ماذا لو حكمت الاحزاب العراقية سويسرا ؟
هو عقد …اذا انفرط لن يلتحم من جديد .
طالما شكل الحديث عن تغير الدستور والنظام السياسي في العراق حديثا عرضيا يطرح في مقابلات او تصريحات سياسية كنوع من انواع الاستهلاك الاعلامي , الا انه اتخذ مؤخرا مساحة اكثر جدية , وبعدا اكثر الحاحا من ذي قبل , خاصة مع ازمة تشكيل الحكومة وما تبعها من تطورات , فأخذ يطرح كشرط واجب التنفيذ مقابل تهدئة الاوضاع , وكأن المشكلة العراقية تكمن في نوع النظام السياسي الذي يقوده او نوعية الدستور الذي يديره …
وكواقع حال فان اكثر جهة متحمسة لهذا الطرح هي الاحزاب الممثلة لمكون الاغلبية , بينما تقف احزاب المكونين الكوردي والسني بين الرفض والقبول بتغيرات محددة دون المساس بجوهر العملية السياسية … وتاتي حماسة احزاب المكون الشيعي لاسباب كثيرة من بينها :-
* ان مكتسباتها السياسية لن تتاثر بذلك التغير بل يمكن توظيفه لاضافة مكتسبات جديدة لسابقاتها.
* من وجهة نظرها…فان النظام السياسي والدستور الحاليين يعرقلان ما تطمح اليه من الاستحواذ الكامل على السلطة وتوجيه البلد حسب توجهاتها.
* ان تغير النظام والدستور يعطيان الاحزاب هذه دفعة جديدة للاستمرار بالتواجد على الساحة السياسية باظهارها الدستور ونظام الحكم البرلماني شماعة لفشلها في ادارة العراق .
وفي الحقيقة فان اي تغير للنظام السياسي اوالدستور في هذا الوضع المضطرب سيصب في مصلحة تلك الاطراف الشيعية لا اكثر خاصة في ظل سيطرة المليشيات سياسيا وامنيا على الوضع العراقي .
ان المتابع للشان العراقي منذ الالفين وثلاثة والى يومنا هذا يدرك ان المعضلة العراقية لا تكمن في نظام الحكم البرلماني ولا في نصوص دستوره , وانما في الاطراف التي تدير النظام السياسي , وتفتي في الدستور , والتي افرغته من محتواه . ولو اشرفت هذه الاحزاب السياسية على اكثر دولة ديمقراطية في العالم , وافتت في نصوصها الدستورية لحولتها الى ما هو عليه الحال في العراق في وقت قياسي .
والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو … مالذي سيحققه تغيير النظام السياسي والدستور في ظل الاحزاب الحالية ؟
– هل سيتم القضاء على الفساد في ظل سيطرة الفصائل المسلحة والاحزاب الحالية ؟
– هل سيغير النظام الرئاسي طبيعة علاقة العراق بالدول الاقليمية والعظمى في ظل سيطرة هذه الجهات ؟
– هل سيوقف النظام الرئاسي ضغوطات هذه الجهات ؟
– هل يمكن انتخاب الرئيس دون تاثيرات خارجية اقليمية او دولية ؟-
– هل ستفسح الاحزاب الموجودة المجال ليتم ترشيح الرئيس من خارجها مباشرة من قبل الشعب ؟
– ولو فرضنا ان ضغوطات الشارع اجبرت الاحزاب على ترشيح شخصية مستقلة , فهل سيبقى مستقلا ؟
– هل سيحوز النظام والدستور الجديدين على رضا بقية المكونات ؟
– هل سيسمح للرئيس في ظل النظام الرئاسي في ان يكون من خارج مكون الاغلبية , ام سيخضع المنصب للمحاصصة ويكون من حصة مكون الاغلبية ؟ خاصة وان الاطراف السياسية رفضت بشكل قاطع الاغلبية الوطنية في الانتخابات الاخيرة واصرت على التوافقية .
