اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة المائدة (ح 61)

الدكتور فاضل حسن شريف

في خطبة الجمعة للشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: ومن الأمور السائرة والمشهورة جدا في الحوزة الشريفة وغيرها نداء المؤمن بضمير الجمع، يقول له: جئتم، وقلتم، وذهبتم، ولايجوز في نظره مخاطبته بضمير المفرد. مع أننا نخاطب الله بضمير المفرد كقوله في بعض الادعية: (اللهم انك قلت في كتابك المنزل). وفي القران الكريم، لعلي لا احفظ الاية: “تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ” (المائدة 116). ونخاطب المعصومين عليهم السلام، بضمير المفرد، كقوله في بعض الزيارات: (اني اشهد انك تسمع سلامي وترد جوابي). فهل كان هؤلاء المؤمنين أعظم شأنا من الله ورسوله؟ الا حسب دعاوى النفس الامارة بالسوء، وطلب الدنيا والشهرة. واصبح هذا راسخا، حتى اصبحت اللغة الفارسية يعيدون فيها ضمير المخاطب وضمير الغائب جمعا، يقول هم قالوا، وهم ذهبوا ونحو ذلك، يقصد الواحد بطبيعة الحال. وهذا ايضا من المؤسف بطبيعة الحال. شأنه في ذلك شأن تقبيل اليد. واما اذا غضب الفرد لعدم تقبيل يده، أو لاجل عدم مخاطبته بالجمع، بل مخاطبته بالضمير المفرد. فاعلم أنه خارج من رحمة الله، وداخل في غضب الله. وقد رووا في ذلك رواية تقول: ان المؤمن بجماعة، فكأنه اذاً يجب إعادة الضمير اليه، ضمير جماعة، او ضمير الجمع، وهذه الرواية لا وجود لها اطلاقا، ولو كانت موجودة فهي مرسلة وضعيفة السند وليست بحجة. ولو تنزلنا وقبلناها أمكن ان نفهم منها معنى اخر غير اعادة ضمير الجمع، ولا ربط لها بذلك اصلا، وهو التركيز على اهمية المؤمن، ومدى ارتفاع شأنه عند الله، ومدى تاثيره في المجتمع، فإن تأثيره كتاثير الجماعة كما يعبرون واحدٌ كألف و كما يعبرون عن واحد انه كفرقة كاملة في الجيش بكامل اسلحتها.

جاء في كتاب الصوم للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في معنى الهلال من الناحية المعنوية: والإستهلال هنا هو المحاولة الجادَّة لرؤية الدرجة الضعيفة من الإيمان في أوَّل وجوده، أو من اليقين في أوَّل حدوثه، توخياً من الفرد للعطاء الجديد من الله سبحانه وتعالى، مهما كان قليلاً، وهذا ما يحسُّ به وجداننا في باطن النفس، وليس برؤية العين الإعتيادية بطبيعة الحال. وكذلك يستمرُّ الفرد المؤمن يراقب نموَّ الهلال، والنور الإيمانيَّ في نفسه، وتحصل له البهجة بذلك. والبدرالإيمانيُّ في داخل النفس، بعد حصوله وتكامله، لا يكون قابلاً للأفول والنقصان، بل هو بدرٌ مستمرٌّ وخالد, وليس كالقمر الإعتياديِّ يعود صغيراً في كلِّ شهر، لأنَّ القمر الإيمانيَّ إنما هو من درجات الجنة، قال الله تعالى: “خَالِدِينَ فِيها اَبَداً” (المائدة 119). إلا أننا مع ذلك لا نعدم الفهم الرمزيَّ للتضاؤل التدريجيِّ إلى حدٍّ يصل إلى المحاق, كالقمر الطبيعيّ. وذلك: أنَّ درجات التكامل الإيمانيِّ لا متناهية, فإذا وصل الفرد إلى حصول البدر في نفسه، استحقَّ لا محالة الخطوة التي بعدها، وهي الإقتباس من الشمس مباشرةً، من المعين الحقيقيِّ للعطاء الإلهيّ. وبمقدار ما تقدم الفرد في هذه السبيل، فإنَّ أهمية البدر السابق في نفسه تتضاءل تدريجاً، ويصبح ملتفتاً بكله إلى نور الشمس، ومعطياً له الأهمية الواقعية القصوى. وبذلك يتضاءل البدر إلى أن يزول، بمعنى زوال أهميته تماماً، بإشراق الشمس في نفس الفرد عوضاً عن البدر. وبذلك يحصل المحاق، لأنَّ الشمس الحقيقية إذا أشرقت على القلب، لا يبقى للأنانية أيُّ وجود، بل تمحى وتمحق لا محالة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here