موسم المدارس.. كابوس يؤرق أهالي قطاع غزة

رمضان وهدان

أصبح اقتراب موسم المدارس في قطاع غزة كابوسا يؤرق الأهالي، بسبب الأزمة اقتصادية الكبيرة التي تلقي بظلالها على غالبية العائلات، حيث باتت نسبة كبيرة من العائلات عاجزة عن تأمين الاحتياجات الأساسية لأطفالها في وقت لجأت أسر إلى الاستدانة، وسط مخاوف على مصير مدارس “أونروا”.
لم يكد سكان القطاع ينتهون من مصاريف عيد الأضحى المبارك حتى داهمهم وبسرعة موسم المدارس، الذي يحتاج إلى موازنة عاجلة لأبنائهم مع بدء العام الدراسي الجديد، في عيد الأضحى، وبعد أن امتنع غالبية سكان غزة عن شراء ملابس جديدة لأبنائهم، في محاولة لتوفير ثمنها لشراء ملابس الموسم الدراسي، إلا أن الغالبية العظمى لم تقدر أيضاً على توفير المال اللازم لشراء المستلزمات المدرسة.
وبعد أن كان موسم المدارس من المواسم المُفرحة للعائلات؛ وكانوا يَسعدون عندما يلبون رغبات أولادهم، ويشترون لهم ما يحتاجونه من قرطاسية وملابس للمدرسة، أصبح هذا الموسم ثقيلًا جدًا عليهم؛ بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بالإضافة إلى اقتطاع حكومة غزة من رواتب الموظفين.
بداية العام الدراسي
وأعلن رئيس برنامج التربية بوكالة (أونروا) في قطاع غزة فريد أبو عاذرة، عن موعد بدء العام الدراسي الجديد 2022- 2023 في مدارس الوكالة بالقطاع.
وقال أبو عاذرة في تصريح صحفي إن “دوام المعلمين سيبدأ يوم السبت 27/8/2022، فيما سيداوم الطلاب يوم الاثنين 29/8/2022”.
وتابع: “أونروا أجرت الاستعدادات لاستقبال العام الدراسي في مجالات عدة من بينها الإداري، حيث جرى افتتاح ست مدارس جديدة منها مبنيين جديدين في مدارس خانيونس، وأربع مدارس جديدة في غزة، وتجهيزها بالأثاث والمواد اللازمة”.
العام الدراسي الأسوأ
وتشير التوقعات إلى أن العام الدراسي الحالي سيكون الأسوأ، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها جميع العائلات نتيجة أزمة تقليص رواتب موظفي القطاع العام، وتسريح العاملين في المنشآت الصناعية، إضافة إلى أزمة تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تضم غالبية تلاميذ القطاع في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
وقد دفعت الأزمة الاقتصادية بعض الأمهات والآباء إلى إجبار أبناءهم على ارتداء الزي المدرسي القديم، ومنهم من عمد إلى إصلاحه لدى محال الخياطة. وسط بكاء الأطفال الذين كانوا يرغبون في الحصول على زي جديد، حتى لا يراهم زملاؤهم بالزي القديم.
وتعول بعض العائلات على قيام مؤسسات خيرية محلية أو دولية بتأمين القرطاسية هذا العام لأبنائها، وتبلغ حاجة كل تلميذ من القرطاسية في بداية العام الدراسي ما بين 70 و90 شيكلاً (ما بين 20 و26 دولاراً أميركياً) وهو مبلغ كبير إذا كان رب الأسرة يعول 3 أو 4 أطفال بالمدارس.
وتفاعل عدد من أهالي غزة على مواقع التواصل، مع غلاء الأسعار وتردي مستوى المعيشة تزامنا مع بداية العام الدراسي الجديد، وعلقت نرمين البرقي قائلة: ” ربنا يفرجها علي الناس الوضع صعب ربنا لا يكسر أب أمام أطفاله”.
وقال حساب أمير الدحدوح: ” نار الأسعار حسبي الله ونعم الوكيل فيهم”.
وعلق حساب ثلوج دافئة قائلا:” ربنا بفرجها الناس المبسوطة بتستعد وبتتجهز ويلي زينا يا حسرة علينا ننتظر الفرج من الله”.
ركود بالأسواق
وعلى الرغم من أن أصحاب المصانع، و العمال ينتظرون حلول موسم المدارس، لا سيما أنه مصدر رزق لمئات العمال العاطلين عن العمل في قطاع غزة، بسبب إغلاق معظم المصانع في القطاع، بسبب الحصار الجائر الذي يفرضه الاحتلال على القطاع منذ أكثر من 17 عاماً، حيث يمنع إدخال المواد الخام اللازمة لعمل تلك المصانع، بالإضافة لمنع تصدير المنتجات و البضائع من القطاع إلى الخارج، بسبب القيود التي يفرضها على المعابر.
