فلسفة : هل يكون (العنف) احدى صور (القوة) ؟

فلسفة : هل يكون (العنف) احدى صور (القوة) ؟ * د. رضا العطار

ان كلمة (القوة) قد تختلط على الكثيرين بكلمة (العنف)، خصوصا وان الاستعمال السياسي لهذه الكلمة قد جعل من الانظمة السياسية القوية مجرد انظمة ارهابية تقوم على العنف والطغيان. بل اننا نقول انه قلما يتحقق اي تقدم اجتماعي بدون ظاهرة صراع الطبقات التي تكاد تكون هي الركيزة الاصلية لكل تحرك اجتماعي – – – لكننا لا نتصور ان تكون سياسة العنف هي المظهر الاوحد لعلاقة الانسان باخيه الانسان، وكأن المجتمع لا يمكن ان يتأسس الا على دعامة من الخوف والارهاب.

والحق ان عالم الارهاب هو بالضرورة عالم التناقض ومن ثم فانه يكشف عن نزعة عدمية جذرية، وان كل ما يتم الحصول عليه باساليب العنف لا بد من ان يظل عديم القيمة، لانه لن يكون الا كسبا زائفا قد تحقق على حساب حريات الاخرين.

صحيح ان القوة هي القاعدة الاولية للطبيعة وصحيح ايضا ان انزلاق القوة الى مستوى العنف ظاهرة طبيعية نجدها جلية في عالم الحيوان، لكن من المؤكد ان بناء الحضارة البشرية لم يتحقق الا يوم نجح الانسان في فرض بعض الحواجز على طريقة استخدام القوة والالتجاء الى العنف. وليس في الامكان ان يضع حدا لعملية اللجوء الى القوة بحيث يجيء (القانون) فيكفل للضعفاء والاقوياء على السواء الاحساس بالامن.

وحينما لا يشعر الضعفاء بالامن فان الاقوياء انفسهم لن يلبثوا ان يجدوا انفسهم مهددين.

ولا شك ان العدالة والقانون والعقود انما تفترض جميعا مبدأ التنكر لقسوة الطبيعية، ونحن نعرف كيف ان تقدم الحضارة البشرية قد سار دائما جنبا الى جنب مع عملية اعلاء شان الغرائز الحيوانية الكامنة في اعماق كل فرد منا – – – وحينما اتخذ غاندي في صراعه السياسي مبدأ عدم استخدام العنف non violence فانه كان يعني بذلك ان (القوة) لا يمكن ان تكون هي (القيمة الكبرى) وان (الحرب) لا يمكن ان تكون هي (الكلمة الاخيرة).

ومهما يكن من شئ فقد استطاع غاندي (هذا الفقير الهندي العاري النحيف على حد تعبير تشرشل ان يثبت للعالم اجمع ان مبدأ عدم اللجوء الى استعمال العنف هو (مبدأ قوة) لا (مبدأ ضعف).

لقد قدم لنا غاندي الدليل على ثقته المطلقة في امكانية انتصار (الحكمة البشرية) – – – لكن في بعض الاحيان يضطر الانسان الى مواجهة الاخرين بشئ من الحزم والشدة، بل اننا لنلاحظ ان المربّي نفسه قد يلجأ احيانا الى بعض اساليب (العنف الابيض) ، فيعامل ابناءه بشئ من القسوة او الشدة واثقا في قرارة نفسه من ان (القوة) ايضا (لغة) وان العنف نفسه قد يكون صورة من صور الامانة والاخلاص. ومن هنا فان العنف لا يمثل دائما شرا اخلاقيا.

وقد اكد الفيلسوف بسكال ان الحق نفسه قد يكون بحاجة الى القوة بدليل ( ان العدالة بدون القوة عاجزة، والقوة بدون العدالة طاغية) فلا بد من وضع العدالة والقوة جنب الى جنب بحيث تعمل على جعل (العادل) قويا، وجعل (القوي) عادلا. لكي يدرك الجميع ان غايتهم القصوى هي العدالة والحق والسلام.

* مقتبس من كتاب فلسفة مشكلات الحياة، د. زكريا ابراهيم، جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here