دمٌ شابٌّ لأدمغةٍ شائخةٍ – أهو أملٌ لعلاج الألزهايمر؟

دمٌ شابٌّ لأدمغةٍ شائخةٍ – أهو أملٌ لعلاج الألزهايمر؟ – بهجت عباس
مقتطفات من مجلة ستانفورد ميديسين (5 آب 2022)
اعداد وترجمة د. بهجت عباس
قضى عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد (كاليفورنيا) البروفيسور د. توني ويس- كورَيْ عشرين عاماً يبحث عن خواصّ الجزيئات الواقية للأعصاب والأخريات المسبّبة للانحلال أو الاتلاف. هذه الجزيئات موجودة في خلايا الدماغ المتنوّعة وعليها وكذلك في أو على أوعية الدم المتاخمة أو الملتصقة أو سابحة في الدم ذاته وفي سائل النخاع الشوكي Cerebrospinal fluid. هذه الجزيئات تكون ذات أهمية في الشيخوخة، حيث وجد د. توني ويس – كورَيْ وزملاؤه موادَّ في الدم تستطيع أن تسرّع أو تُبطئ ساعة (شيخوخة الدماغ) فشخصّوا موادّ بروتينية على سطوح أوعية الدّم ، التي من خلالها أو بواسطتها تعمل على الدماغ وتُؤثِّـر عليه بالرُغم من وجود حاجز دم الدماغ . وبيّنوا ايضاً أنّ الفئران متقدمة العمر (المسنّة) تظهر أقلّ عمراً وتتصرف كما لو كانت (شابّةً) عندما تُحقَن بسائل النخاع الشوكي المأخوذ من الفئران (الشابّة!)
ولمّا سئل الدكتور ويس – كورَيْ عن فقدان الآدراك أو المعرفة cognition وصلته بالعمر المتقدّم أجاب: “تبدأ مشاكل العمر لأغلب الناس الذين تجاوزوا الخمسين أو الستّين عاماً عندما يريدون أن يتذكّروا اسم شخص أو كلمة معيّنة على (طرف) ألسنتهم، فلا يستطيعون، هي علامة ظهور (الشيخوخة) بوضوح مثل التجاعيد أو الشعر الأشيب. وكلّما تكون الذكريات متعددة، نتكلّم ببطئ لنكون قادرين على إيجاد كلمات بديلة عن الكلمات المنسيّة”
“وليس واضحاً كيفية ارتباط تراجع العمر الاعتيادي باختلال التفكير الحادّ الذي يقود إلى الخرف أو الاختلال العقلي، حيث أنّ ثلث الأميركان الذين يتجاوزون الخامسة والثمانين من العمر لديهم علامات فقدان الذاكرة Alzheimer وهذا العدد سيتضاعف في العشر سنين القادمة. ومع الأسف ليس لدينا أي وسيلة أو أداة لنتنبّأ مَنْ مِن هؤلاء سيتطوّر نسيانه إلى خرَف. وهذا لا ينطبق على كلّ واحد، حيث ثمّة واحد من كلّ ثلاثة ممّن تجاوز المئة عام لا يزال في بعد عن التراجع الذهني الذي تسبّبه الشيخوخة.”
وعندا سئل الدكتور ويس – كورّيْ عن سبب البحث عن تأثير سائل النخاع الشوكي (الشاب) كوسيلة لتنشيط (تأهيل) الادراك ، أجاب: ” لكون أنسجة الدماغ نادراً تيسّرها من الموادّ الحيّة، ركّزنا في البحث عن السوائل والدم، وهذه الدراسة منذ خمسة عشر عاماً. فالدراسات الأولية من سوائل الأشخاص المسنّين الذين هم بإدراك طبيعيّ والناس المصابين بالألزهايمر أرتنا شيئاً واحداً هو أنّ تغيّـر تركيب بروتين الدم نتيجة التقدم في العمر كان بليغاً.”
“لقد أثبنا أنّ مستويات أعداد كبيرة من البروتين تغيّرتْ كثيراً بين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والتسعين عاماً. ولمّا كان مرض الألزهايمر وبقية أمراض تلف الأعصاب يسبّبه التقدّم في العمر إلى حدّ كبير، يبقى السؤال فيما إذا كانت هذه التغيّرات التي لاحظناها هي السبب أم أنّها نتيجة التغيّر.”
“ولمعرفة هذا الأمر التجأنا إلى طريقة بروفيسور الأعصاب السابق في كلية ساتنفورد الطبية في كاليفورنا د. توم راندو (حاليّاً في UCLA ) الذي استعمل الخلايا الأولية (الجذعية) الشائخة للعضلة حيث ربط / لحَمَ/ ضمّ جراحيّاً أجهزة الدوران لفأر (شابّ) وفأر (شائخ) حيث يشترك الفأران بدمائهما.”
