النتيجة القضاء على ( التعددية الحزبية والسياسية ) و ( الديمقراطية ) و جدية ( الانتخابات ) ، وكذلك تم ( رفع الأسعار ) و ( فرض الضرائب والرسوم) التعسفية و ( سجن عشرات الآلاف ) من ( المواطنين الناشطين ) و ( عودة رموز الدكتاتورية القديمة ) و ( التصالح مع رجال الأعمال الفاسدين ) و ( بيع اصول وشركات ومؤسسات الدولة السيادية ) للخليجيين والأجانب و ( سيطرة الجيش ) على كل الحياة السياسية والاقتصادية و ( كتابة نصوص دينية جديدة ) ، وأن ( مصر ) اليوم مديونة ب ( ١٦٠ مليار دولار ) قابلة للزيادة انفقتها على مشاريع ( استهلاكية ) لا تنتج المال مثل ( تبليط الشوارع ) وهي إحدى أهم الدول المرشحة للإفلاس بعد ( سريلانكا) . وهذا ما ينطبق تقريباً بالحرف على ( تونس ) التي اقرب للعراق في نموذجها من جهة كون ( الانقلاب على الديمقراطية ) بدأ من ( تيار مدني ) تحت رعاية ( حياد الجيش والقوى الأمنية ) و ( علاقات دولية ) تقودها ( فرنسا ) .

في التجربة التونسية , كانت نداءات وشعارات الرئيس المنقلب ( قيس سعيّد ) مشابهة , بل ربما مطابقة لشعارات السيد ( مقتدى الصدر ) تجاه عمل البرلمان والأحزاب والسيادة . لكنّ اهم التغييرات التي جاء بها ( سعيّد ) بعد انقلاب ٢٠٢١م الدكتاتوري المدعوم غربياً وخليجياً في نص الدستور غير الشعبي الجديد ٢٠٢٢م : التخلي عن مكاسب دستور الثورة المنتخب في ٢٠١٤م الذي كرّس الحريات وفصل بين السلطات , والتحول إلى النظام الرئاسي والتخلي عن النظام البرلماني , وجمع أغلب صلاحيات السلطة بيد الرئيس ومنها حق تعيين الحكومة أو إقالة وزرائها وكتابة الميزانية والموافقة عليها , وارجاع الأنظمة المركزية والتخلي عن اللامركزية في حكم الولايات , وجعل القضاء وظيفة بيد الرئيس بعد أن كان القضاء سلطة مستقلة , واخضاع الجيش والقوى الأمنية لسلطة الرئيس , وحماية الرئيس من اي مساءلة قانونية , و‏الغاء فقرة ( الإسلام دين الدولة) وجعل السلطات الدينية بيد الرئيس والحكومة فقط .

إن ( الحياد الأمني ) صحيح حين تكون هناك ( تظاهرات حقوقية ضمن إطار القانون والدستور ) لا ( تظاهرات تريد تغيير الدستور والنظام خلافاً للقوانين الوطنية المتفق عليها من قبل جماعة واحدة تخالف رأي الأغلبية ولا تشاركهم التوجه ) .. الحياد الأمني عند إسقاط مؤسسات الدولة الديمقراطية مشاركة ضمنية في ( انقلاب ) .

إذ أن هذه التظاهرات سياسية بامتياز . فالنائب ( مصطفى جبار سند ) – بغض النظر عن ماذا يكون – كان واحداً من أكثر النواب الحاليين فضحاً لفساد حكومة الكاظمي وصفقاتها ببيع البلد ومؤسساته ، فالخروج بمظاهرة لغلق مكتبه يكشف أن جزءاً كبيراً من التظاهرات تُستخدم من قبل السياسيين لتصفية الحسابات مع خصومهم .

القنوات والمواقع الإخبارية الانفصالية والبعثية والطائفية والخليجية والقنوات والشبكات العراقية الممولة بالمنحة الأمريكية كانت هي أهم الناقلين لاخبار وتحركات ( صلاة الجمعة الصدرية الموحدة ) في بغداد وللتسريبات المنسوبة لنوري المالكي .

