يوم عاشوراء وبدعة التطبير !

يوم عاشوراء وبدعة التطبير ! (*) د. رضا العطار

عندما نستعرض تاريخ الدولة الصفوية، نجد بان الشاه اسماعيل الصفوي يبادرالى ارسال وزيره (وزير الشعائر الحسينية) مع عدد من رجال الدين الى دول اوربا الشرقية، بمناسبة الذكرى التاريخية لمصائب النصارى وشهدائهم القسسة، الذين قُتلوا على ايدي اباطرة الرومان في سالف الزمان. بغية الوقوف والاطلاع على تفاصيل المراسيم والطقوس التي يجريها هؤلاء القوم.

كانت هذه الطقوس تشمل النعش الرمزي (تشبيه) والضرب بالزنجير على الظهور وحز الرؤوس بالسيف (التطبير) مع استخدام الآلات الموسيقية، وقد قام الشاه اسماعيل الصفوي بأدخال الطقوس المسيحية هذه الى بلاد فارس الاسلامية وطبقها بحذافيرها. ولم يمضي إلا سنوات معدودات حتى عمًت هذه الطقوس المدن الايرانية كلها، وبدأ الناس يألفونها وكأنها موروثات قومية فارسية.

كان العراقيون انذاك يمارسون طقوس شهر محرم، داخل بيوتهم وفي المساجد حصرا، بكل مقبولية واتزان، تُقرأ فيها المراثي الحسينية والاناشيد الدينية بالمناسبة، ثم تتبعها الصلاة والعبادات، لكن ما ان حل القرن الثامن عشر حتى ادخل اتراك مدينة تبريز الايذربيجانية هذه الطقوس الدخيلة الى مدينة كربلاء في شهر محرم، فكانت الممارسات غريبة على العراقيين، فقد استوحشوها في بادئ الامر، لكنهم تطبًعوا عليها مع مرور الزمن يمارسونها بهمًة ونشاط، مضيفين اليها من عندياتهم، فتراهم ينطلقون الى الشوارع والساحات العامة، يلطمون صدورهم العارية او يجرحون ظهورهم بالزناجير.

فهنا نستعلم بان اهداف الدولة الصفوية لم تكن تقتصر على الاهتمام بمراقد المسلمين الشيعة في العتبات المقدسة في العراق فحسب، انما تعًدى ذلك الى التأثير السيًئ على عقول العامة من الناس، عبر ما ادخلوه من عقائد وعادات غير اسلامية في اصولها، سخيفة في جوهرها، تتنافى مع التقدم الحضاري وتتضادد معه.

وفي هذا السياق يضيف د. رضا العطار قائلا : حينما كنت في تسعينيات القرن الماضي مقيما في واشنطن وانا في مرحلة التقاعد، تلقيت من ادارة مستشفى العراقيين في طهران، دعوة لأدارة عيادتها الخارجية لطبابة العيون.

واثناء تواجدي في العاصمة الايرانية، اصدر البرلمان الايراني في الجمهورية الاسلامية عام 1995 قانون منع التطبير.

وبعد هذا الاصدار باشهر قليلة جاء شهر محرم، ولم يكن في الحسبان ان يتجمع حوالي 400 عراقي مسفر في حديقة دار احدهم خفية، فجر يوم عاشوراء ويتطبروا ، متحدين القانون المذكور، لكن سرعان ما انكشف امرهم للمخابرات الايرانية فاعتقلوا، وشاع بين الناس بان الحكومة ستقوم بارجاعهم الى العراق، وهذا يعني هلاكهم حتما، فهاجت عوائل المحتجزين وماجت، هرعت مجموعاتهم المفزوعة نحو الشارع المؤدي الى مقر المرشد الاعلى السيد علي خامنئي، وقد ملئت الطرقات بعبائتهن العراقية السوداء يصرخن عاليا يلطمن الخدود نائحات باكيات، يطلبن العفو والمغفرة، ولم تنتهي محنتهن إلا بعد ان اُخذ التعهد الخطي من ازواجهن بعدم التكرار.

ليكن هذا الحدث التاريخي عبرة لمن اعتبر، يجعلنا نتأمل كثيرا، نفكر في امكانية التقليم من طقوسنا المذهبية المتعلقة بالشعائر الحسينية مجاراة للعصر الذي نعيش فيه، ان الاصرار على النهج القديم والاستمرار على ممارسته دون تغيير لا يجدي نفعا ولا طائل من وراء ذلك بتاتا، علينا ان نضع اطفالنا في موضع الرأفة، نحترم مستقبلهم ولا نشوش ذهنيتهم انهم في عمر الزهور، حتى ينشؤا تنشئة حديثة، بعيدين عن عالم الخرافة، ليغدو اذكياء اصحاء في تفكيرهم، شيمتهم المنطق لا الخيال.

*مقتبس من كتاب هكذا تكلم شريعتي لمؤلفه الدكتور على شريعتي مع اضافات لكاتب السطور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here