خلطة السياسة والدين في إنتفاضة تشرين

بقلم د. صبحي بغدادي

ان من خرج في تشرين شباب مفعم

بروح الرفض لمنظومة الفساد لما سببته من خراب اقتصادي خدماتي و

اجتماعي حيث واجه الشباب الثائر

شراسة قمع المليشيات المسلحة بكل

بسالة واقدام .

لم يكن جلهم من التيار المدني المثقف ، فهم كانوا يمثلون الطليعة التي قادت المتظاهرين اما الجمهرة الواسعة منهم متحدر من قواعد الاحزاب الاسلامية

التي انسلخوا منها ولكنهم لم يَنفِضوا عن أنفسهم الفكر الديني او ولاءاتهم

للرموز الدينية ومرجعياتها .

قد لا يجد البعض غضاضة في ذلك ،

واتفق معه فيما اذا كان ذلك الولاء

دينياً عبادياً ، وليس له امتداداته التي تؤثر على السلوك السياسي أو

المتقاطع مع اهداف انتفاضة تشرين.

ان من يخرج للمطالبة بالدولة المدنية

وهو يرفع صور واعلام الرموز الدينية وينتظر ،فتاوى المرجعية في الشأن

السياسي يناقض نفسه ويحكم على جهده النضالي بالمراوحةفي مكانه ،

أو ارتداده واجهاضه ، بدون ان يحقق اي تقدم ملموس لتحقيق اهدافه.

ليس المطلوب هنا التخلي عن الايمان

الديني بما يتضمنه من التزام

بالمرجعية عبادياً ،ولكن ما تطرحه

المرجعية لا يصلح لبناء دوله مدنيه.

فالمرجعية الدينية تتخذ المواقف التي

تخدم المذهب والطائفة في المقام الاول .كما حدث في التعجيل بكتابة

الدستور في ظل الاحتلال الاميركي

وغياب مكون رئيسي ، سعياً

للاستحواذ على الدوله وامتلاك كل مفاتيحها وتقاسمها مع الكرد في الاقليم وتثبيت تجزئة المجتمع العراقي الى

طوائف وقوميات حيث استحوذ

الشيعه والكرد على ما يخدم مصالحهم في بنوده على حساب وحدة الوطن وحقوق مكوناته الاخرى الامر الذي جعل هذا الدستور احد اسباب الصراعات و الاختلاف في تفسيرات بنوده….

نلاحظ من ذلك وما تبع من احداث ان المرجعية الدينية في النجف كانت راعياً و عراباًلنظام أحزاب الاسلام السياسي وحامية له في كل المنعطفات الحرجه .

حدث ذلك ايضاً في اول انتخابات

وتبني قائمة (الشمعه ٥٥٥) وكذلك

تدخلت مرجعية النجف في فتوى

الجهاد (الكفائي) عندما تهددت مراقد

الأئمة وبغداد ، ولم تفتي باي شئ عند سقوط الموصل ، ولم تضع حد لتلك

الفتوى ، الامر الذي استغلته مليشياتالاحزاب للابقاء على سلاحها .

كانت مرجعية النجف تسرب امتعاضها من تلك الاحزاب ومليشياتها المسلحة بدون ايفتوى لنزع سلاحها او حتى

اذابتها في قطعات الجيش العراقي

لتعزيز دور الدولة ومؤسساتها ، في

مواجهة فوضى السلاح المنفلت بغياب سلطة الدولة .

وكلنا نتذكر دورها في ايقاف عملية

صولة الفرسان للحفاض على التوازن داخل(البيت الشيعي)

وأخيراً وليس آخراً تهديد الصدر

للعودة عن تمرده و لانهاء التصادم داخل البيت الشيعي ، رغم ان مقتدى

الصدر كان يدعو لنهج اصلاحي طالما

ادعت المرجعية دعمه في معرض

ادانتها للفساد المستشري . جرى ذلك

بالتناغم مع اعلان الحائري في ايران

عن اعتزاله المرجعيه ووجه مقلديه

لعلي خامنئي ….. ؟؟!!

وبين هذا وذاك تترشح اخبار بين الحين والآخر تبين تدخل محمد رضا

السستاني فيالكثير من القرارات

اهمها اختيار رئيس الوزراء ، كل ذلك

يجري تحت يافطة عدم تدخل المرجعيه في السياسة…. فماذا كان سيحصل لو تدخلت في السياسة أذاً …؟

فهل نحن تحت سلطة الولي الفقيه

الخفية و (المسلفنه) بالديمقراطية

الاميركية .

نستنتج من كل ذلك ان المرجعية حامية لمنظومة الفساد لخوفها من

” فوضى” التغيير بحجة الحفاض

على ” الفاسد خوفاً من الأفسد” في

محاولة لدرء خطرالاحتراب الشيعي

الداخلي والابقاء على سلطة الطائفة والمرجعية بالتالي .

لم تتخذ المرجعية موقفاً حازماً كهذا من مليشيات الاسلام السياسي عندما

قتلت بدم بارد أكثر من ثمانمئة من

متظاهري تشرين وحوالي ٢٥٠٠٠

جريح منهم ، لايقاف نزيف دم الابرياء الذين تظاهروا بسلمية ولم يحملوا

السلاح .

لم نرى يوماً موقفاً من المرجعية يدين

الفاسدين صراحةً ولا من تسبب في

ضياع الموصل وقتل ١٧٠٠ شاب في

سبايكر ، ولكننا هللنا لمقولة “المجرب لا يجرب “العائمه التي لم تلتزم القوى السياسية بها ولا حتى المرجعية

نفسها فلم تكن الا رماداً في عيون .

ليس هناك اي شك في ان ما يهم

المرجعية الشيعية هو سلطة المذهب

وهيمنة الوليالفقيه المتخفية بادعائها عدم التدخل في السياسة .

ان على نشطاء حراكات تشرين ان

يعوا هذه الحقيقة ويعرفوا صياغ

برامجهم وشعاراتهم من اجل دولة

مدنية لا دينيه غير طائفية يحكمها

القانون ترسى فيها اسس العدالة

الاجتماعية وتعزز روح المواطنه

العراقية لا غير ، مبتعدين في ذلك عن

التعويل على مواقف المرجعية الدينية .

ان الضامن الوحيد لاستمرار نهج

تشرين المدني هو اعتماد المد

الجماهيري الذي يقوده تنظيم ثوري

متحالف مع كل الحراكات والاحزاب

المؤمنة بالتغير الشامل بازاحة

منظومة الفساد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here