في يوم 15 فبراير عام 399 ق.م، صدر حكم الأعدام بحق أعظم عقلية على الأطلاق بعد الرسل و الأمام عليّ عليهم السلام وذلك بعدما عجزت حكومة الطغاة في أثينا من ثني سقراط عن موقفه المعادي للظلم فأصدروا حكم إعدام ظالم بحق معلم سلاميز .. بل معلم القرون لأنكاره الظلم و سعيه لتطبيق العدالة .. بتفهيمها للناس الذين كانوا يعيشون الطبقية و الفقر بأتعس صورة فطبقة الملوك على حدة ثم طبقة البلاط و النبلاء ثم الإرستقراطين و هكذا..
لقد ورد في كتاب “أوروبا تاريخ وجيز” تأليف جون هيرست: [بإن عملية الإعدام في ذلك الوقت في أثينيا كانت تقام سريعا في المعتاد، لكن إعدام سقراط أجل بسبب أعياد دينية، و كان يمكنه أن يهرب بحسب تجارب سابقة تمت خلالها تهريب الكثير من المصلحين و الفلاسفة بعد صدور حكم الأعدام بحقهم، حتى السلطات نفسها كانت تتمنى أن يهرب للتخلص من تبعات ذلك الأعدام الجائر بل إن أصدقائه و طلابه خططوا لتهريبه ، لكنه رفض ذلك و حين سألوه عن السبب قال: (أنا صاحب موقف و لو هربت فأن ذلك يؤثر سلباً على عقيدتي)], و كان يكرر دائما ما قاله الأنبياء و المرسلون: [لماذا التمادى في التمسك بالحياة، إذا لم أكن سأعيش للأبد؟]. وبحسب عدد من الدراسات الأخرى فإن وسائل هروب سقراط من سجنه قبل تنفيذ حكم الإعدام كانت متيسرة بل تم تحديد حتى ساعة الهروب بعد الأتفاق مع رئيس السجانين وقتها، حيث قدّم تابعيه رشوة لرئيس حراس السجن، لكنه رفض ذلك لإعتقاده بأنه يخالف مدعياته الفلسفية الخالدة. ويذكر جون هيرست في كتابه آلآنف طريقة إعدام سقراط بشرب السم المستخرج من نبات الشوكران، و رغم إصرار و رجاء تلامذته لأن يؤخر شرب السم لأنقاذه، إذ كان عليه شرب السم في صباح اليوم بعد طلوع الفجر، لكنه أكد أنه سيشعر بالمهانة أمام نفسه إذا تمسك بالحياة، وأخذ السم بكل هدوء، وبلا أي علامة خوف أو وجل رغم صعوبة استساغته قائلا: [إن هذا السم يقتل سريعا]. و الشوكران من الفصائل النباتية شديدة السمية و تنمو في أجواء معتدلة و باردة، ويمكن تمييزه بالزهور البيضاء و الخضراء التي يحملها وتبدو في شكل مظلة، ويعد من أشد النباتات السامة في شمال أميركا، ويوجد السم في كافة أجزائه لكن عادة ما يتركز في الجذور التي يتم طحنها لإستخراج مادتها السامة، و من الأعراض التي يسببها: الغثيان، القيء، آلام المعدة، الارتعاش والارتباك حتى الوفاة بسبب فشل جهاز التنفس في القيام بدوره أو الارتجاف البطيني بالقلب وذلك خلال بضع ساعات من هضم السم, والجدير ذكره أن القانون الروماني أنذاك كان يسمح لكل محكوم بآلأعدام أن يختار شخصاً يقضي معه ليلته الأخيرة ؛ و عادّة ما كان المعدومين يختارون إما والديهم أو زوجاتهم أو إبنائهم ؛ لكن سقراط هو الوحيد الذي إختار أحد تلامذته لذلك و سامره طوال الليل و هو يُعلّمه وصاياه الأخيرة طالباً منه بشكل خاص إيصال رسالته للناس و إبتكار الطرق الكفيلة لتحقيق ذلك لنجاتهم من العبودية و تخليصهم من الرضوخ للطغاة .. و هكذا