الرأس والذيل ومابينهما

علي علي

لاأظنها غريبة على مسامعنا قصة الرجل الذي أقدم على شراء سمكة، وأراد التأكد من كونها طازجة أم (خربانة)! فراح يتفحص رائحة ذيلها، وحين نصحه أحدهم أن فحص السمكة يتم بشم رائحة رأسها أجابه: (أدري أدري.. بس اريد اشوف الخياس وصل للذيل..!)
منذ أكثر من أربعة عقود والعراقيون غرقى في مستنقع يعج بأشكال الروائح النتنة المستهجنة، وهم تارة يدركون مصدرها، وتارة يتوه عنهم، ومافتئوا يتفحصون يوما بعد يوم روائح تنبعث من أماكن عدة، ومن شخوص عديدين في البلاد، بعدما كانت تسمى دار السلام والحب والجمال والشعر والأدب والفن، فمن تلك الروائح ماينبعث ممن تبوأوا المناصب العليا الرفيعة و “الغليظة” ومنها من أتباع لهم أقل رفعة وغلظة، وهؤلاء قطعا تسلقوا سلم الانتخابات وعرجوا على مصعد المحاصصة، وتشبثوا بحبال الأحزاب والكتل، وتعلقوا بتلابيب العشيرة والمنطقة والطائفة، فكانت النتيجة تعليق مبدأ التكنوقراط الى إشعار غير مسمى، فانزلقت مؤسسات البلد بفضل سوء التفكير وقلة التدبير شر منزلق، فتوقفت بالنتيجة عجلة البلد الى حيث خطوات التقهقر والرجوع الى المربع الأول. والمربع الأول هذا كان ومازال التهديد به ديدن السياسيين من أرباب المصالح الخاصة والفئوية والحزبية، إذ هم يلوحون دوما بالعودة اليه بغية تمشية أمر كان قد دبر بليل، فيكون لهم مايرومون على حساب البلاد وملايين العباد.
ومن مصادر الروائح الخبيثة أيضا ما تقذفه رياح التدخلات الخارجية القادمة من بلدان إقليمية، فاختلط أمر تلك الروائح باتباع وسائل التغطية والتتبيل مواراة ومراءاة، بواجهة تعكس مظهرا جميلا لجوهر نتن ونيات مبطنة ومكائد مبيتة، وقطعا لم يفت هؤلاء التبهرج وإظهار جانب حسن ووجه مليح، من قبل من تصدر منهم هذه الروائح، وبحقيقة الأمر أنهم قد زالت عن طريقهم المعوقات، وفرغت أمامهم ساحة اللعب بإظهار قبحهم، وإلا ماكان هذا ليحصل لو وقف أمامهم رادع وراد، وبذا تجسد فيهم بيت الشعر القائل:
إذ ماخلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
لقد طال حديثي عن سلبيات غير محببة، يتعمد البعض التحلي بها، لاسيما من له دور معول عليه في إدارة دفة سفينة البلاد، وغرقها لا يزيده إلا غبطة وسرورا، كقول صاحب الأبوذية:
آنه ام المصايب وآنه ابيها
وهي دوما تبيني وآنه ابيها
خل تغرك يصاحب وآنه بيها
إذا غركت سرور يصير بيه
ولو أردنا عد تصرفاتهم المعرقلة للعملية السياسية العراقية، لضاع بنا العد وسط أرقام مهولة، وهو ما ينم عن نيات مبيتة مخطط لها مسبقا، تكمن وراءها فوائد ومنافع تعود لهم بما يرومون.
لقد حار العراقيون في وضع سمكتهم، وتاهت عليهم أماكن خرابها وفسادها، واشتبك حابل أمرهم بنابل التكالبات التي اجتمع عليها الرؤوس والأذيال للنيل منهم ومن عراقهم. فهل ماتمثلت به في بدء مقالي هذا بات ينطبق علينا تماما؟ أما السمكة فأظن أن الفساد فيها تجاوز الرأس والذيل، وقد صدئت بالكامل رأسا وذيلا وما بينهما.
فهل مايحدث سببه خراب الرؤوس؟ أم الأذناب أم الاثنان معا!.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here