جراثيم التعليم العربية والمغالطات حول النظام التربوي الفنلندي

أ.د. محمد الربيعي

انتشرت بصورة واسعة في وسائل الاتصال الاجتماعي العربية مقالات وفديوات حول ما تم تسميته بجراثيم التعليم والذي نسب الى ما اطلقت عليه هذه المقالات بالاب الروحي للتعليم الفنلندي.
احب ان اوضح بعض الحقائق حول ما تم تناقله بشأن “جراثيم التعليم”:

1- تم الادعاء بأن باسي سالبرغ Pasi Sahlberg هو “الاب الروحي للتعليم الفلندي” وهو بالحقيقة بروفسور في جامعة نيو ساوث ويلز، استراليا، وكان قد كتب كتابا عنوانه: (دروس فنلندية: ما الذي يمكن أن يتعلمه العالم عن التغيير التربوي في فنلندا؟). وهو بالتأكيد ليس بالاب الروحي للتعليم الفنلندي.
2- في كتابه حاول الاجابة على سؤال عن الذي يمكن أن يتعلمه العالم من التغيير التربوي في فنلندا؟ وفيه تحدث عن حركة الإصلاح التعليمي العالمية والتي كانت أقل نجاحا بكثير مما تمكنت فنلندا والدول الاخرى من تحقيقه باستخدام بعض الحلول المعاكسة تقريبا.
3- تقود البلدان التي تبنت حركة الاصلاح التعليمي العالمية Global Educational Reform Movement (جيرم، GERM) إصلاحاتها التعليمية من خلال تغييرات مجزأة، ومساءلة أقوى للمعلمين، والإيمان ببناء القدرات الفردية، وقوة التكنولوجيا كمفاتيح لتغيير أنظمة المدارس غير المرضية.
4- يعتقد سالبرغ ان الدرس الأول الذي تقدمه فنلندا للمصلحين التربويين هو أن إصلاح النظام بأكمله لا يمكن أن يكون ناجحا إلا إذا كان مصدر إلهام لجميع المعنيين، وبالتالي يجب تشجيع الافراد على العمل معا من أجل التحسين المنشود. كان الحلم الفنلندي منذ السبعينيات هو توفير مدرسة عامة جيدة لكل طفل في البلاد. ألهم هذا الهدف الكثيرين وكان ضروريا للمضي قدما في التغييرات السياسية والتعليمية الضرورية. لقد كان هذا الالهام قويا بما يكفي لجلب مختلف الافراد والجماعات السياسية إلى توحيد الجهود لتحقيق هذا الحلم. لقد كان تحديا، وتطلب عملاً جادا وتوافقا سياسيا، لكنه في النهاية كافأ الأمة بأكملها من خلال نتائجه.
5- خلص بعض التربويين إلى أن سر نجاح التعليم في فنلندا يكمن في معلميها المدربين تدريبا جيدا. صحيح أن المعلمين والقادة لديهم تعليم أكاديمي أعلى في فنلندا منه في العديد من البلدان الأخرى، لكن هذا وحده ليس السبيل لتغيير النظام التربوي بأكمله. ما هو مهم في النهج الفنلندي هو أنه ركز على تحسين المعرفة والمهارات المهنية للمعلمين والقادة كمجموعة جماعية، ليس فقط كأفراد، وهي ممارسة شائعة في العديد من برامج الإصلاح الحالية في أماكن أخرى من العالم. يتعلم المعلمون الفنلنديون العمل مع مدرسين آخرين. ركز تطوير نظام التعليم الفنلندي بشكل منهجي على تحسين المدارس كمنظمات اجتماعية، وشمل هذا الهدف تطوير القيادة التي تهدف إلى تعزيز نماذج القيادة المشتركة.
6- يؤكد علماء التربية على أهمية جعل النظام بأكمله يعمل بشكل جيد، وليس فقط جزء منه، على سبيل المثال تنمية الطفولة المبكرة، ورفاهية الأطفال في المدرسة، والعمل باحترافية داخل الصفوف، والمعلمون الجيدون، والمناهج الملهمة، والقيادة المستدامة.

7- يقول سالبرغ: (يجب ألا نسأل ما إذا كان النموذج التعليمي الفنلندي سينجح في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر. يجب أن يكون السؤال: ما الذي يمكن أن نتعلمه من التجربة الفنلندية كأداء عالٍ ومصلح ناجح؟ الدرس الرئيسي المستفاد من فنلندا هو أن هناك طريقة أخرى لتغيير أنظمة التعليم الحالية غير تلك القائمة على المعايير والاختبار والمساءلة والمنافسة. تُظهر فنلندا أيضا أننا لسنا بحاجة إلى الاعتماد على نماذج إصلاح المدارس المؤسسية لتحقيق أهدافنا. الدرس الفنلندي هو أن السياسات الجيدة والرفاهية العامة للناس، بما في ذلك الحد من الفقر، هي حجر الزاوية للنجاح التعليمي المستدام).
8- يؤكد سالبرغ على أن المثال الفنلندي – جنبا إلى جنب مع دروس من كندا وسنغافورة واليابان وكوريا – للتحول الناجح لنظام التعليم يُظهر للبلدان الأخرى ما يمكن أن يكون الدوافع الخاطئة في التغيير التعليمي. ويقول: (لقد قامت جميع الأنظمة التعليمية الأفضل أداءً ببناء استراتيجيات التغيير الخاصة بها على مناهج منهجية تعتمد على التطوير المهني والمؤسسي الجماعي (أو رأس المال الاجتماعي)، وتحسين ظروف التعليم والتعلم للجميع، والمزيد من الفرص التعليمية المتساوية ضمن أنظمتها التعليمية).
9- لم يوصي سالبرغ بالتخلص مما يدعي بالجراثيم التعليمية السته التي اكد عليها كتاب وسائل الاتصال الاجتماعي العربية، والحقيقة ان فنلندة لم تتخلص منها كاملا. وهو لم يذكر الدروس الخصوصية بالسوء ولم يصف اي من وسائل التعليم التي استبدلتها او طورتها فنلندة بالجراثيم!
10- النظام الفنلندي يتفوق على كثير من الانظمة لخصائص منها تشترك مع ما يدعو له سالبرغ وهي خصائص جيدة في مقابل خصائص اخرى معاكسة اثبتت ايضا جودتها خصوصا لدول شرق اسيا والتي تعتمد على الدراسة المرهقة لتحقيق الافضل. فاذا كانت فنلندة قد تخلصت من الدراسة المرهقة فلماذا احتفضت بها الصين ودول جنوب شرق اسيا وعن طريقها تفوقت ايضا؟ نرى نظام متفوق يعتمد اسلوب “ادرس بجد .. تحقق الافضل” ونظام اخر كالنظام الفنلندي يعتمد مبدأ “الجهد الكثير لا يحقق المنشود”.
11- اتسائل لماذا تقف انظمة تربوية في قمة احسن الانظمة التربوية العالمية وهي كما يبدو متعارضة في الاساليب كاليابان وسنغافورة مقابل فنلندة؟ 
12- لكي تتعرف على حقيقة النظام التربوي الفنلندي وعن اسباب تفوقه الحقيقية (ومن دون جراثيم وسائل الاتصال الاجتماعي العربية) ارجو قراءة مقالتي المنشورة سابقا، الرابط: 
https://akhbaar.org/home/2021/9/287352.html

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here