إذا فسد القضاء حل الخراب في الدول

بقلم: البروفسور الدكتور سامي آل سيد عگلة الموسوي

ان واحدة من اهم المؤسسات في الدول الحديثة والقديمة هو القضاء الذي من خلاله تصان هيبة الدولة والوطن فاذا فسد القضاء واصبح يكيل بمكيالين او اصبح مسيسا او البعض ممن فيه لهم ولاءات خارجية تدهورت احوال البلد وضاعت وطنيته. وقد اكدت المبادئ الدينية والوضعية على حد سواء على ضرورة استقلال القضاء بإرسائه لموازين الحق والعدل ومحاربة الظلم والفساد ومحاسبة الذين يهددون السلم الاهلي والمدني و محاربة الارهاب.

ومن اهم مميزات القضاء العادل هو حفظ وصيانة استقلال الدولة وذلك بارساء دعائم العدل والمساواة بين المواطنين ذلك لان العدل هو اساس الملك او الحكم الذي في ظله تشهد الدول الازدهار والتطور والتقدم في جميع مناحي الحياة. حيث ان ذلك يوَّلد الامن والسلم المجتمعي والاستقرار اللازم للبناء والتطور واستنهاض الهمم وتفجير الطاقات والعطاء واستغلال موارد الدولة في البناء والتقدم. وبخلاف ذلك تتدهور احوال الدول وتصبح دول فاشلة وميته يعشعش فيها الفساد وينتشر فيها الجهل والظلم و تصبح نهشا للعصابات والمليشيات وسراق المال العام وضياع الوطن وسلب كرامة المواطن وتنعدم المساواة وتصبح الدولة مستباحة وميته ينهشها من يشاء.

وأن واحدة من اهم ركائز القضاء هي المساواة وعدم التمييز بين الافراد على اي اساس كان عرقي او مذهبي او جسدي او وضيفي والا فأن خلاف ذلك يصبح الكيل بمكيالين فسادا واضحا يهز صورة القضاء ويلحق الضرر بجميع اجزاءه وبالدولة التي هو فيها. وهذا يؤدي الى غياب العدل وضياع الحق واستفحال الظلم واستشراء المحسوبية وقهر الناس والاستبداد في الحكم والعدالة المشوهة والاحكام القضائية الفاسدة واهتزاز ثقة المواطن والدول الاخرى ليس في القضاء فحسب بل بجميع مكونات الدولة التي تصبح دولة دون هيبة ولا أمن ولا سيادة وتستباح فيها كرامة المواطن. وكنتيجة حتمية لذلك ينتشر التذمر و الخوف والقهر والاستبداد لأن الشعب يفقد عنصري الامن والامان مما يوتر العلاقة بين الحاكم والمحكوم أي الحكومة واحزابها من جهة والشعب برمته من جهة اخرى ما عدى المنتفعين. حيث يؤدي القضاء الفاسد الى سوء الظن والتوجس والى المزيد من الفساد والاجواء التي تخنق الحياة وتحولها من صورها الصحيحة الى صور مشوهة مقلوبة الموازين.

وقد اشارت تجارب الشعوب بما لايقبل الشك ان القضاء اذا فسد باي شكل من الاشكال خاصة بارتمائه في احضان الفاسدين والتغاضي عن فسادهم او تهديدهم للسلم والامن الوطنيين فان ذلك يؤدي الى هلاك الدول وفساد النظام باشمله وسوء الاحوال المعيشية ثم من بعد ذلك الى نهاية الدول كما جاء بوصف وزير المالية المستقيل (علاوي) وكما ذكر ابن خلدون في مقدمته في كتاب العبر (الظلم مؤذن بخراب العمران) حيث افرد فصلا كاملا لذلك بين فيه ان الظلم اذا انتشر خربت البلاد واختل حال العباد وهذه من السنن الكونية الالهية التي اودعها الله في خلقه كله وفي البشر بالخصوص لا فرق فيها بين ديانة و ديانة او غير ذلك. وحين يفسد القضاء يصبح الشعب ودولته كلهافي كنفٍ من الذل والشقاء والمهانة والاستعباد والاستذلال والتبعية للدول الاخرى. حيث هناك ترابط دائري عكسي او طردي ما بين (الملك والعدل والعمارة والمال والرجال) كما جاء عن ابن خلدون حيث اذا فسد احداها فسدت الاخرى والعكس.

وان القضاء بحكم اهميته في الدولة يجب ان يكون ناصع البياض مما يجعله سريع التلوث بالفساد حيث تفسده الادران القليلة التي قد لاتفسد غيره. واذا فسد القضاء انعكس فساده بشكل اخطبوطي مباشر وكبير على كافة انحاء الدولة فتفسد السياسة والاقتصاد والزراعة والاستثمارات والتجارة والتعليم والصحة والكهرباء والعرى الاجتماعية وتضيع الاخلاق وتتفكك الاسر وتتفشى البطالة و يعم الجهل ويصبح هم الحاكمين ملذاتهم فيتقاتلون على السلطة ويتركون الشعب للضياع والنهب وتصبح الدولة منبوذة ولا احد يفكر في الاستثمار فيها من باقي الدول بسبب فسادها. وعليه فأن فساد القضاء هو منبع كل فساد لانه الجهة التي تصان فيها الحقوق ومن خلالها يتم حماية السلم الاهلي والوطني وتصان سيادة البلاد وتفسد كافة مؤسسات الدولة ويصبح للقاضي ثمن معروف وللموظف ثمن آخر وللوزير اثمان متفاوتة كلها تباع وتشترى ببضعة دولارات فمهما كان الثمن فهو ثمن بخس وان كان كبيرا.

وهناك معادلة اثببتها البحوث والدراسات وتجارب الدول والشعوب وهي ان النظام السياسي الفاسد يبحث عن ويؤسس لقضاء فاسد مثله لكي يغطي على فساده ويبرئ ساحته ويخلي طرفه من أي تهمة على المبدأ العراقي القائل (طمطم لي واطمطم لك). وهذه المعادلة بالتالي تجعل الناس محبطين ياأسين من الحصول على حقوقهم لان القضاء خذلهم والساسة سرقوهم. فالمؤسسة القضائية الفاسدة غالبا ما تزور الانتخابات او تتلاعب بنتائجها لصالح فرد او مجموعة وبذلك تباع مقدرات الوطن بل ويباع الوطن نفسه وعندما يثور الناس ضد ذلك الظلم والتعسف للمطالبة بوطن وحقوق يتم قتلهم بدم بارد ويصمت القضاء صمت الاموات في المقابر حينها يصبح القضاء اداة بيد الساسة الفاسدين والفاشلين ويطبق قوانينه لحماية نفسه ضد الشعب المقهور و هذه اسوأ ما يصل اليها القضاء من حالة عندها لابد للسنن الالهية من التدخل ولكن بشكل قد يشمل الجميع بالأسوأ. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here