هل الاخلاق حاجة دينية ام حاجة إنسانية

بقلم ( كامل سلمان )

الاخلاق حاجة إنسانية قبل ان تكون حاجة دينية ، حاجة إنسانية لكي يستطيع الإنسان العيش مع الأخرين بشكل جماعي بمحبة ووئام وتعاون وصدق ، ولا يوجد اي تجمع بشري منذ فجر التأريخ مهما كان حجمه خالي من القيم الخلقية الاخلاقية وحتى المجتمعات المشاعية البدائية كانت لها ترابط خلقي اخلاقي عالي المستوى ، فالأخلاق بطبيعتها شيء فطري وبتداولها تصبح تطبع وسلوك .. اما قوانين الشرف والجنس وقوانين النكاح والحشمة والملبس وغيرها ، فهذه قوانين صنعتها العادات والتقاليد المتوارثة وليس لها اي ربط بالقيم الاخلاقية وقد يراها البعض انها مكملة للأخلاق ولكنها ليست من القيم الاخلاقية التي تقرب افراد المجتمع بعضهم لبعض … الدين جاء ليجعل القيم الاخلاقية قيم ملزمة بعد ان كانت اختيارية فطرية طوعية ، ثم تكونت المجتمعات الكبيرة لتجعل بعض القيم الاخلاقية الاساسية جزء من قوانينها لذلك لا ترى دستور في اي بلد لا ينص على القيم الاخلاقية الاساسية ثم وضع الحساب والعقاب والجزاء الخ . الإنسان بطبيعته يميل الى الحياة الجمعية ويميل الى البحث عن السعادة ويميل الى حب الخير ، فهو يعلم ان هذه الاشياء لا يمكن نيلها الا بوجود الخصال الاخلاقية الجمعية التي تعزز ترابط افراد المجتمع بعضهم لبعض . .
القيم الاخلاقية بمجملها خاضعة لظروف بيئية وجغرافية فمثلا في ظروف الجدب والجوع يتكيف المجتمع لتقاسم رغيف الخبز وهذه واحدة من اكبر القيم الاخلاقية وهو الشعور الجمعي سوا أكان على مستوى التجمع العائلي او المجتمعي . كذلك الدفاع عن النفس والدفاع عن المجتمع امام المخاطر الخارجية القادمة هي قيم اخلاقية مجتمعية ، لذلك نجد ان الاخلاق لها طبائعها المختلفة باختلاف المجتمعات ، فأخلاق سكان الصحارى لا تشبه اخلاق سكان الاراضي الزراعية ولا تشبه اخلاق سكان الجبال او سكان الجزر في البحار وكذلك الاخلاق لسكان المناطق الاستوائية تختلف عن اخلاق سكان المناطق القطبية والاختلاف ينطبق ايضا على المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة عن نظيرتها ذات الكثافة السكانية القليلة اي ان الاخلاق في داخل تلك المجتمعات تصبح خاضعة بشكل او بأخر لقوانين المجتمع وظرفه . ومن هذا المنطلق فإنه من الخطأ فرض اخلاق بيئة معينة على سكان بيئة اخرى وهذا ما كان سبب من اسباب بعض الحروب والنزاعات وسفك الدماء . الاخلاق تتغير وتتطور كأي شيء اخر مرتبط بتطور الإنسان والتطور هنا بما يناسب الحياة الجديدة دون المساس بأساسيات الاخلاق وهذا ما نراه في معظم المجتمعات ومن ينكر ذلك فإنه سيعاني وسيجد نفسه في معزل عن ركب التطور ، فمثلا التطور استوجب دخول المرأة معترك الحياة بكل جوانبها العلمية والاقتصادية والفنية والرياضية في الوقت الذي كانت فيها المرأة في معظم المجتمعات لا تعرف غير حدود البيت مما جعل دعاة الدين ودعاة الشرف ودعاة الحفاظ على العادات والتقاليد في موقف لا يحسد عليه لإنهم اخطأوا من البداية ان جعلوا للدين والشرف قوانين صارمة مأخوذة من تقاليد مجحفة صنعوها وفروضها على المجتمع ونسبوها للدين جورا وثبتوها بإنها قيم اخلاقية بذلك وجدوا انفسهم مخذولين . حرية الإنسان اهم مادة اخلاقية في التأريخ والتركيبة البشرية وسلب هذه الحرية يعني دفع الصفات الاخلاقية السيئة ان تطفو على السطح وتصبح البديل عن الخصال الاخلاقية الحسنة . فمن الجهالة سلب حرية الإنسان بحجة فرض القيم الاخلاقية فالنتيجة الحتمية ستكون ضمور القيم الاخلاقية من جانب ومن جانب اخر ظهور النفاق السلوكي الذي يدمر المجتمع . فلا نستغرب ان نرى المجتمعات والدول التي تم فيها