“وما لاحظناه كان شيئاً مُذهلاً. فالفئران (الشائخة) التي حصلت على دماء الفئران (الشابّة) أظهرت علامات عدّة من تجديد / استعادة (الشباب) متضمناً
زيادة في عدد خلايا عصب متنوعة (أولية/ جذعية)
زيادة في فعالية خلايا عصبية و
تراجعاً أو قلة في التهاب الدماغ.
وعندما حقننا الفئران (الشائخة) وريدياً بجرعات متكررة من مصل دم (بلازما) الفئران (الشابّة) صارت هذه الفئران أكثر انتياهاً وذكاء وأخذت تتصرف كالفئران (الشابّة) في عدة حالات اختبار من الادراك (الوعي) . وعلى النقيض ، عند حقن الفئران (الشابّة) بمصل دم الفئران (الشائخة) أظهرتْ (شيخوخة) دماغ سريعة وفقدت فعاليّة الادراك.”
(عمر الفأر 3 أشهر يعادل 20 عاماً من عمر الانسان، وعمر الفأر 18 شهراً يعادل 65 عاماً من عمر الانسان)
“أمّا على الصعيد البشري، فقد جرت بعض التجارب، حيث تمّ زرقُ بعض مرضى الألزهايمر وريديّاً بمصل دم من شباب فحدثت منافع على درجة كبيرة من الأهميّة. وهذا يشير أنّ تجاربَ الدم المتبادل التي أجريَتْ على الفئران قد تكون مناسبة للانسان وأنّ مصل الدّم يحملُ السرّ لتجديد وتنشيط الخلايا المتهالكة. فالبلازما (المصل) وسائل النخاع الشوكي في الشباب هو خليط أو (كوكتيل) الطبيعة ، يحتوي على عشرات البروتينات النافعه ولربّما بعض الجزيئات المهمّة أيضاً، وقد يكون أكثر السوائل الخليطة فعالية.”
“وفي الفئران قد يكون ممكناً انجازُ فوائد علاجيّة باستعمال عوامل بروتين شخصناها كلّاً على انفراد، حيث يكون أحد البروتينات مفيداً لتأخير أو لإبطاء فقدان العضلة وآخر لتقوية وتنشيط وظيفة الدماغ.”
ولمّا سئل الدكتور ويس-كورَيْ عن ماهية العمل لإبقاء الدماغ بوظيفته المعتادة، أجاب : “إنّ شدّةَ الإرهاق أو الضغط هو المصدر الأكبر لتلف الدماغ. إنّه لا يسبّب عوامل فيزيائيّة كضغط الدم العالي، مشاكل الهضم، آلم الصّدر واضطراب النوم وحسب، بل يُضعف جهاز المناعة ويساهم في الالتهابات.”
وقد أفادتْ دراسة واسعة حديثة أنّ 40% من حالات الخرَف أو الاختلال العقلي في الولايات المتحدة الأمريكية حدثت نتيجة عوامل خطر متحورة ، مثل ضغط الدم العالي، السمنة ، الخمول الجسدي وغيرها. وفي الوقت الراهن لا يوجد علاج لتراجع الادراك أو تلف الأعصاب التدريجي المتواصل. ولكنّ ما يفيد الدماغ ليقوم بوظيفته على أحسن ما يكون، كما وردتْ في النشرات الطبية، هو ممارسة التمارين الرياضية البدنية..
تعقيب ومقارنة مع الخلية الجرثومية (بكتريا)
الخلية البشرية تشبه إلى حدّ كبير الخلية الجرثومية، فكلتاهما تحتوي على موادّ جينية، دنا DNA ورنا RNA وقواعد نتروجينية وبروتين، والاختلاف كبير: فالخلية الجرثومية تحتوي على كروموسوم واحد حلقي الشكل في الغالب، بينما الخلية البشرية (الحيوانية) تحتوي على عشرات من الكروموسومات خيطية الشكل اضافة إلى موادّ أخرى تسبح في السايتوبلازم، مثل الميتاكوندريا. وأنا هنا لست بصدد تبيان الفروقات الكثيرة بينهما، ولكني أقول إن كلتيهما تحتاج إلى تموين وتأمين موادّ غذائية وبيولوجية لتتكاثرا ولتبقيا على قيد الحياة، وإلى تموين جديد من هذه المواد على الدوام لتبقيا في فعالية ونشاط . فإذا ما نفدت أو استهلكتْ هذه الموادّ، تنحدر الخلية إلى التضاؤل أو الانحلال، وهذا ما وجده الدكتور توني ويس- كوريْ في الخلايا البشرية ، كالخلية العصبية مثلاً، وأنا قبل خمسة وأربعين عاماً وجدت الظاهرة ذاتها في الخلية الجرثومية.