هم الفلاسفة كما الأنبياء و المقرّبون يُؤثرون على أنفسهم و لو كانت بهم خصاصة و لا يُفكّرون بأنفسهم و بعوائلهم فقط كما هو حال العموم .. بل لأنسانيّتهم يُفكرون بنجاه العالم كلّه .. و هذا هو الفرق بين الفيلسوف خصوصا الحكيم و بين الطغاة و رؤوساء و أعضاء الأحزاب و مرتزقتهم الذين يُحدّدون علاقاتهم على أساس المنفعة و الدولار. و هكذا تمّ إعدام ذلك الفيلسوف العظيم كما معظم الفلاسفة عبر التأريخ حتى يومنا هذا ؛ لانهم سعوا لبناء الفكر و بيان معنى الحرية و الكرامة و الحياة و سبب الخلق .. بعكس الحكومات و الاحزاب التي تسعى و تجاهد لبناء الأجسام و الجيوش و الحصون والحمايات و القصور و جمع الأموال بكل الوسائل الممكنة من دماء الفقراء للدفاع عن عروشهم وتأمين رواتبهم الحرام من حقوق الناس .. لهذا فأن أيّة حكومة أو حزب أو جماعة سياسيّة لا تحترم المفكرين ولا تُعظّم الفلاسفة و تسعى لتضيق الخناق عليهم و قتلهم و تشريدهم و عدم فسح المجال أمامهم؛ لهي حكومات و أحزاب فاسدة تريد الباطل و نهب الناس بنشر الجهل و منع المعرفة عنهم .. و إنا لله و إنا إليه راجعون .. حكمة كونية:[مَنْ يغتني من وراء الدين والسياسة فاسد] والحال أن جميع أعضاء أحزابنا وحكوماتنا باتت أغنياء لهم الأموال والقصور. العارف الحكيم عزيز حميد مجيد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أهم نتيجة لهذا المقال : أيها الأخوة الأعزاء ألتواقين للفكر و الحرية و الكرامة و المبادئ الكونية العزيزية ؛ إنظروا و دقّقوا و تأمّلوا دساتير و قوانين جميع الحكومات و الأنظمة في العالم و الأحزاب التي تُنفّذها تحت أيّ مسميّات إسلاميّة ؛ ملكيّة ؛ ديمقراطيّة ؛ أميرية ؛ ليبرالية ؛ جمهوريّة ؛ فلكيّة وووو غيرها؛ ترى بوضوح أنّ جميعها أنتجت الطبقية بشكل فاضح و لا تريد ولا تُقرّب ولا تُكرّم الفيلسوف الحقيقيّ الذي له نظريّة حقّه بخصوص الحقوق الطبيعية و الحرية و حفظ الكرامة قبل أي شيئ .. و السبب واضح لو أردتم معرفته, و هو : أنّ الفيلسوف لا يُساوم على الكرامة و الحقّ مهما كلف الأمر! حتى لو قُتل و إستشهد .. بعكس باقي الناس للأسف بمن فيهم بعض المثقفين و الأعلاميين و الموظفين و أساتذة الجامعة و الطبقات الحزبية و النفعيّة في السوق و غيرهم و معهم الجهلاء طبعأً الهاتفين لكل من هب و دبّ [بآلروح؛ بآلدم, نفديك يا هو آلجان], المهم إصرف لنا راتباً بأي ثمن و كيفما كان, و هؤلاء لا يعيرون أهمية للكرامة و القيم بل لا يعرفون حتى معنى الحرية .. بل و يبيعون القيم و الكرامة و الإختيار لمجرد راتب أو منصب .. لهذا فأنهمّ بآلمقابل يقتلون الفلاسفة و يبعدوهم و يتهمونهم بشتى التهم و يحاصرونهم حتى على لقمة الخبز كي لا يتمكنوا إيصال رسالتهم للناس فيضطر للتغرب و التشرّد و مواجهة آلموت وهجران الأهل و الأوطان ليخلوا الجو لهم ولحكوماتهم و آلتسلط لسنّ القوانين بمقاسات جيوبهم ومنافعهم.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط