عندما ينتقد الحاكم شعبه

بقلم ( كامل سلمان )

جميع الحكام وفي جميع بقاع الارض يمجدون شعوبهم ويثنون على رجالاتهم ونساءهم وبطولاتهم وصولاتهم وإنجازاتهم في كل المجالات و في كل مناسبة ، فقط حكامنا سواء أكانوا أبناء تربتنا او منصبين من الخارج ينتقدون بل ويهينون شعبنا بمناسبة او غير مناسبة ، أبتداءا من الخلفاء الأوائل الى الحجاج بن يوسف الثقفي الى خلفاء بني أمية والعباسية والفارسية الى سلاطين الدولة العثمانية مرورا بحكام الدولة العراقية الحديثة وصولا الى صدام حسين وحتى حكام اليوم ، ينتقدوننا و يهينونا حتى وان كانوا هم حكام فاسدون وفاشلون ، والسبب هو الشعب العراقي ، لو عرف هذا الشعب كيف يقطع لسان الحاكم ما كان للحاكم ينطق سوءا بحقه ، يأتي الحاكم و يزج هذا الشعب بحروب و صراعات ومصائب وويلات ثم يطالبه بالرقص والتهليل للحاكم ثم يسرق أمواله ثم يهينه . ولم أجد في تأريخنا القديم والحديث اي حاكم يحمل نفسه سبب الفشل عند الفشل ويعتذر للشعب ولكن وجدت العكس تماما يحمل الشعب الفشل ويطالب الشعب بالاعتذار ورغم ذلك ينتقد الشعب ثم يلفظ سوءا بحقه .. والعجيب الغريب ان الشعب يعود ليمجد هذا الحاكم بعد زواله ويستذكره بكل خير ويتبرك بوجوده في تأريخ هذه الامة ، والاغرب هناك بعض حكام دول أخرى ينتقدون و يهينون شعبنا بغير حق ويحملوننا المسؤولية عن سوء سلوكيات حكامنا وكأنهم هم الاوصياء على شعبنا .. و هم لا يعرفون ما وراء ذلك لأنه لا يوجد حاكم او خليفة او سلطان في تأريخنا أخترناه وجئنا به لولايتنا. فكلهم جاءوا اما عن طريق دول أجنبية او عن طريق وصاية المحتل او حركات وتنظيمات الخيانة او الانقلابات ولا يوجد حاكم واحد في تأريخنا جاء بمحض إرادتنا و أختيارنا او كان إبنا بارا للشعب ،، كل هذا الكلام قد يكون ضمن حدود الممكن والمعقول ولكن الشيء غير المعقول ان يتحدث بعض أبناء شعبنا وبعض أبناء جلدتنا بأن نقد الحاكم لهم وإهانته لهم إنما هو الصواب ونحن شعب نستحق هذا وأكثر وبعضهم ذهب أبعد من ذلك عندما قال نحن شعب لا يستحي . . قبح الله من اهان شعبنا وذكره بالسوء ، هذا شعبنا في ديار الغربة أثبت رجالاتنا ونساءنا إنهم عرق راقي وإنهم يتفوقون على كثير من بني البشر ، هذا الشعب كان بأمكانه ان يقطع لسان كل من تطاول عليه لولا المجازر الدموية التي يرتكبها الحكام بحقهم بدعم خارجي او ان الحاكم هو من يقطع ألسنة الناس بالقتل البشع يتوارثها الحكام من حاكم لحاكم ، وبعد مئات السنين من المجازر والقتل فهل نتوقع ان يكون الشعب العراقي سالم من عاهات الخوف والرهبة وفاقدا للصواب أحيانا ، لماذا دول الجوار وحكامنا يخشون الديمقراطية في بلدنا لإنهم يعرفون تمام المعرفة إذا أستعاد شعبنا عافيته وعرف قدر نفسه فسوف لن يبقي لهم باقية ، فهذا شعب الخير والابداع وليس شعب لا يستحي ولكن جراحه كبيرة وعميقة فهو يأن من ألم الجراح منذ الاف السنين ومازال هذا حاله . حكامنا هم الذين لا يستحون ، خدمتهم مصائبنا المتوالية وخدمتهم تنوعنا العرقي وأختلافاتنا الدينية والمذهبية وخدمتهم جيوش الجهلاء من بيننا وخدمتهم قوى الشر الأجنبية التي لطالما أستعان بها الحكام ضد شعوبهم ، ولولا كل هذا وذاك لعرف العالم من يكون هذا الشعب ولعرفت دول الجوار حجمها امام العراق … هذا العراق وقف بمعشار طاقته قبل اربعين عاما فجعل الخوف والرهبة بخامس جيوش العالم وهو الجيش الايراني بل وأذله وأذل دول المنطقة وتركيا ولولا تأمرهم عليه وغباء قياداته لأصبح قوة دولية يشار لها بالبنان ، نعم هذا هو العراق الذي يهينه الحكام وينتقص من وجوده … وللأسف العراقي اليوم يشعر بالنقص ويشعر بالضعف في كل شيء امام الجميع والسبب ان المطرقة التي استخدمها حكام الامس يستخدمها حكام اليوم على رؤوس العراقيين ليلا ونهارا ، سرا و جهارا . وهؤلاء الحكام لديهم من المطبلين والمهرجين وبائعي الهوى والشرف اعداد كبيرة لا تسكت على مدار الساعة .
