اخطاء من الماضي

بقلم ( كامل سلمان )

الشيء الجميل في عقلية الإنسان ، هو عندما يراجع الماضي ( المقصود بالماضي الشخصي ) ويكتشف بعض الاخطاء فإنه وبلا شك سيسعى الى تصحيحها او على الاقل عدم تكرارها ، هذا عندما نتحدث عن الإنسان ذو التركيبة الطبيعية الخال من الانحراف الفكري او الخلل العقلي ، والهدف من عدم تكرار الاخطاء هو المواصلة والتواصل مع حركة الحياة ومع المجتمع واعطاء ديمومة للذات لأجل العيش بشكل سليم وبشكل فعال داخل المجتمع …
الماضي الشخصي لا يختلف كثيرا عن الماضي المجتمعي او ماضي الامة ، ولكن المبادرة لتصحيح ماضي الامة او المجتمع يتطلب مساهمة كبيرة من رواد الفكر والمثقفين والكتاب والسياسين وأصحاب النفوذ وحتى رجال الدين. اما سكوت وتقبل كل هذه العناصر لأخطاء الماضي فهذه كارثة تكفي ان تضعنا في مأزق بين الامم وتدفع بنا الى السقوط امام ابسط الامم التي ليس لها ماضي يذكر ، اما الكارثة الاكبر هو الدفاع عن الماضي بكل مساوئه ومحاولة اعادة صياغته وتطبيقه على الحاضر .
كيفية كشف اخطاء الماضي وتشخيصها كأخطاء تستحق التصحيح وعدم التكرار ، القياس الوحيد لهذه الحالة هو كالزرع فأين الثمر ، كل الثمرات التي حصدناها من ماضينا هي ثمار مرة تركت دماءنا مسفوكة ورمت بنا الى مستنقع الذلة والتخلف ، وهي واضحة كوضوح الشمس فما هو المبرر للتمسك بالماضي والاصرار عليه مع ما يحويه من الالام والفواجع والتراجع ، فإذا كنا نشعر بإننا غير مختلين عقليا واننا نعيش كالبشر ، فالسؤال اين الثمر من ماضي طويل وعريض استمر لمئات السنين ، فأية ثقافة واي علم يتقبل الاستمرار بقبول الماضي وتقديسه مع ما أفرزه هذا الماضي من خزي وذلة حتى اصبحنا اكثر شعوب الارض واكثر الامم استعدادا للعبودية بل واقعا نعيش العبودية بأبشع صورها ، الا يعني هذا بإننا دون الصنف البشري تفكيرا وفهما للتأريخ ولأنفسنا عندما نكابر و نعاند …
ومنهم من يعترض على هذا الكلام ليقول ان ماضينا كان مشرفا ورائعا ويمكن اعادته ، فهل يعقل ان من يكون ماضيه مشرفا والماضي هنا هو الاساس الذي نبني عليه حاضرنا وحاضرنا هو استمرار لماضينا فهل يعقل ان يكون حاضره غير مشرف الى درجة ان يصبح دم الإنسان ارخص من دم البهائم والدواب ؟ ، أيعقل ان يترك شباب هذه الامة ديارهم مجازفين بالموت لأجل الحصول على هجرة وغربة فقط لأجل العيش والكرامة ؟، هل يعقل ان ترتدي نساءنا الحرائر ملابس مستعملة للشعوب الأخرى ؟، لماذا هذا التستر على ماض لم يترك لنا اية كرامة ولا اي وجود بين الامم . وهل قدم ماضينا للبشرية غير الدم والقتل وسبي النساء والاعتداء لعشرات القرون بينما ما نلاحظه عند بقية الشعوب والامم فهو ماض اكثر هزالة من ماضينا ولكن فقط لمدة قرنين من الزمن بعدما قامت هذه الامم بتصحيح ماضيها واعترفت امام التاريخ بالخطأ فقط لمدة قرنين تحولت هذه الامم من كائنات بربرية همجية متقاتلة الى امم راقية بل اصبحوا ملائكة على الارض وكل الرقي والتطور والعلوم خرجت منهم لتفيض الى العالم بسرعة مذهلة ، نعم هكذا كانت اوربا وامريكا دم وقتل وتعدي وفوضى وبربرية ولكنها صارحة نفسها واعترفت