فساد ابناء الصالحين وخطرهم على المجتمع

قد تكون صفة الفساد والشر هي الصفة المتفوقة على صفة الصلاح والخير في البشر في بداية وجودهم على الارض وهذا مانستنتجه من قول الملائكة لله (اتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء) فقولهم هذا عن شهادة وعلم بالواقع وليس عن غيب لايعلمه الا الله فهم قد رأووا هذا البشر وتصرفه الذي يغلب عليه الشر وكان لله راي اخر في خلافته على الارض ان يُهذب هذا البشر ويؤنسنهُ فالفرق بين البشر والانسان هو امتلاكه العلم والمعرفة والاخلاق فبدونها لايتحول البشر الى انسان ويبقى مخلوق حيواني ياكل بشراهة عندما يجوع ويفترس ويقتل حين يغضب فاختار عز وجل من هذا البشر ادم عليه السلام وادخله المدرسة الالهية وعلّمه الاسماء كلها ثم عرض هذه العلوم والاسماء على الملائكة وادم فكلاهما قد علّمهم الله من علمه وادخلهم مدرسته الالهية لكن ادم اظهر تفوقه من خلال معرفته بهذه العلوم والاسماء وعجزت الملائكة عن اعطاء جواب عن معرفة هذه العلوم والاسماء وقالوا لله لا علم لنا الا ماعلمتنا وهنا استحق ادم السيادة والخلافة وهذا جانب يبين لنا ان تفضيل الانسان واتّباعه بعلمه وفكره ومؤلفاته وليس بخلقه ونسبه وعائلته والا الانسان خُلق من تراب والملائكة خُلقوا من نور والنور افضل من التراب .
عندما بدء ادم مسيرته في الارض كانت مهمته اضافة للدعوة الى الله تربية هذا البشر وتهذيبه لتحويله لانسان وابتدء باسرته ورغم ان الله قد علم ادم الاسماء كلها وتفوق على الملائكة لكنه في التجربة التربوية الاسرية لم ينجح بشكل تام فقد كان نصف عائلته صالحا محبا للخير متمثلاً بولده هابيل والنصف الاخر فاسداً محبا للشر متمثلا بقابيل الذي قتل اخوه هابيل .
رغم ان الفساد صفة غالبة في المجتمع البشري الا انه من ابناء الانبياء والصالحين يكون اخطر على البشرية لانه يتغطى بغطاء العائلة الصالحة والفاضلة ويلتبس الامر على البسطاء والسذج ويتبعون هذا الابن الضال دون وعي لانهم ينظرون لابيه النبي او الصالح وليس لعلم هذا الابن وفكره ونتاجه ومسيرته لذا كانت هذه النقطة مهمة فركز عليها القران كي يوعي الناس فاضافة لقصة ابن ادم الضال قص علينا قصص ابناء انبياء اخرين كي يؤكد على مبدء لاميزة لابن النبي والصالح الا بعلمه وفكره فقص علينا شيء من قصة ابن نوح عليه السلام . فنوح رغم دعوته التي امتدت قرابة الالف عام بين قومه نجح في هداية البعض الذين اخذهم معه في السفينة لكنه فشل مع البعض الاخر فبقوا في غيهم وفسادهم واجرامهم ومنهم ابنه الذي كان يتمنى ان ياخذه معه في السفينة رغم علمه بفساده وهذا من باب عاطفة الابوة لكن الله كان حازم في الامر وقال له ان ابنك هذا عمل غير صالح واذا كان في قصة قابيل وهابيل قد بين الله لنا الابن الصالح من الابن الفاسد واظهر ان الابن الفاسد قابيل قد خسر الاخرة لكنه لم يوضح لنا جزاءه في الدنيا لكن في قصة ابن نوح اضافة الى تبيين ضلاله قد بين لنا ان الله قد حكم عليه بالموت والاغراق وهذا تشريع يبين فيه للمجتمعات ان ابناء الصالحين اذا افسدوا فلاتكتفوا برفضهم بل يجب محاكمتهم دنيويا وليس تركه اكراماً لابيه كما هو سائد في مجتمعاتنا.
بعد ابن ادم وابن نوح سرد علينا تعالى فساد ابناء يعقوب وهو يبين لنا ان هذا النبي يعقوب عليه السلام كذلك كان الفساد مستشري بين غالبية ابنائه الا يوسف واخيه بن يامين وهنا كان تكليف يعقوب بالاعراض عن ابناءه كي لايغتر المجتمع بهم ويتخذهم قادة وخلفاء له.
وختم القران كلامه عن فساد ابناء الصالحين وخطرهم على المجتمع بابي لهب وكان اول ملعون من الكفار بالاسم الصريح ليقول الله رغم ان اباه هو العبد الصالح عبد المطلب وانه عم النبي لكن هذا لايشفع له وفضحه الله واظهر خسرانه في الدنيا والاخرة كي لايتخذه السذج والسطحيين قائداً لهم واماما.
نلاحظ التركيز القراني في بعض القضايا المهمة لسلامة المجتمع مثل قضية تقديس وتبجيل ابناء الانبياء والصالحين فيسرد علينا عدة قصص لتثبيت ان لاقيمة للانسان الا بعمله وعلمه وفكره وليس بعمل وعلم وفكر والده وعائلته في حين ان القران في قضايا التشريع مثل الصلاة والصيام والحج والميتة والخمر وغيرها يكتفي بآية واحدة .
بعد فترة القران ذكر لنا التاريخ فساد بعض ابناء الائمة وبراءة الائمة منهم مثل جعفر الكذاب ابن الامام الهادي وكذلك احد ابناء الائمة الذي تعاون مع هارون الرشيد وحرضه على اعتقال الامام الكاظم
في كل هذا القصص القراني بفساد بعض ابناء الانبياء والقصص التاريخي في فساد بعض ابناء الائمة الغاية منه ليس تشريع عبادات كالصلاة والصوم بل الغاية تربوية للمجتمع متمثلة برفع الحصانة عن ابناء الصالحين في مجتمع يقدر الانسان لصلاح ابيه وعائلته وليس لصلاحه وعلمه وفكره لكن رغم هذا مازالت البداوة العقلية والفكرية تتغلغل في عقولنا ومازالت السذاجة والسطحية تنتشر بيننا رغم حصول بعضنا على شهادات عليا فمازالت تحركنا غرائزنا وقلوبنا بعيدا عن الوعي وبعيدا عن المنهج القراني فنقدم ابن هذا الولي ونرفع من شأن ابن ذاك المرجع حتى وان كان فاسداً او جاهلاً لا لشيء سوى ان اباه من الصالحين وحتى يستمر حلم المتخيل الديني لدينا على ارض الواقع والذي يستفاد منه ابن هذا الولي دينيا وسياسيا حيث يقول الباحث الاستاذ عبد الجبار الرفاعي ( فمَنْ يمتلكُ وسائلَ انتاج هذا المتخيّل الديني يمتلكُ السلطةَ ويمتلكُ التحكُّمَ بحاضر الناس ومستقبلهم في مجتمعاتنا. المتخيلُ الديني يُستثمَر لترسيخ السلطة الروحية وتمدّدها، ويُستغَل لإضفاء المشروعية على السلطة السياسية ويعمل على تضخُّمِ هيمنتها وتغوّلها) .
مع تطور المجتمعات وزيادة وعي ابنائها تخلصت من آفة تعظيم وتقديس ابناء العظماء وبقت هذه الآفة في المجتمعات ذات التركيبة البدوية العشائرية ومنها العراق فالتركيبه المجتمعيه العشائريه لمجتمعاتنا العربيه تعكس ماتطبقه في نظام العشيره على نظام المرجعيه ففي العشيره اذا مات شيخ العشيره تدين العشيره بالولاء لابنه وتنصبه زعيماً لها خلفاً لأبيه كذلك تطبق مجتمعاتنا هذا الأسلوب في نظام المرجعيه فاذا مات المرجع في المجتمعات العربيه دان اتباعه بالولاء لابنه وجعلته زعيماً واذا كان خلافة ابن الشيخ لوالده عرفا عشائرياً يتعلق بالعشيره وليس فيه ضرر على البلاد فان خلافة ابن المرجع لوالده هو تخبط وضرره كبير لانه يتعلق ببلد كامل
فنرى مايعانيه العراق من ابناء واحفاد بعض المراجع ان اتباع آبائهم نصبوهم زعماء لهم وللعراق ويتعاملون معهم في الخضوع والطاعه والاتباع مثلما كانوا يتعاملون مع آبائهم رغم انهم ليس مراجع وحتى ابناء المرجعيات القديمه في العراق فلهم هذا الطموح في البروز والتسيد وقيادة الاتباع

