الادارة بالأزمات … اسلوب الفشل العراقي

خالد الخفاجي

[email protected]

مما لا شك فيه إن السياسي العراقي ولخلل في ولاءه الوطني, ولضعف كفاءته ونزاهته عمد الى اتباع امهر الأساليب وأكثر ما يجيد اتقانه لإدارة الدولة, وهو اسلوب (الادارة بالأزمات) او ما يعرف بـ (اسلوب صناعة الازمات), أي اثارة مشكلة ما او خلق الاسباب الواجب توافرها لإمكانية صناعة الأزمة من العدم, وتسخيرها بما يخدم الأهداف الاستراتيجية والمصالح المعينة لمفتعل الأزمة.

ان إخفاق السياسي العراقي ان يكون سياسيا كفوءا بعد ما يقرب العقدين من الزمن وعجز النظام السياسي من تحصين نفسه بالأنظمة والقوانين التي تقوم سلوك النخبة قد افرز نخبة سياسية فاسدة جاهلة لا قدرة لها على إدارة الدولة وتسخير مقدراتها في البناء والتنمية وابتكار الحلول للمعضلات البسيطة التي سرعان ما تنمو وتستفحل لتتحول الى أزمة تنقسم فيها النخبة الى جبهتين متقابلتين تكسر احدهما عظام الاخرى للخروج من الموقعة بأعلى غنائم السلطة والنفوذ ضاربين عرض الحائط كل القيم الديمقراطية والاخلاقية وباستخدام احط الوسائل واقذرها. فالمواطن العراقي يعيش ازمة مركبة يصعب فصل مكوناتها او تجزئتها. الفقر والبطالة وضعف الخدمات البلدية والتعليمية والصحية والامن الهش وسوء توزيع الثروات والاستئثار بالمال العام وإحياء الطبقية المجتمعية والمحسوبية والعشائرية البدائية والخوف من المستقبل المجهول كلها تعايش معها كأمر واقع واصبحت كالنار التي تخفت تحت الرماد قد تستعر في اي وقت من الاوقات كما في انتفاضة تشرين التي قمعت بقسوة متناهية.

إن الفساد الصارخ المتخفي بسوء الاداء ليس المشكلة الكبرى التي تعتري هذا النظام, بل في مخرجاته المؤثرة على سلامة البلاد والمجتمع وانهماك النخبة في صناعة المزيد منها, فصناعة الازمات قد حققت لهذا السياسي الفاشل هدفين رئيسيين, اولهما: اشغال الرأي العام بمطالب اقل ما يقال عنها بانها اعتيادية, وخنقه بها كي لا يرفع رأسه للمطالبة بما هو حق له في نظام سياسي فعال وديمقراطية حقيقية وسيادة وطنية غير مسموح لهذه الدولة او تلك التدخل لفرض ارادتها وتقديم مصالحها على حساب المصلحة الوطنية. وثانيهما: فهو الذي يشجع على استمرار تحقيق الهدف الاول, فالنظام السياسي صمم لإحداث ازمات متذبذبة وغير مستقرة لا تشتد وطأتها لتكون شرارة ثورة دامية تطيح بالنظام ورموزه ولا حتى بإصلاحه على الاقل لتشكل خطرا على استمرار بقاء السياسي الفاشل في قمة الهرم الاداري للدولة, وهذا ما وفر الحافز المغري لحث النخبة على خلق وافتعال المزيد من الازمات وانجاز معالجاتها على الورق فقط ولا وجود لها على ارض الواقع لتستقر تخصيصاتها المالية في جيبه, وبالتالي ابقاء العراق دولة فاشلة مأزومة خارج الحسابات الاقليمية والدولية.

إن إدارة الأزمات عملية تتطلب جهدا استثنائيا وفرق كفوءة تتمتع بالقدرة على التنبؤ بالأحداث المفاجئة وتوقع احتمالات مسار الاخطار ووضع الخطط والأساليب للتعامل معها وتحييدها قبل أن تتطور وتتحول الى ازمة خارجة عن السيطرة, وهذا ما لا يوفره النظام السياسي الحالي, فالأزمات في العراق تترى, ولا تبدو في الافق نهايتها او تحجيمها لاستقرار نظامه السياسي الذي صمم عن عمد ليؤسس لدولة فاشلة تعصف بها الازمات سواء بتشريعاته او اداء نخبته السلطوية وليستمر الفاشلون الفاسدون في ادارة الدولة والسير بها نحو الهاوية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here