الخصام والهجر ..حماقة وكبر

ا.د حلمي الفقي

التخاصم والتدابر تقطيع لأوصال الفرد ، وتمزيق لنسيج الأسرة ، وزرع للشحناء والبغضاء في كيان المجتمع ، ولا يتخذه عادة وسلوكا إلا فرد أحمق أو متكبر ، فالإنسان الذي تعود الخصام والهجر ، إنسان عاجز عن تقويم سلوكه ، فاشل في فن التواصل مع الآخر ، وهو في الغالب الأعم فاقد للسيطرة علي نفسه ويلصق فشله بالآخرين ، لكن ما الرسالة التى تصل الى المهجور من الهاجر ؟
الرسالة التي تصل اليه وببساطة هي : أنا أكرهك ، أنا لا أحب التعامل معك ، أنت إنسان سيء الخلق ،وأشياء سلبية كثيرة في هذا المعني ، فهل يظن هذا المسكين الذي هجر أخاه ، وخالف شرع مولاه ، أن الطرف الآخر سيسارع إلي مرضاته ، وتقبيل الأرض تحت أقدامه ، لا ، لن يكون هذا ، ولكنه سيفعل كما فعل المهاجر ، والمخاصم ، وستكون المعاملة بالمثل ، خصام يقابله هجر ، وهجر يقابل تدابر ، وتكثر الشحناء والبغضاء في أركان النفس أولا ، والمجتمع ثانيا ، وتكون بيئة خصبة للغيبة والنميمة ، والشحناء والبغضاء ، والتقاطع والتدابر ، ويختفي الأمن والوئام ، والسلم والسلام من حنايا المجتمع ومن خلايا الضمير ، ويحل محلهما تقطيع أوصال الأسرة والمجتمع ، بمهاترات كلامية ، قد تؤدي إلي سباب وشتائم ، وهنا يدخل الدور السلبي لوسائل التواصل فى تأجيج نار الخلاف والشقاق، وربما وصلت الأمور إلى اشتباكات بالأيدي ، الله وحده يعلم سقف نهايتها ،
لكن ربنا سبحانه وتعالى يريد للقلب المسلم أن يكون سليما لا يعرف إلا الحب ، والعفو ، والصفح ، والخلو من كل شحناء وبغضاء ، ولهذا حرم ربنا تبارك وتعالى الخصام والهجر تحريما قاطعا ، قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10] . والإخوة أخوة الدين ، وتشمل إخوة النسب ، وتتجاوزها إلى رابطة العقيدة فلا يجوز أن يقع بين الإخوة إلا الحب والتعاون ،ولذا قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2] .
وجاءت السنة الشريفة ، بأحاديث صحيحة كثيرة ، تحث على الحب والتعاون ، وتحرم التخاصم والتدابر .
فعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث” متفق عليه.
وعن أبي أيوب – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” متفق عليه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا” .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم” .
و”التحريش” : الإفساد ، وتغيير قلوبهم وتقاطعها.
وانظر إلي هذا الوعيد الشديد فى تحريم الخصام والهجر .
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فليلقه، وليسلم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه، فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة”.
إذا كانت الهجرة لله تعالى فليس من هذا في شيء.
وهنا قد يسول الشيطان للإنسان أن الخصام هو الوسيلة للعز والرفعة ، وأن العفو سيكون سببا للذل لكن رسولنا الكريم يخبرنا بعكس ذلك تماما ،فإذا توهم البشر ان العفو سيجعل صاحبه (ملطشه) كما يقولون وان الكبير والصغير سينال من هذا الذى عفا عمن ظلمه ، فإن رسولنا يقسم علن أن العفو سبيل العز لا سبيل للذل كما يتوهم كثير من الناس .
فعن أبي كبشة الأنماري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه» قال: «ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر } .
ولكن اذا كان التواصل مع الشخص يؤذيك ، وكان ذلك الايذاء حقيقة ، وليس ظنا فيجوز تجنبه اتقاء شره ، ولكن يجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود ولا يجوز التوسع فيه .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here