اما شعارات ( ايران برة برة ) , فهي من الطائفيين معروفة يريدون برمزية (ايران) عموم ( الشيعة ) , لكن التصريح حالياً بذلك امر لا زال فيه بعض الحرج , اما من تيار السيد مقتدى الصدر فمستهجن , لأن ايران التي لم تستطع حتى استحصال دين بسيط بذمة الحكومة العراقية , ولم تستطع حماية اهم قادتها وهو يزور العراق , ليست صاحبة النفوذ فيه قطعا . بل يمكن معرفة من صاحب النفوذ في العراق من خلال معرفة قواعده العسكرية وامقراته وحجم سفاراته المنتشرة في البلاد , ومن خلال معرفة من يملك شركات النفط الأجنبية العاملة فيه , ومن خصصت له الحكومة المشاريع الكبرى الحالية والمستقبلية . فنجد سفيرة أستراليا في العراق ( باولا كانلي ) تضغط خلال لقائها برئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي من أجل الإسراع بتشريع قانون ( العنف الأسري) . فيما السفيرة الأمريكية في العراق قالت بصراحة ان ” الولايات المتحدة الأمريكية هي التي دعمت العراق دبلوماسياً باتجاه الربط الكهربائي بين العراق والاردن ، والشركة المنفذة للبنى التحتية في الجانبين ( أمريكية ) ، وكذلك دعت دول الخليج إلى التعاون ( الشمولي ) مع العراق في مجال الربط الكهربائي . وهو الربط الذي لا يحقق 5% من حاجة العراق لحل مشكلته كما صرح وزير الكهرباء العراقي في حكومة الكاظمي . والأخير قال في كلمة ألقاها في قمة (جدة للأمن والتنمية) إن “العراق يدعم مسار الحوار والمفاوضات لإبعاد الأسلحة النووية عن المنطقة، وجعلها منطقةً آمنة بما يصب في مصلحة دول المنطقة والعالم بأسره”. والاكيد انه لا يقصد أسلحة إسرائيل , لأنها الوحيدة التي تملك تلك النوعية من الأسلحة في المنطقة , بل يقصد الدولة التي يقصدها الغرب كذلك , وهي ايران . كما اقترح الكاظمي إنشاء “بنك الشـرق الأوسط للتنمية والتكامل ” بالشـراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصـر والأردن، مضيفا أن البنك سيهتم “بالتنمية الإقليمية المستدامة عبر تمويل المشاريع في البنية التحتية . والاكيد ايضاً انه يقصد الإسراع في برامج الصرف العراقي المفتوح مؤخراً على الاردن .

ان أغلب العراقيين لا سيما الشيعة منهم زاروا ( الجمهورية الإسلامية في إيران ) ، واطلعوا على عظمة هذه الدولة حضارياً ، رغم أنها محاصرة من عام ١٩٧٩م ، أي لمدة ٤٣ عاماً ، أربعة عقود ، ثم تم تشديد العقوبات العالمية عليها بقسوة ، لكنها تزداد تقدماً وقوة . بينما تم فرض الحصار الدولي على العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٩١م ، لتنهار معه كل مؤسسات الدولة ، وانهارت معها كل القيم الصحية والاجتماعية ، وظهرت حقيقة الفشل الإداري الذي كان يعيشه نظام صدام في ظل الدكتاتورية المقيتة .

