عودة اليمين في واشنطن وتل ابيب في خريف 2022

بقلم: حسين الديك

تتسم الحالة السياسية في الولايات المتحدة الامريكية بتقلبات دراماتيكية مستمرة ومتسارعه انطلقت بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 اذ اصبح المزاج العام للناخب الامريكي سريع التحول والتغير من حالة الى حالة اخرى نظرا للظروف والتطورات الداخلية التي تلامس حياة المواطن الامريكي اليومية ، واصبحت صفة الديناميكية صفة غالبة ومميزة للمجتمع الامريكي بانه مجتمع ديناميكي متحول ومتغير ومتقلب ، وهذا ينعكس بصورة سريعة على المؤسسات الديمقرطية وخاصة الكونغرس الامريكي بمجلسيه النواب والشيوخ الذي تمارس الانتخابات كل سنتين مما يجعل عملية التغيير حتمية وضرورية وسريعه ، وفي ظل التغيرات والتقلبات السياسية الحاصلة في واشنطن فان هناك الكثير من المؤشرات على عودة حتمية وقوية للحزب الجمهوري للمؤسسات السيادية في واشنطن.

على صعيد اخر فان التقلبات السياسية الحاصلة في اسرائيل منذ اربع سنوات هي مؤشر واضح على عدم الاستقرار السياسي في اسرائيل وعدم قدرة اي معسكر سياسي سواء معسكر اليمين او معسكر الوسط على حسم الانتخابات بقوة واقامة حكومة مستقرة في اسرائيل ، اذ اثبتت السنوات الماضية ان قواعد اللعبة السياسية في اسرائيل قد فرضت حضورها بعدم وجود غالبية في الكنيست الاسرائيلي تعطي ضمانه لحكومة مستقرة وثابته للفترة المحددة .

ان ماجرى في العام 2020 في الولايات المتحدة الامريكية يثبت الديناميكية والتحول في المجتمع الامريكي اذ سيطرة الحزب الديمقراطي على البيت الابيض و مجلس النواب باغلبية بسيطه وتعادل الحزبان الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ ، ولكن خلال السنتين الاولتين من سيطرة الديمقراطيين على البيت الابيض ومجلس النواب تعالت الاصوات على الجانب الاخر في الحزب الجمهوري وعادت الظاهرة الترامبية ممثلة بالتيار المتشدد في الحزب الجمهوري للظهور وبقوة اذ استطاع تيار ترامب في الحزب الجمهوري هزيمة كل معارضي ترامب من نفس الحزب في الانتخابات التمهيدية لمجلسي النواب والشيوخ وحشد المزيد من الدعم والتاييد لمرشحي الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة في خريف 2022 مما يؤشر على عودة قوية لليمن الامريكي ومؤيدي الرئيس السابق ترامب وسيطرتهم على مجلس النواب الامريكي ، وبذلك يشكل عائق امام الرئيس بايدن في عدم الانسجام بين البيت الابيض والكونغرس ، ليس هذا فحسب بل هذا مؤشر قوي على استعادة الجمهوريين للبيت الابيض في الانتخابات الرئاسية في 2024 .

واذ اخذنا نظرية التقارب الامريكي الاسرائيلي والتاثيرالمتبادل في ذلك ان ما يحصل في واشنطن ينسجم تماما وينسحب تماما على ما يحدث في تل ابيب ، فان كافة استطلاعات الراي تؤكد على سيطرة اليمين الاسرائيلي في انتخابات الخريف المقبل على الكنيست الاسرائيلي وتشكيل حكومة يمينية مستقرة برئاسية بنيامين نتنياهو اضف الى ذلك ضعف معسكر الوسط في اسرائيلي وتلاشي اليسار الاسرائيلي التقليدي من حزب العمل وميرتس وتفكك القائمة المشتركة وهذا يدل على تحولات بنيوية في المجتمع الاسرائيلي وتوجهه نحو يمين الوسط واليمين المتطرف واليمين الديني وهذه ظاهرة تستحق الوقوف عندها ومعرفة الاسباب الكامنة خلف هذه التحولات البنيوية في المجتمع الاسرائيلي.

ان انعكاسات هذه التحولات السياسية وعودة اليمين للحكم في واشنطن وتل ابيب له تاثيرات وانعكساسات على عدد من القضايا الدولية والشرق اوسطية و اهمها ملف الصراع العربي الاسرائيلي والملف النووي الايراني ، اذ ان ذلك يشير الى مرحلة صعبه ومعقدة في تلك الملفات في السنوات القادمة وقد يتجلى ذلك بالدعم المطلق واللامحدود للحكومة الاسرائيلية ومناصرتها في كافة الخطوات التي تتخذها سواء في الشان الفلسطيني او الملف الايراني ، وقد نشهد ايضا مزيدا من الانفتاح للدول العربية والاسلامية في اقامة علاقات دبلوماسية مع تل ابيب بمباركة ودعم امريكي لامحدود ، كل هذه التطورات والتغيرات ستلقي بظلالها على المشهد السياسي في المرحلة القادمة وقد تكون مصحوبة بالعديد من التطورات والمفاجات السياسية والتحولات الهامة في منطقة الشرق الاوسط والتي قد لا يحمد عقباها .

ان تنامي ظاهرة اليمين وصعود اليمين الشعبوي هي جزء من حركة اجتماعية سياسية عالمية وليست مقتصرة على واشنطن و تل ابيب ، اننا نرى يوميا تحولات في المجتمعات اللبرالية الغربية في دول اوروبا الغربية وامريكا اللاتينية هذه التحولات لصالح اليمين الشعبوي ويمين الوسط واليمين المتطرف ، وهذا يفرض الكثير من التساؤلات عن الاسباب التي ادت الى ذلك في هذه الفترة وما هي انعكسات ذلك على الملفات السياسية الساخنة في العالم .

ان التناغم و التماهي السياسي الحاصل بين واشنطن وتل ابيب عبر عقود من الزمن هو نتيجية حتمية لفعالية اللوبيات المؤثر على صنع القرار السياسي في واشنطن وتل ابيب والتماهي والتناغم بين السياسسات الامريكية التي تضعها مؤسسات الابحاث الاستراتيجية في كل من واشنطن وتل ابيب فكريا وايدولوجيا واقتصاديا في التخطيط للمستقبل لسنوات قادمة عديدة وهذا مؤشر على ان المؤسسات هي من تصنع القرارات والسياسيات المؤثرة والمصيرية في العالم وفق دراسات ونظريات سياسية فاعلة ومدروسة وليس اجتهادات وردات فعل كما هو حاصل في معظم دول الشرق الاوسط التي هي سوق تجارب وسوق استهلاكي فقط.

ان حالة عدم الاستقرار في الشرق الاوسط وتنامي ظهور التيارات الراديكالية المتطرفة وظهور ما يعرف بالارهاب المعولم و اتساع ظاهرة الاسلاموفوبيا في الغرب ، وظهور اليمين الدييني في الدول الغربية ، اضف الى ذلك التحولات السياسية في عالم متعدد الاقطاب( روسيا الصين تركيا) ، وعجز المؤسسات الدولية وخاصة الامم المتحدة عن حل بعض القضايا الدولية الشائكة ، والازمات الاقتصادية العالمية كل هذه العوامل كان لها اثر كبير على صعود اليمين المتطرف في العالم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here