الشيء الذي يجب ان نعترف به ولا نبالغ فيه ، ان في مجتمعنا بعض النماذج الوسخة القذرة التي لا يمكن قياسها بباقي البشر ، هذه النماذج دائما ما تصبح سلوكياتها الشاذة حديث الناس وحديث الشارع فيأتي كاتب وباحث مثل علي الوردي او أخرون بذكرهم وتداول سلوكياتهم كنماذج عراقية طبيعية للمجتمع العراقي متجاهلين النماذج الراقية لكي تطبع في أدمغتنا هذه النماذج السيئة وتكون المثال الذي يمثل الإنسان العراقي ، هذه كارثة وخاصة عندما تجد باحثينا يتفننون بالنقد للشعب العراقي من خلال تلك النماذج السيئة ، وبنفس الوقت يقوم هؤلاء الباحثين والكتاب بتكرار الاقوال السيئة التي قالها الحكام الذين حكموا العراق بحق شعب العراق من باب المفاخرة والتصديق خاصة اذا كان الباحث من فئة وعرق والكلام المنقول يخص طائفة وعرق أخر ، هذه الامور يجب ان نعترف بأنها كانت سببا رئيسيا لتثبيط العزيمة عند الناس و تقبلهم للأشياء السيئة وكأنها عملية غسل دماغ ذاتية استمرت لدهور ضد أنفسنا وهذا ما قام به علي الوردي وغيره ، كتبهم وكتاباتهم كلها تثبيت لرأي الحكام وطعن بالشعب . . نحن العراقيون اليوم وحدنا في الساحة يجب ان تتوحد جهودنا وننبذ كل من كتب واساء التصرف ونطق ضد الإنسان العراقي مهما كان عنوانه تأريخيا وحاضرا وان نثبت هويتنا الوطنية فقد أصبحنا اليوم قاب قوسين او ادنى من الاندثار ، وهذا مالا نسمح به ان ننتهي امام من هم أصغر منا بكثير ، ولا حاكم بعد اليوم يذكرنا بسوء ولا رجل دين ، وعلى جميع المثقفين ان تكون كتاباتهم وطنية خالصة لشعب العراق لا لحكامها ولا لرموزها ولا لعناوينها التاريخية والحاضرة ويبقى شعب العراق بقومياته ودياناته هو السيد شاءوا ام ابوا . من يكون هؤلاء بدو الصحراء ليكونوا سادة علينا ، هل لأنهم عرفوا كيف يذبحون البشر ؟ من يكون هؤلاء الذين جاءوا من الشرق ليعتبروننا جزء تابع لهم ، هل لأنهم عرفوا كيف الخديعة والغدر ؟ لم يأتي شريف نظيف الينا من خارج ارضنا ليحكمنا الا وكان الدم وكانت الشهوة وكان الغدر عنوانه ، وفي البدء يأتينا باكيا متوسلا حتى إذا تمكن منا فعل فعلته النكراء بشعبنا واستباح الارض والعرض فصار هو السيد ونحن العبيد وهذا ما فعله العثمانيون والفرس والاعراب وغيرهم بأبناء العراق تأريخًا وحاضرا .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here