بهذا الماضي السيء وطوت صفحة الماضي لتنقلب رأسا على عقب ولتصبح شعلة للإنسانية خلال مدة وجيزة ، ونحن مازلنا لعشرات القرون نقترب اليوم من مرحلة الحياة البربرية التي عاشتها تلك الشعوب التي نعيب تأريخها بدون حياء لإننا الاسوأ ولكن نكابر على انفسنا وعلى الحقيقة ونرفض الاعتراف ونعزز الخطأ بخطا اكبر حين نعيد الماضي بكل مساوئه على انفسنا ، بالله عليكم عناد مع من وعناد لمن ، كالمريض الذي يرفض الدواء ، فهل يفعلها غير المريض الجاهل . نعم نحن جهلاء اهل الارض ونحن من سيدفع الثمن وفعلا دفعنا الثمن وسنزيد في ذلك ، ولكن سيكون اكثرهم ضررا والما هم اجيالنا الذين سيفتحون عيونهم على خراب وتخلف وصراعات دموية وعندها ستنظر اجيالنا الى باقي اجيال الارض بحسرة والم وفارق زمني كبير وانكسار ينتظرون شفقة الاخرين كما نحن الان ننتظر شفقة الاخرين رغم الاموال النفطية الهائلة . سيشاهدون العمران والخدمات والجامعات والمستشفيات والمصانع عند الاخرين وسيشاهدون الخراب والدمار والتعصب القبلي والتعصب الديني والمذهبي ونقص الغذاء والمعرفة عندنا ، فالحاجات التي يقتنيها والادوية والعلوم كلها كتب عليها صنع في الصين صنع في امريكا صنع في فرنسا … الخ ولا يوجد صنع في بلده الا المقابر والتحزب والدجل والكذب ، فهل هذا ما تنتظره منا الاجيال القادمة ، راجعوا انفسكم قبل ان تندموا فقد اصبحت المسافة بيننا وبين الندم قاب قوسين او ادنى .
ان من أسوأ الاشياء التي يفعلها الإنسان هو سعيه لإيجاد تبريرا للفشل ، وخاصة الفشل الذي ينتج عنه ازهاق لارواح بريئة فهذا فعل سيء لا يمكن تبريره ولكن يجب ان يراجع هذا الخطأ ويدرس ويجب ان يحاسب كل من كان وراءه وتستأصل جميع الاسباب القريبة والبعيدة من مسيرة الحياة كي لا يتكرر ذلك الفشل المخزي ولكي يعلم الجميع ان دماء الابرياء وارواحهم لها قدسية لا يمكن التفريط بها وليس لمرتكب الخطأ حسنة ! .
انا لا أدري لماذا ديدن مثقفينا التهجم على المجتمعات الاخرى وخاصة المتطورة تكنلوجيا وإظهار عيوبها وتصويرها أسوأ تصوير ؟ هل يبغون لنا البقاء تحت مظلة التخلف والحفاظ على التخلف خوفا من ان نصبح مثل هؤلاء المتطورين علما وعقلا وانسانية ، معظم كتابنا وأدبائنا ومثقفينا ليس لديهم من كلمات يسطرونها على مدار الساعة سوى التهجم على حضارات وسلوكيات المجتمعات الاخرى وخلق العيوب والايحاء بإننا فوق تلك الامم ، اي ثقافة هذه التي تنكر فيها السمو والمقدرة العلمية لتلك المجتمعات ونحن كل مانملك من علم هو من خلالهم بالرغم من ان العلم الذي عندنا هو محجوز في غرف مظلمة خشية ان يؤثر على عقولنا ! ورغم ذلك ورغم ضعفنا وقلة حيلتنا والفراغ الذي نعيشه فمازالت المجتمعات الاخرى المتطورة تراهن على ابناء مجتمعاتنا بإنهم قادرون على ان يكونوا اضافة كبيرة للتغيير الذي يحصل في عالمنا الكبير ، نعم ابناء جلدتنا رهان ناجح لجميع المجتمعات البشرية والتجربة اثبتت ذلك ولكنهم للأسف لم يكونوا رهانا ناجحا في بلدانهم ومجتمعاتهم والسبب نعود مرة ثانية لنقولها بصوت عال مخلفات الماضي .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here