ان هذا الولاء لابناء المراجع يعصف باالعراق حتى انني افكر وأقول لماذا لايجعلون مقام المرجعيه في البلاد العربيه مثل مقام البابويه المسيحيه دون زواج وانجاب ابناء (راي للمزحه😁)

اعرف ان المقال حساس لكنه واقعنا المتخلف فهذه ايران برز فيها عشرات المراجع لكن لم يكن لابنائهم تزعم وخلافة آبائهم كما في مجتمعاتنا ولو أعطاهم المجتمع الإيراني هذا الحق لما توانوا فهذا السيد الخميني والمرعشي والكلبيگاني وغيرهم لم يتزعم ابنائهم من بعدهم ولو كان هؤلاء المراجع في العراق لرأيت ابنائهم الان زعماء وقاده سياسيين ودينيين يتبعهم الالاف لكنهم عكس ذلك في ايران فهم أُناسٌ عاديين من عامة الشعب نعم يحترمهم الناس ماداموا صالحين لكن لايتخذونهم قادة وزعماء سياسيين او دينيين وقد راينا قبل ايام ابناء واحفاد السيد الخميني في زيارتهم العراق ولقاء اية الله السيد حسين الصدر في الكاظمية راينا انهم اشخاص عاديين لايمثلون سلطة دينية او سياسية رغم ان والدهم السيد الخميني كان زعيم ايران

ضياء الخليلي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close