اما موضوع السيادة , فعند مقتل ٨ سائحين مدنيين عراقيين بقصف تركي على مصيف ( برخ ) في دهوك شمال العراق , كانت دعوات ( السيادة ) التي يطالب الطائفيون على مواقع التواصل الاجتماعي من حلفاء السيد مقتدى الصدر وداعميه على الشبكات الإخبارية . بل ان مجلس النواب برئاسة (ذيل) تركي ( محمد الحلبوسي ) عقد اجتماعاً لمناقشة الاعتداء التركي على العراق ، باستضافة (ذيل) تركي مسؤول الرد العسكري العراقي ( وزير الدفاع جمعة عناد ) الذي تم تنصيبه بعد التشاور المباشر بين الذيل التركي ( محمد الحلبوسي ) والذيل التركي ( خميس الخنجر ) وبين مسؤول ملف العراق في المخابرات التركية بحضور الرئيس التركي ( رجب طيب أردوغان ) في قصر الرئاسة التركي . وبوجود (ذيل) أميركي يعمل ضد الحكومة المركزية ومسؤول عن الرد الدبلوماسي العراقي ( وزير الخارجية الكردي فؤاد حسين ) كما ثبت في اجتماعه مع الرئيس الأمريكي في قمة ( جدة ) , حين نقل رسالة تضمنت دعوة الساسة الأكراد ( الولايات المتحدة الأمريكية ) و ( بريطانيا ) إلى التدخل السافر في شأن العراق ، واعتبارهم الرئيس الأمريكي هو الرئيس الفعلي للعراق ، وقيام ( وزير خارجية العراق ) بأسوأ تمثيل لوزير خارجية في دولة من دول العالم حين حاول إقناع رئيس دولة أخرى تحتل بلده بأن حكومة بلده سيئة وظالمة نيابة عن الساسة (الأكراد) , الذين هم جزء من مكون عراقي يعاني من ظلمهم ودكتاتوريتهم , حيث صار واضحاً أن حكومة إقليم كردستان تريد من العراق كل شيء ، دون رغبة في إعطائه أي شيء . حيث نقلت شبكة (روداو) الكردية ان : رئيس حكومة إقليم كوردستان ( مسرور بارزاني ) يبعث رسالة إلى الرئيس الأميركي ( جو بايدن) قبيل قمة ( جدة ) عن “الانتهاكات الدستورية التي ترتكبها بغداد بحق إقليم كوردستان في مجال الطاقة، وكيف أن الحكومة العراقية بدأت الضغوط السياسية على إقليم كوردستان” , وان وزير خارجية العراق ( فؤاد حسين ) هناك شرح للرئيس الأميركي بشكل مفصل عن ” هذه المشكلة وضغوط وزارة النفط العراقية على حكومة إقليم كوردستان”.

فيما كان على السيد مقتدى الصدر وسياسييه سؤال الحكومة العراقية المركزية وحلفاءهم ( المصلحين ) في حكومة إقليم كردستان عن فوائد ( الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية ) ووجود ( القواعد العسكرية الأجنبية ) في البلاد بعد مقتل ( المواطنين المدنيين العراقيين ) على يد ( القوات التركية ) .

ان العالم الذي يراهن عليه السيد (مقتدى الصدر) ويريد له دوراً في العراق لا ينظر للشيعة الا بعين الإهمال والتضييع . ففي تقرير للجنة العدالة الايزيدية لصالح ( الايزيديين ) يثبت تورط تركيا في الإبادة الجماعية التي قامت بها جماعات (د١عش) , تم غض الطرف عن الإبادة الجماعية بحق الشيعة رغم أن المصدر واحد والمنفذ نفسه والسبب مشترك ! . فيما أقر البرلمان الألماني بتعرض الايزيديين العراقيين للإبادة الجماعية ، دون ذكر للشيعة الذين تعرضوا لإبادة قبلهم وتهجير قسري واسع على أساس معتقداتهم الدينية .

