لماذا تحولنا من (خير امة اخرجت للناس) الى ـ ـ ـ ؟

لماذا تحولنا من (خير امة اخرجت للناس) الى ـ ـ ـ ؟ * د. رضا العطار

صدر عام 2002 تقرير الامم المتحدة عن التنمية الانسانية في العالم العربي من قبل لجان، وهي نخبة منتقاة من احسن علماء وباحثين عرب لا ينتمون لسلطة سياسية، كما لا ينتمون لاي نظام حكم عربي – بان العالم العربي اصبح في ذيل القائمة، اي قاع العالم

– – وهذا وهذا الوصف ليس مجازيا، ولا هو من شاعر ساخط على أمّته، ولا هو من سحر البيان العربي المعتاد، ولكنه وصف حقيقي مدعم بالارقام والحقائق والوثائق، ونتائج البحوث العلمية المضنية.

فكيف هبطنا الى هذا المستوى ولا احد من تحتنا على الاطلاق الا صحراء افريقية الجنوبية – كما قال تقرير الامم المتحدة.

تعدادنا في العالم اليوم 300 مليون نسمة، وهذا العدد يعادل تقريبا عدد سكان الولايات المتحدة الامريكية – – – العالم العربي 22 دولة، دخله السنوي مجتمعة حوالي 530 مليار دولار. وان 70% من هذا الدخل هو من انتاج البترول – وان هولندا، البلد الصغير، بالد الحليب والزبدة يزيد دخلها السنوي عن دخل الدول العربية مجتمعة.

واسبانيا (40 مليون نسمة) تعتبر من فقراء الغرب، تنتج سنويا اكثر ما تنتجه الدول العربية مجتمعة – – – فهل نحن قوم شحم ام قوم ورم ؟ وهل كان الشاعر المتنبي يتنبأ لنا بمثل ه1ا المصير عندما خاطب سيف الدولة الحمداني قبل اكثر من الف عام قائلا :

اعيذها نظرات منك صادقة * وان تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

كذلك يقول لنا هذا التقرير ان تالناتج المحلي الاجمالي الحقيقي للفرد في مجمل البلدان العربية، اقل من متوسط منطقة امريكا اللاتينية – وان معدل نمو الناتج للفرد العربي في الربع الاخير من القرن العشرين كان من اقل المعدلات في العالم !

اني اعتبر ان هذا التقرير اخطر وصف وادق مصدر لحال العرب صدر في تاريخ الامة العربية منذ ظهور الاسلام حتى الان.

فلم يسبق هذا التقرير ان صدر في يوم من الايام بحق الامة العربية يكشف عوراتها ويعريها امام نفسها وامام العالم كما فعل هذا التقرير الذي صدر بعيدا عن سلطة الخلفاء وطغيان السلاطين وتلفيق المستبدين وارقام وزارات الداخلية وبيانات وزارات الاعلام وتصريحات (مصدر مطلع)

لقد اعتدنا منذ قرون طويلة حتى الان ان نقول على لسان شعرائنا، ان لنا صدر العالمين. وننتفخ امام الاخرين كالطواويس البلهاء وكاننا ارباب الارض ولا ارباب غيرنا – ومن يرى الزعماء السياسيين العرب كيف يمشون وكيف يجلسون وكيف يتحدثون بفخر واعتزاز وكبرياء وانفة، يحسب انهم فعلا قد فتحوا السند واخضعوا الهند، وملكوا الارض ومن عليها وما عليها من علم ومعرفة وقوة وسؤدد، رغم ان تقرير التنمية الانسانية يقول لنا ان متوسط مكعدل الانمو في الدخل الحقيقي للفرد في البلدان العربية في الربه الاخير من القرن العشرين كان يقدر بحوالي نصف في المئة في السنة – وهذا يعني ان العالم العربي لو استمر بمسيرته (المباركة) على هذا المعدل، فان على المواطن العربي لن ينتظر اربعين عاما لكي يضاعف دخله. – – – ان هذا التقرير لم يكتب للانظمة العربية، لانها غير معنية بالامر.

المضحك المبكي، ان الذين اعدوا هذا التقدبيرقد قالوا بان هذا التقرير مُلك للشعب العربي عامة، ولكل القوى الحيّة في المجتمعات العربية ونؤسسات القضاء ومؤسسات الرقابة المختلفة وايضا الى مؤسسات المجتمع المدني على تنوع اشكالها، والى القطاع الخاص والى المفكرين المستقلين – – ولكن السؤال هو : اين هى القوى الحية في المجتمع المدني ؟ – – – واين هو المجتمع المدني ومؤسساته ؟

فالحكومات العربية امتعضت واصابها مغص شديد، من هذا التقرير وخشيت من تداعياته في انها هي السبب في سوء وشدة سواد هذا التقرير – ولكنها ارتاحت وانفرجت اساريرها حينما ايقنت ان هذا التقرير في واد وشعوبها في واد آخر وان لا حياة لمن تنادي، وان هذه الشعوب لا تقرأ، وان قرأت، لا تفهم، وان فهمت، لا تتحرك، وان تحركت، لا تفعل ما هو مجد – – – وان مسلسلا تلفزيونيا جنسيا مغريا واحدا، كاف لازالة آثار هذا التقرير الملعون.

والمصيبة الكبرى، ان احدا لم يلتفت اليه وكأن الموضوع لا يعنيه، فنظر اليه باستهزاء وعدم تصديق، واتهم التقرير بانه (دسيسة) من دسائس الاستعمار، يراد به التقليل من اهمية (منجزات الامة المجيدة) وان معدي هذا التقرير هم عملاء الذين يسعون الى تثبيط همم الامة وتعطيل مسيرتها (المباركة)

فلم نسمع ان حاكما عربيا استقال من منصبه احتجاجا على سخام هذا التقرير نتيجة تقصيرها واهمالها وفسادها – كما لم نسمع بمظاهرات نزلت الى الشارع مطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي – ولم تتحرك الحزاب العربية اليمينية اواليسارية (المتحمسة) لكي تضع برنامج للحكومات العربية، تدلها على كيفية تحسين صورة الوضع العربي العام.

* هذا نص ما جاء في زوايا حرجة في السياسة والثقافة لشاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here