حملُ الأسرى إلى يزيد (قصص قصيرة)

انبرَى جلاوزةُ يزيد إلى بناتِ النَّبيِّ والأَطفالِ , رَبَقوهُم بالحِبالِ كما تُربَقُ الأَغنامُ , وضعوا حبلاً في عنقِ الإمام , أَوصلوه بعنقِ الحَوراءِ , وامتدَّ الحبل لأعناق بناتِ الرَّسولِ .

سَاروا بهم , كلَّما قَصَروا عن المَشي أَوسَعوهم ضرباً بالسِّياطِ , أَوقفوهم بينَ يَدَي يزيد .

استَبشَرَ الطاغيةُ بدخولِهِم ورأسُ الحُسينِ بينَ يَدَيهِ , غَمَرتُهُ الفَرحةُ , أَنشدَ :

لَمَا بَدَتْ تِلكَ الحُمُولُ وَأشْرَقَتْ …تِلكَ الشُّمُوسُ عَلَى رُبَى جَيْرُونِ

نَعَبَ الغُرَابُ فَقُلْتُ نُحْ أَوْ لا تَنُحْ …..فَلَقَدْ قَضَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ دُيُونِي

التفتَ زينُ العابدينَ إلى يزيد , خاطبَهُ : ما ظَنّكَ بجدِّنا رسولِ الله لو يرَاَنا على هذه الصِّفَةِ؟

تأَلَّمَ مَنْ في مَجلسِ يزيد , تعالَتْ ندباتُ بكائِهِم , تَهافَتَ الطَّاغيةُ منَ المَنظرِ المُفجِعِ , حَرَّكَ لسانَهُ : قبَّحَ الله ابنَ مِرجَانَة لو كانَ بينكم و بينَهُ قرابَة لمَا فَعَلَ بكم هذا ؛ أَمَرَ بالحِبالِ تُقطَعُ, رَمَقَ الإمامَ , حدَّثَهُ : إيهٍ يا عليُّ بنُ الحسينِ, أَبوكَ الذي قَطَعَ رَحِمي و جَهِلَ حَقِّي و نازعني سُلطانِي فَصَنَعَ اللهُ به ما رَأَيت .

ـ تَلَا عليهِ زينُ العابدين آيةً بهدوءٍ واطمئنانٍ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} .

اهتزَّتْ نفسُ يزيد , اشتاطَ غضَباً, خَمَدَتْ نَشوةُ أَفراحِهِ , أَردَفَ بآيةٍ على مسامع الإمامِ : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.

ـ رَدَّ عليه الإمامُ :هذا في حَقِّ مَنْ ظَلَمَ لا في حَقِّ مَنْ ظُلِمَ ؛ زَوَى وجهَهُ عنه احتقارًا له , واستهانةً بشأنِهِ‏ , صَمَتَ .

…………………………

*بقلم / مجاهد منعثر منشد /المجموعة القصصية (ظمأ وعشق لله) , الطبعة الأولى , دار جسد ( بغداد ، 2022) , الفصل السابع ,(السبايا إلى دمشق ,فالمدينة), ص123.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here