سلب حرية الإنسان تحت اي عنوان او مسمى تنتهي نهاية مذلة مهينة . القيم الاخلاقية هي جزء ثابت في اي مجتمع ومحاولة زحزحتها ببعض الاضافات كالزرع الذي لا ينبت ولا يثمر بغير بيئته . . الدين يجعل للقيم الاخلاقية ومكارم الاخلاق ارتباط غيبي ليثبتها ويرسخها في نفوس الناس وليعزز مكانتها كأولوية من الله وهذا شيء حسن ولكن لا أحد يستطيع ان يعتبر نفسه هو المثل الاعلى للأخلاق فإن الحد الادنى للأخلاق هو عدم الاصطدام مع الاخرين والحصول على مكانة محترمة تؤهل الإنسان للعيش وسط المجتمع واما المثل الاعلى او الحد الاعلى فهذا مكسب شخصي ولا حاجة للمجتمع اليه اي بمعنى فوق الحاجة ، وخاصة اذا تحدثنا عن الجانب الديني لإن هذا الجانب تقييمه عند الله واما اذا كان من الجانب غير الديني فهو السلوك الطبيعي للإنسان السوي بما لا يتصادم مع المجتمع ….. … عندما تجد في مجتمع ما فرض الدين بالقوة بداعي فرض الفضائل الاخلاقية فهذه خدعة لإن ما يتم تطبيقه في هذه الحالة هو سلب الاخلاق ووصاية على الإنسان وهذا ما يرفضه الدين نفسه كما قال تعالى (قد افلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) والمقصود بها النفس والنفس هي مركب داخل الأنسان وتحت سلطة الإنسان ، فهذا دليل ان الاخلاق تنبع من ذات الإنسان وليست بالفرض والقوة ، وحتى الحلال والحرام في كل الاديان فحقيقتها تنتهي الى جذور القيم الاخلاقية وزراعتها في نفس الإنسان لا تتم عن طريق الوصاية ، فقد أثبتت بعض المجتمعات غير الدينية التزامات اخلاقية عالية المستوى بينما نجد في المقابل المجتمعات الدينية عاجزة عن بناء التزامات اخلاقية بالحد الادنى ، لإن الدين يرفض بالاساس ما يسمى بالسلطة الدينية فالسلطة الدينية عند جميع الديانات وجدت بعد رحيل الأنبياء والعذر وراء ذلك هو الحفاظ على الدين من خلال فرض القيم الأخلاقية ، ناهيك عن وجود مقياس واقعي وحقيقي للأخلاق الا وهو الوعي والثقافة ، فأنظر الى المجتمعات التي لها وعي عالي تجد عندها اخلاق عالية والمجتمعات التي لها وعي ضعيف تجد الاخلاق ضعيفة وهذا لا يحتاج الى دليل لإن الواقع يقره .
لماذا الخوف من الوعي لإن الوعي وحده يصهر التخلف . والوعي يؤسس تربية اخلاقية غير مفروضة عكس التخلف فإنه يؤسس تربية اخلاقية مفروضة بالاكراه تتفتت مع اول اختبار حقيقي وقد يكون هذا هو السر لوجود الوجوه المتعددة للفرد في المجتمعات البائسة وانتشار ظاهرة النفاق الاخلاقي والتشتت المجتمعي ، كلها نتائج طبيعية للضغط في التربية والتعامل ..
ان البحث عن السعادة يمر عن طريق القيم الاخلاقية فالإنسان كلما كان راضٍ عن نفسه كلما اقترب من السعادة خطوات اضافية ، لذلك لا نجد اي خلاف واختلاف في الرأي عند جميع الافكار البشرية حول ضرورة القيم الاخلاقية .
من اكبر المشاكل التي واجهت القيم الاخلاقية في عصرنا الحديث وخاصة في المجتمعات التي ارتبطت عندها الاخلاق بالعادات والتقاليد الموروثة هو التمسك بالشكل الخارجي للأخلاق للحفاظ على السمعة الجيدة امام المجتمع ومحاولة كسب ود الناس حتى وان كان هناك خداع كبير للمجتمع وهذا ما جعل القيم الاخلاقية قيم نفاقية ادت الى صراعات نفسية خفية فأصبحت القيم الاخلاقية ثقل نفسي على الإنسان بعد ان كانت القيم الاخلاقية حاجة ملحة للإنسان والعكس من ذلك تماما في المجتمعات التي لا تخضع للعادات والتقاليد اصبحت القيم الاخلاقية تتطور بنفس السرعة التي يتطور بها الإنسان فازدادت الحاجة عند هذه المجتمعات للقيم الاخلاقية وأصبحت جزء مكمل لديمومة المجتمع وهذا الفرق يحسب للأيديولوجية التي تسير المجتمع .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here