اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة المائدة (ح 58)

الدكتور فاضل حسن شريف

في خطبة الجمعة للشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر: ما روي عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين اصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الاصابع الى الكعبين ام من الكعبين الى الاصابع، فكتب علي بن يقطين وهو يومئذٍ احد الموالين للائمة، هذا من ناحية، والعاملين في قصر هارون الرشيد العباسي، من ناحية أخرى وهو معروف لديكم، فكتب ابن يقطين الى ابي الحسن موسى الكاظم عليه السلام: جعلت فداك ان اصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فاذا رأيت ان تكتب بخطك بما يكون عملي عليه فعلت ان شاء الله، ترى العبارات تنطبق على الجواب لاحظوا انا لا استطيع ان اكررها، فكتب اليه ابو الحسن عليه السلام: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به، اليس يقول فعلت ان شاء الله، والذي آمرك به في ذلك ان تتمضض ثلاثا هكذا، او تتمضمض ثلاثا، وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك الى المرفقين ثلاثا، كلهن ثلاثة، وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما وتغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا ولا تخالف في ذلك الى غيره، فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما جميع العصابة على خلافه، يعني جميع الشيعة على خلافه، ثم قال، لاحظوا اخلاصه: مولاي أعلم بما قال وانا ممتثل لأمره، فكان يعمل في وضوءه على هذا الحد، يعني على هذا الشكل والاسلوب، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر ابي الحسن عليه افضل الصلاة والسلام، وسعي، وشاية ، وسعي بعلي بن يقطين الى الخليفة العباسي هارون، وقيل انه رافضي مخالف لك، فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عند القول في علي بن يقطين والقرص له بخلافنا وميله الى الروافض ولست ارى في خدمته لي تقصيرا وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرص منه واحببت ان استبرء أمره من حيث لا يشعر فيحترز مني، لأنه اذا شعر به احترز واذا لم يشعر لم يحترز، انا اريد ان اراقبه من حيث لا يعلم، فقيل له: ان الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوءه ، فقال: أجل هذا الوجه يظهر به أمره، ثم تركه مدة وناطه بشيء، او أناطه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوءه وصلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعى بالماء للوضوء فتوضأ كما تقدم، يعني كما علمه الامام عليه السلام، سبحان الله، والرشيد ينظر اليه فلما رآه قد فعل ذلك، صعدت عنده العاطفة، لم يملك نفسه حتى اشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة، وصلحت حاله عنده.

وورد عليه، أي بعد هذه الحادثة، كتاب أبي الحسن موسى عليه السلام، ابتداءاُ يعني من دون سؤال سابق: من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما امر الله تعالى اغسل وجهك مرة فريضة ومرة إسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك، اي مرتين وليس ثلاثة، وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف عليك والسلام، لاحظوا انه، لا حظوا الدين، لاحظوا انه لو كان قد شكك علي بن يقطين بما صدر اليه من الامام عليه السلام، في كيفية الوضوء التي تخالف اجماع الشيعة لوقع في المحذور بكل تأكيد، ولكن انظروا الى مدى يقينه بالإمام عليه السلام، والتزامه بأمره واطاعته له كالميت بين يدي الغسال وهكذا ينبغي ان يكون الإنسان أمام المعصومين ليس في حياتهم فقط، دائما سبحان الله، وهؤلاء المشككون موجودون في كل عصر للتشكيك بالمراجع عموما وبالسيد محمد الصدر خصوصا، وعدم حملهم على الصحة وعدم اطاعتهم إلا بعد الاقتناع ولن يحصل الاقتناع بما هم فيه مشككون، ومن هنا سوف تفشل كثير من المصالح العامة والحقيقة بإرجاف المرجفين وتشكيك المشككين، ولو أنهم التفوا حول حوزتهم ووثقوا بأمر مراجعهم، “لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ” (مائدة 66).

جاء في كتاب فقه الاخلاق للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: التفكر في الخلق: هو من الأمور التي حثَّ عليها القرآن الكريم كثيراً، وهو فقهياً من المستحبات المؤكدة، التي لها آثارٌ وضعيةٌ جليلةٌ ومحمودة، وحيث لم يعزل له الفقهاء مكاناً في فقههم، ناسب ذكره في مقدمة العبادات. وقد حثَّ عليه القرآن الكريم بأساليبَ مختلفةٍ عديدةٍ، نذكر منها الحثُّ على استعمال اللبِّ وهو العقل، وأن يكون الفرد من ذوي الألباب. وقد ورد قوله: “أُولُو الأَلْبَابِ” ستَّ عشرة مرة. منها قوله تعالى: “فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة 100).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here