وفي أول تصريح مباشر عن العالمين ( الشيعي ) و ( السني ) والفصل بينهما في الفكر السياسي اليهودي الحديث ، واعتماد اليهود على الاخير ، حذّر ( رونالد لودر ) رئيس ( المؤتمر اليهودي العالمي ) من قرب زوال دولة ( الصهيونية ) في ( فلسطين) بسبب تزايد عدد (الفلسطينيين) ديموغرافياً ، وبدأ تفوقّهم النسبي على عدد (اليهود) هناك . واختار ( لودر ) في مقترحه الذي وجهه لرئيس الوزراء الاسرائيلي ( يائير لبيد ) إلى التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية و ( العالم السني ) و ( الفلسطينيين المعتدلين ) لحل هذه المشكلة في إطار ( حل الدولتين ) ، ودعا إلى عدم السماح ببقاء (الفلسطينيين) ضمن اراضي (إسرائيل) أو منحهم الجنسية الكاملة .

وفي تقرير حديث كشف رفع النقاب عن وثائق المخابرات البريطانية الصادرة في خمسينات القرن العشرين عن دراستها تفاصيل المجتمع المصري , فضلاً عن عالمه السياسي والعسكري , وانها عملت جاهدة على إزاحة ( جماعة الاخوان المسلمين ) المصرية عن السلطة , رغم اعترافها بانها التيار الشعبي هناك , لا لشيء الا خشية ان تتعامل حكومة مصر بقيادة الجماعة ب(كرامة) او تتعرض لقوات الاحتلال البريطانية . فهل يظن السيد ( مقتدى الصدر ) انه يحظى بتأييد السفارات والشبكات الإعلامية الغربية بصورة مباشرة او غير مباشرة لأنه يمثّل ( الإسلام العلوي ) او لأنه ( مصلح ) ! .

ان العالم السياسي الغربي – والحكومات الظالمة عموماً – مرعوبة او مرتبكة من صمود ( مبادئ الشيعة ) بعد انهيار اغلب المنظومات الفكرية او العقائدية العالمية امام سيل الظلم والظلام على الكرة الأرضية , ولا تبحث عن مد يد التعاون مع ( شيعة ذوي عقيدة ومبادئ ) , بل تبحث عن شيعة ( عملاء ) او ( ساذجين ) لتخترق مجتمعهم الصامد . وهذا الارتباك يتجلى من خلال اشارة رئيس اكبر دولة في الغرب لاسم إمام الشيعة ( المهدي ) , وفي كلمة أخرى اعتباره شهر المحرم ( مقدّسا ) . لذلك هم غير مستعدين للقبول بالزيادة السكانية الكبيرة المتوقعة لشيعة العراق , فيبحثون عن ظروف تمنع تكوين الاسرة فيه او ترابطها , كما يدفعون باتجاه حرب ( شيعية – شيعية ) تكون بين العراقيين والإيرانيين , او بين العراقيين انفسهم , واللتين يفتح لهما تيار السيد مقتدى الصدر الباب واسعاً لولا ضبط النفس من الجهات الأخرى . واذا كان أنصاره البسطاء يصدقون ان الاتجاه الى الاقتتال الداخلي لاسباب مكافحة الفساد , فاننا كباحثين وعموم العراقيين نعرف ان الشريك في كل الحكومات الفاسدة والحليف لأفسد انفصاليي وطائفيي العراق والداعم الرئيس لحكومة فاشلة مثل حكومة الكاظمي لن يكون سوى باحث أناني عن الانتصارات الفئوية .

لقد بلغ وزراء ووكلاء الوزارات والمحافظون ومعاونوهم والمدراء العامون والسفراء من التيار الصدري في الحكومات العراقية العشرات , ويفوقهم عدداً نواب التيار الذين تعاقبوا على البرلمان العراقي , فضلاً عن الوظائف الخاصة والأجهزة الأمنية , وكذلك مدراء مكاتب الوزراء . بل ان مرشح التيار الصدري لرئاسة الوزراء ( محمد جعفر الصدر ) سفير العراق في بريطانيا , والأمين العام لمجلس الوزراء ( حميد الغزي ) – الذي بسببه جيء بعميل فاشل مزور مثل الكاظمي – واحد من اهم وجوه التيار الصدري في محافظة ذي قار ورئيس مجلسها السابق .

