الانتاج والاستهلاك الأدبيان .. روجر وبستر

ترجمة ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات والترجمة
كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
لقد اخترت أن أركز في بقية هذا الفصل على مفهومين، وهما الإنتاج والاستهلاك. ويتضمن هذان المصطلحان في الأساس أن الأدب ليس خالدًا أو في فراغ تاريخي، ولكنه يخضع لسياقين: السياق الذي كتب وأنتج أو أنشيء فيه، والسياق الذي يجري فيه تداوله وقراءته واستهلاكه لاحقًا. وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو تمييزًا واضحًا، إلا أن الاختلافات بين هذين السياقين غالبًا ما يتم جعلها غير واضحة، لذلك عندما تقرأ و تفسر قصيدة أو رواية، يمكن أن ينشأ التباس عما إذا كنا نجد معاني خاصة بمجموعة معينة من علاقات القراءة التي تشكل سياق القراءة، أو معاني نفترض أنها كانت موجودة في البداية وتبقى ثابتة. يمكن أن يكون هذا التقسيم أكثر تعقيدًا عندما ندرك أن معاني النص الأدبي تتغير بمرور الوقت، حتى نتمكن من الجدل بأن مسرحية هاملت أصبحت تعني شيئًا مختلفًا جدًا للجمهور في ثمانينات القرن العشرين عن الجمهور في السنوات الأولى من القرن السابع عشر. نحن بحاجة إلى أن ندرك أن وجهات نظرنا عما قد كان يعنيه في ذلك الحين هي في حد ذاتها فعل تفسير أو إعادة بناء وأن فكرة إنشاء نوع من المعنى “الأصلي” إشكالية ومشكوك فيها للغاية.
يساعد التقسيم بين الإنتاج والاستهلاك في التفكير في تغيير المواقف تجاه قراءة الأدب والتعامل معه في النقد والنظرية الأدبية. و يمكن توضيح ذلك بصورة مبسطة على النحو الآتي:

يمثل هذا المخطط الموقف المنطقي تجاه الأدب بأن المؤلفين ينتجون أعمالًا يقرأها القراء بعد ذلك، ويُفترض أن تكون عملية الإنتاج والنقل من المؤلف إلى القارئ وأن الأفكار أو المعاني التي توصل تبدو وكأنها تنشأ في عقل المؤلف ثم تنقل بواسطة القصيدة أو الرواية أو المسرحية إلى القارئ. عندئذٍ يكون القارئ قادرًا على العودة على طول هذا المحور لاكتشاف نية المؤلف و يعيد التجربة التي مر بها المؤلف. إن نقطة البداية والنقطة المحورية المعتادة لنموذج القراءة هذا هو المؤلف الذي يشكل أصل ومصدر المعاني المنسوبة إلى عمل أدبي في شكل نية وتجربة .
ويمكن أيضًا استعمال المخطط لتوضيح التغييرات في التركيز بنحو مبسط والتي نشأت في المناهج النقدية في غضون الخمسين عامًا الماضية، والتي مدت مؤخرًا بالتطورات في النظرية الأدبية والنقدية. ويمكن وصف معظم الانتقادات قبل الخمسينات من القرن الماضي، وفي الواقع بعد ذلك بكثير، بأنها “تتمحور عن المؤلف”: أي التركيز على المؤلف على غرار نموذج الفطرة السليمة الموضح انفا، حتى بدأ عدد من النقاد في التشكيك في هذا الافتراض في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، مجادلين أن الاهتمام يجب أن ينصب في المقام الأول على العمل الأدبي أو النص وليس المؤلف. وأشاروا إلى أن هم الناقد الرئيس كان مع لغة النص الذي يقرأ وشكله، وليس مع المؤلف الذي أنتجه: في الواقع فإن التطورات من هذا المقترب تجادل بأن المعنى لا ينتجه المؤلف ولكن ينتج بواسطة لغة النص. وفي الآونة الأخيرة، ركز عدد من المنظرين الذين قدموا مجالًا معينًا للنظرية الأدبية يُعرف عادةً باسم “نظرية القارئ reader theory ” أو “نظرية الاستقبال reception theory “، ليس على المؤلف أو النص، ولكن على القارئ لكونه الشخصية المركزية في عملية القراءة و العملية النقدية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here