– هل وصل الوضع في العراق لان ينتخب فيه مكون ما الرئيس من مكون اخر ؟
– ما هي البنود الدستورية التي اذا تغيرت ستؤدي الى استقرار العراق ؟
– هل ستتوقف الاطراف السياسية عن بدعة التاويلات القانونية والسياسية لبنود الدستور الجديد ؟
– كيف يمكن الاقرار بدستور مستقبلي دون موافقة جميع المكونات ؟
– ان كانت الاحزاب السياسية قد تهربت لسنوات من تطبيق بنود دستورية , لمجرد انها لا تصب في صالح توجهاتها المذهبية او القومية , فكيف ستتفق على دستور جديد يضم نقاط تصب في صالح جميع المكونات ؟
في ظل الاحزاب المهيمنة على الوضع العراقي الحالي فان اي حديث عن تغير النظام الرئاسي او الدستور هو حديث مغرض , يهدف الى استحواذ مكون سياسي واحد على بقية المكونات , فالدستور الحالي وضع في ظروف لم تكن فيه الاحزاب الموجودة على الساحة الان تستحوذ على الوضع العراقي كما هو عليه الحال الان , ولم تكن امتداداتها وارتباطاتها الاقليمية بهذا التشابك , ولم تكن الفصائل المنفلتة قد تشكلت بعد , لذلك فان اي تغير في النظام السياسي او الدستورحاليا سيكون تحت سطوة الاحزاب والفصائل المسلحة وامتداداتهما الاقليمية , ويسخران لخدمة اهدافها , بعيدا عن مصلحة المكونات العراقية الاخرى , بعيدا عن ترسيخ ديمقراطية حقيقية في العراق …. فمن الهراء التصور بان الاسلام السياسي” الجهادي” يمكن ان يشرع دستورا ديمقراطيا حقيقيا , فما بالك باسلام سياسي”جهادي”منفلت ؟ .
ثم ان الدستور هو عقد سياسي بين مكونات وافراد الشعوب العراقية , واي تغير في هذا العقد سيجعل من المكونات المتضررة في حل منه… عقد اذا انفرط لا يمكن ربطه من جديد … ولا يعني رغبة “حزب” او “شريحة في مكون” وحتى “مكون كامل” في تغيره بانه اصبح واجب التغير…. وماذا بشان رغبة بقية المكونات , هل تم اخذ رايها ؟
المفارقة في هذا الموضوع ان المنادين بتغير نظام الحكم والدستور هي نفس الاحزاب التي فشلت ومنذ الالفين وثلاث في ادارة ليس العراق فحسب بل فشلت حتى في ادارة نفسها كاحزاب , فمن المواضح ان الصراع السياسي تجاوز الصراع المكوناتي الى صراع داخل المكون الواحد بل والى داخل الحزب الواحد , فكيف يمكن لاحزاب فاشلة من خلق دولة ناجحة ذات دستور و نظام سياسي ناجحين ؟
والمفارقة الثانية ان التجارب العالمية تخبرنا بان المكونات الاصغر هي من يفترض ان تنادي بتغير الدساتير عندما لا يضمن الدستور مستقبلها ومكتسباتها في ظل الدولة الواحدة , باعتبار ان المكون الكبيرتكون حقوقه مضمونة تلقائيا , اما في العراق فان مطالبات تغير الدستور والنظام السياسي تاتي من قبل المكون الاكبر , بينما المكونات الاصغر(الكوردي والسني ) ساكتان على مضض عن المطالبة بتغيره , لادراكهما بان هذه المطالبات مغرضة وان وراء الاكمة ما ورائها .
وهنا نريد ان نسال سؤالا مباشرا… هل طبق الدستور العراقي بحذافيره كي نتهم الدستور بانه هو المشكلة ؟ فهناك خمسين بندا دستوريا لم يطبق منها شيء لغاية اليوم , وحتى ما طبق منه من بنود جرى تأويلها بشكل يصب في صالح الاطراف المتحكمة , واي دستور جديد في ظل الراسخين بعلم التاويل الدستوري سيكون مطاطا لدرجة لا يمكن تطبيق اي بند فيه , فحتى لو حكموا سويسرا بنفس نظام حكمها ودستورها الحاليين فسوف “يعرقنونها” خلال سنوات قليلة .
انس الشيخ مظهر
كوردستان العراق- اربيل
8-4-2022