إلا أن بعض المحال التجارية التي تبيع الحقائب المدرسية واللوازم المكتبية لم تشتري هذا العام بضائع جديدة لعرضها في الأسواق، واكتفت بالبضائع المخزنة من العام الماضي.
وشهدت حركة الأسواق هذا العام ركودا كبيرا، وبدا واضحا أن الإقبال على شراء المستلزمات المدرسيّة ضعيف جداً بالمقارنة مع السنوات الماضية، ولم تفلح تخفيضات الأسعار التي أعلنها غالبية التجار في قطاع غزة في إنعاش حركة الأسواق قبل أيام من انطلاق العام الدراسي، الذي يمثل موسما مهما للعديد من القطاعات التجارية.
أسعار الملابس
وبخصوص أسعار الملابس هذا العام، يقول محمد الزيناتي، صاحب أحد مصانع الملابس في قطاع غزة، إنّ المصنع عمل على إنتاج الزي المدرسي بما يراعي الواقع الاقتصادي للسكان في غزة، إذ تتراوح الأسعار الخاصة بـ “المريول” المدرسي للطلاب بين 20 و40 شيكلاً إسرائيلياً، أما العباءة الخاصة بالإناث فتتراوح بين 50 و80 شيكلاً. (الدولار=3.27 شواكل إسرائيلية)
وقبل عام 2000، كانت مصانع الخياطة في القطاع تزيد عن 1200 مصنع تشغل آلاف العمال، فيما انهار هذا القطاع تدريجياً بعد عام 2007 قبل أن يعود تدريجياً للعمل منذ عام 2020 بسلسلة من القطاعات والمجالات.
ووفقاً لوزارة الاقتصاد في غزة، فإنّ هناك قرابة 270 مصنعاً وورشة تعمل في مجال الخياطة الخاصة بموسم المدارس، فيما التقديرات تشير إلى أن هذه المنشآت أسهمت في تشغيل نحو 5 آلاف عامل خلال الفترة الأخيرة.
كما يوجد في قطاع غزة نحو 32مصنعاً للحقائب، كلها توقفت عن العمل بسبب الحصار، و لكن بعد محاولات عديدة نجحت في النهاية بإعادة تشغيل 16 مصنعاً منها.
ظروف اقتصادية صعبة
ويعيش قطاع غزة ظروفًا اقتصادية صعبة منذ نحو 16 عامًا نتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، منذ عام 2006، ولكنها شددته منتصف 2007 عقب سيطرة حماس بالقوة عليه، ومنذ ذلك الوقت يشهد القطاع تدهورا اقتصاديا وإنسانيا متصاعدا تفاقم عام 2017، وبعد 16 عاما من الحصار، وصلت نسبة الفقر في قطاع غزة إلى حوالي 60% والبطالة إلى 54% مع تدهور اقتصادي مس كل جوانب الحياة.
ولا يتجاوز متوسط دخل الفرد اليومي في القطاع أكثر من دولار حالياً لدى كثير من السكان، في الوقت الذي يعتمد فيه نحو 80% من سكان القطاع على المساعدات الإغاثية التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا) وغيرها من المؤسسات.
وتدفع الحكومة الفلسطينية منذ عدة سنوات نحو 60% من قيمة الراتب لموظفيها، فيما تدفع حماس هي الأخرى نحو 45% من قيمة رواتب موظفي حكومتها بغزة.
حالة موت سريري
وفي هذا السياق، يؤكد خبراء اقتصاديون أن القدرة الشرائية لدى سكان قطاع غزة انخفضت بشكل غير مسبوق، محذرين من أن القطاع يعيش حالة موت سريري. وتشير الخبيرة الاقتصادية نجوى عبد الجواد، إلى أن الحصار الإسرائيلي وسيطرة حركة حماس على القطاع منذ 16 عاماً أديا إلى تدهور اقتصادي خطير طال مناحي الحياة كافة.
وقالت إن الإجراءات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على الموظفين التابعين لها، ألقت بظلالها على الأسر الأشد فقراً، في حين وصلت ارتدادات هذه الإجراءات إلى التجار، حيث تأثرت مصالحهم بأنصاف الرواتب وتشديد الحصار. موضحة أن معدلات البطالة في قطاع غزة بلغت الـ60%، ومع استمرار هذا الحال، من المتوقع أن تزيد معدلات البطالة خلال هذا العام إلى مستويات قياسية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here