ان ( التيار الصدري ) بقيادة السيد (مقتدى الصدر) لا تقوم قوة تماسكه على (المعرفة) ، ولا يملك أفراده رؤية مستقبلية أو مشروعاً واضح المعالم أو قواعد وضوابط فقهية ولا اي نسبة من اليقين أو الاستقرار النفسي ، ولا حتى قناعة بقياداتهم ، وانما تقوم على شكل العلاقات الاجتماعية بين أنصاره ، التي قامت على أساس (الحماسة العاطفية) التي رافقت مرحلة الشباب أو المراهقة ، و (التعاضد = العزوة ) كبديل عن العشيرة أو الأسرة . ثم قامت لاحقاً على أساس الانتفاع من (السلطة) تحت شعار ( مجهول المالك ) الشرعي بنظرهم . وكذلك تقوم أسس بقائه على فكرة أن السيد (مقتدى الصدر) إما (معصوم) يعيش (خفاء العنوان) , أو أنه شبيه بالمعصوم من حيث امتلاكه (عصمة مكتسبة) ، يعاني من خذلان وسوء سلوك أصحابه ، وهي فكرة موروثة في الوسط الشيعي ، وبالتالي أصحاب السيد (مقتدى الصدر) يشعرون تجاهه بالذنب دائماً ويحاولون إرضاءه بكل الطرق . ويكون تحت قيادة السيد (مقتدى) مجموعة من (العمائم الصغيرة) الوسطية التي تعزز هذه الفكرة حول عصمته . ويكون أسفل من هذه العمائم مجموعات من الأفراد المنتشرين في عموم العراق يدّعون أنهم ( روحانيون= عرفانيون ) تماشياً مع ( مدرسة السيد الشهيد الصدر) العرفانية ، وهؤلاء يلجأ إليهم (الصدريون المقتدائيون) دينيا ، رغم كونهم (دجّالين) ، لأنهم يوفرون أقرب الطرق إلى (الجنة) بأقل جهد من التعب أو العمل ب(رسائل التقليد ) . ومن ثم لا يمكن جرّ أحد أنصار التيار خارج عالمه الخاص هذا ، لأنه سيشعر بالغربة والضعف ، كما أنه لن يستطيع فهم واستيعاب فكر المرجعيات الدينية المجتهدة .

ان صمت مرجعية كبيرة محمية اجتماعياً ورسمياً بضخامة السيد ( علي السيستاني ) رغم وصول العراقيين ، لا سيما الشيعة منهم ، إلى حدود الحرب الأهلية ، وسكوتها عن انهيار المنظومة السياسية الديمقراطية وانهيار مؤسسات الدولة التشريعية ، امر غير مقبول .

لكنّ كتل ( الممانعة ) المتضررة اليوم من تحركات السيد مقتدى الصدر النزقة , ومن جرّه العراق الى أحضان دكتاتوريات الخليج الطائفية بصورة مباشرة , والى الحضن الغربي بصورة غير مباشرة , تتحمل ما جنته على نفسها من صناعتها إعلامياً – ولمصالح فئوية – لمرجعية دينية غير متحركة وغير مظهرة لعلمها , رغبة من تلك الأحزاب والحركات في توفر مرجعية دينية تسكت عن فساد جزء كبير من منظومتها , في ظل صمتها العام , والذي ثبت انه ( صمت وظيفي ) , يسمح لمجريات الاحداث السيئة بالمرور دون السماح بوجود قيادة دينية مرجعية على قمة الهرم الشيعي تعترضها . كما ان معظم كتل ( الممانعة العراقية ) و ( الاطار ) – ولأسباب فئوية انانية – جاءت بمنظومات بشرية فاسدة في معظم أجهزة الدولة العراقية , يستغلها اليوم خصوم ( الاطار ) في محاربته , لأنه تعمل لمن يدفع اكثر .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here