سبل الدين والاسرة في التربية الاجتماعية ح5 الاخيرة !

سبل الدين والاسرة في التربية الاجتماعية ح5 الاخيرة * ! د. رضا العطار

تماما كما في الدين الاسلامي الذي يركز جل اهتمامه على خيرالأنسان على نحو يثير الدهشة، خذوا مثلا حقل العلاقات الأسرية وكيف انه قد وضع وحدد دور كل من الزوج والزوجة وبقية اعضاء الأسرة. فكبيرهم يعطف على صغيرهم وصغيرهم يحترم كبيرهم، وبهذه الصورة المهذبة اصبح النسيج الأجتماعي صالحا و سليما بينما بقى الدين حاميا، وظيفته ضبط الهيكلية لنظام العائلة.

ان علاقة الوالدين احدهما بالأخر لها اهميتها الكبيرة في نسق القيم الأخلاقية في الاسرة يحقق للأبناء تربية نفسية هادئة خالية من العقد , وبعكس ذالك يقود عدم التوافق بين الزوجين الى حدوث اضطرابات نفسية خطيرة للأبناء يؤثر سلبا على علاقاتهم الشخصية ويعرضهم للشعور بالخوف و الضياع . علما ان تلبية متطلبات الأبناء من قبل ذويهم سيزيد من الشعور في العطف والرعاية كثيرا .

ان الأسرالتي اتبعت في تربيتها لأبنائها انماطا غير مقبولة من التنشئة الأجتماعية

كا لتبعية المطلقة والخضوع الكامل والأمتثال التام فسوف يواجهون صعوبات نفسية عنما يكبرون ويخالطون اقرانهم في المجتمع, وبعكس ذلك، اذا كانت الأساليب الأسرية قائمة على التعامل بروح الثقة والأعتداد بالنفس فأن هذه الأيجابيات سرعان ما تنعكس على سلوكهم تساعدهم على التكييف مع محيطهم الجديد دون عناء.

المعلوم ان الانسان الذي يتأثر بمكنونات اهله وبكل ما يحيط به يؤثر لاحقا في بناء شخصيته واضعا لنفسه الأطر الحياتية التي تنتظره في المستقبل، لذلك يمكن القول ان المرء يعيش حاضره انعكاسا لبعض ماضيه، ثم يأتي دور المجتمع في صقل تلك السلوكيات سلبا او ايجابا. فالابناء الذين يتميزون بالأستقلالية نتيجة التنشئة الأجتماعية الصحيحة , بدأ من تشجيع الأباء لهم على اداء واجباتهم المدرسية الى اشعارهم دوما بدفىء الحنان والمحبة, هؤلاء سوف يواجهون الحياة القادمة بشوق وبهجة وتفائل , بينما الأسر التي تربي اطفالها بأسلوب العنف وغياب العاطفة سوف لا تجني منهم غير اللامبالات وعدم التقيد بالسلوك العام و احترام المواعيد ناهيك عن الواجبات الوظيفية مستقبلا.

ان طموح الأباء المفرط في ابنائهم قد لا يتحقق بسبب قصورهم في القدرات او ضعفهم في الأجتهاد وبذلك قد يصابون بخيبة امل. ففي مثل هذه الحالة يكون من الخطأ التفكير بمعاقبتهم. فالعقاب من جانب الأباء قد يدفع بالابناء بأتجاه المماطلة والكذب وغالبا ما يدفعهم سلوكهم الى التمرد والروح العدوانية، وهذا لا يختلف في حقيقته عن الافراط في التسامح حيث انه يعرض الابناء الشعور بعدم المسؤولية. اما اسلوب النبذ والأهمال والجفاء للأبناء، فأنه يسبب لهم الشعور بالحقد والجنوح لما يزيد لديهم الأضظراب النفسي و قد يلجأوا الى سرقة اشياء ثمينة تعود للوالدين كتعويض عما يفتقدوه من عطف وحنان , كما يخلق عندهم الشعور الخاطئ ويعتقدون ان ارادتهم سلبت منهم , فينشأ عندهم الاحساس بالتحدي مما تحجب عندهم فسحة الوداعة وروح المرح.

وفي هذا المجال نأتي على تقرير الدكتور دوبرا استاذ علم الأجتماع في جامعة جنيف في سويسرا الذي يقارن بين الحياة العائلية الأوربية قديما وحديثا مؤكدا على العوامل النفسية التي تقوم عليها الحياة الأسرية من حدب وجذب وحب وحياء , هذه الصفات الأنسانية الحميدة التي كانت الأسباب الجوهرية لسعادة العائلة الأوربية قديما , فأن غيابها في الوقت الحاضر تسبب في شقاء وتفكك العائلة الحديثة , خاصة بما يتعلق بالجانب الأخلاقي.والتشريعي ويرى الباحث ان العوامل المساعدة في اضمحلال الروابط الأسرية هي الأنانية المفرطة وخوار النفس ونقص العزيمة و ضعف التربية الدينية وسوء التنشئة الأسرية التي استشرت بين العوائل الأروبية في العصر الحديث ,

ومما زاد في تفاقم الحالة هو سلوك بعض الكتاب ذو النزعة التجارية الذين يزينون للشباب سحر الروايات الغرامية والمشاهد الخلاعية والصور الأباحية …ويضيف لقد انحدرت لغة الأدب السامي الرفيع الى ادب الخلاعة والسفالة وبين هذا وذاك اصبح استخفاف الجيل الجديد بحرمة الأمومة والأبوة واضحا وان طرائق الحياة الأجتماعية للشباب تجعلهم يميلون لتلك التي تغذي نزعة الأنانية والمصلحة الذاتية اكثر مما تغذي العرفان بالجميل وتقدير حقوق الأخرين .

ان ما يعلن في ذيول الصحف اليومية من اخبار المراقص والملاهي كفيلة لأفساد الشباب ودفعهم بعيدا عن الخلق القويم الذي يتمثل في صلابة السلوك وشدة المراس , حتى وصلت الأمور الى منحدر الهاوية . ومن المؤسف حقا ان نرى الرجل الذي يريد ان تكون له عائلة صالحة ويعيش عيشة هادئة يتعرض الى سخرية المجتمع اكثر مما يتلقى من احترام .

* مقتبس من كتاب افكار ومواقف للامام عبد الفتاح امام

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here