وكنموذج لها كانت جرثومة الستافيلوكوكس التي كانت أطروحة الدكتوراه عليها. وهذا بعض ما نشرته في الحوار المتمدّن في 19 أيلول 2003 والرابط في نهاية المقال:.
عندما كنتُ طالبَ دكتوراه في جامعة نوتنغهام (إنكلترا) في السبعينات من القرن الماضي، أجريتُ تجاربَ* عدة ًفي مختبراتها، كان بعضُها يتعلق بالإفرازات الخارجية لجرثومة الستافيلوكوكس (العنقودية).Staphylococcus aureus هذه الجرثومة تسببُ بثوراً وتقيحاتٍ في الجلد، وإصاباتٍ في المجاري البولية، والتهابَ أغشيةِ القلب، وذات الجنب وتسمّماً في الطعام نتيجة إفرازِها السّـُمومَ، إذ أنْ أكثرَ من (25) نوعاً من السموم والإفرازات الخارجية (خارج الخلية) قدْ عـُرِفَ آنذاك، وأنَّ سببَ هذه الإفرازات لمْ يكـن معروفاً حينذاك، إذ ظلَّ دون تعليلٍ مُـقنع أو تفسير شافٍ.
لكنَّ الذي يُـلفِتُ النظرَ هو تصرفُ هذه الجرثومة حسبَ الظروف التي تجابهها. ففي بَدء حياتها، أيْ بين ساعتين وعشر ساعات (فترة الانقسام السريع)، وفي محيط غذاءٍ وَفـْرٍ يحوي كلَّ ما تحتاجه منْ موادَّ أوليةٍ للطاقة والبناء والتكاثر، نراها مشغولةً بالتكاثر وبناء مجتمعها ولا تفرز سموماً. ولكنْ عندما تـشـحّ المواد الغذائية في محيطها بعد عشر ساعات، يتناقص التكاثرُ حتى يتوقفَ تماماً في السـاعة الثامنةَ عشرةَ من عمرها. في هذه الفترة تنشط الخلية في إفرازاتها الخارجية (السّموم)، حيث تصل ذروتها عندما يتوقف النمو تماماً. عندما نقلتُ الخلايا (الشائخة) متوقـفةَ النموِّ من محيطها الغذائي الفقير إلى محيط غنيٍّ بموادَّ غذائيةٍ جديدة، أخذتْ بالانشطار والتكاثر بسرعة، وقـلَّ إفراز السّموم أو توقف تماماً لفترة قصيرة جاوزت الساعتين، ثم دخلتْ ثانية في (شيخوختها) وأخذتْ تفرز سمومَها. التجربة اللاحقة كانتْ نقلَ الخلايا الشابة / النّـاشطة (ستّ ساعات) من محيطها الغني إلى محيط غذاء فقير (محيط الخلايا الشائخة)، وهنا انعكست الآية، أي أنها في هذا العمر الذي تنشط وتتكاثر ولا تفرز سموماً، أخذتْ تشيخ بسرعة دون تكاثر ملموس وأخذتْ تفرز سمومَها، كما لو كان عمرُها ثمانيَ عشرة َساعة.
الخلاصة:
1.    عندما (تُزوّد) الخلية العصبية (الشائخة) بمصل دم شابّ، تتجدد وتنشط. وكذلك الخلية الجرثومية متوقفة النموّ أو التكاثر ، عندما تُنقل من محيطها الغذائيّ الفقير إلى محيط غذائيّ (غنيّ)، تنشط وتتكاثر.
2.    عندما (تُعطى) الخليّة العصبية (الشابّة) مصلَ دم (شائخ)، تصيبها الشيخوخة وتفقد قدرة الادراك. وكذلك الخلية الجرثومية، عندما تُنقل من محيطها الغذائيّ الغنيّ إلى محيط غذائيّ فقير، تشيخ بسرعة ويتوقف التكاثر. فتصرفاتهما واحد!
—————————————————————————-
*نـشرتُ بحثين آنذاك يتعلقان بإفراز هذه الجرثومة أحدهما في:
Brit. J. Gen. Microbiology, July, 1977 – (ومنشور في كوكل حاليا تحت اسم
Bahjat Abbas-Ali )
والآخر في:
Infection and Immunity, August, 1977
American Society for Microbiology

بهجت عباس – هلْ تفسر الخلية الجرثومية طبيعة العدوان في الإنسان؟ (ahewar.org)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here