دولة سومر، اقدم حضارة على وجه الارض

دولة سومر، اقدم حضارة على وجه الارض (*) د. رضا العطار

تأثير الموجودات !

كان الكون لدى البابليين يضم كل ما في الوجود، بل كل ما يمكن ان يعد شيئا ذو كيان : كالبشر والحيوانات والجماد والظواهر الطبيعية، وكذلك الفِكَر المجرد: كالعدالة والحق والاستقامة … الخ. وقد اظهرنا كيف ان هذه الكيانات تعتبر كلها اعضاء في دولة ما، لها ارادتها وخواصها وقوتها. ولكن هذه الاشياء وان تكن لها اعضاء في الدولة الكونية، إلاّ انها لم تكن جميعها على مستوى سياسي واحد. وان مقياس التميز بينها كان هو القوة.

كانت في الدولة الارضية فئات كبيرة من الناس لا تساهم في الحكم. فلم يكن للعبيد والاطفال وربما النساء اي صوت في مجلس الشعب, حيث لا يجتمع فيه إلاّ الاحرار البالغون للنظر في شؤون الأمة، وهؤلاء هم المواطنون بالمعنى الحقيقي. ومثل ذلك دولة الكون.

فكان الناس يدعون المواطنين، ذوي القوى الخارقة الذين يثيرون فيهم الرهبة والمهابة بالآلهة، ولهم وحدهم الحقوق السياسية والقدرة على النفوذ السياسي. ولذا كان المجلس العام في الدولة الكونية مجمع للآلهة. ومجمع الألهة هذا نقرأ عنه الكثير في ادب ما بين النهرين، ونعرف بالأجمال كيف كانت تصرف فيه الامور. انه السلطة العليا في الكون، فيه تتخذ القرارات الخطيرة بشأن مصائر البشر وكل ما في الحياة.

لكن قبل اتخاذ القرار كانت المقترحات تبحث وتناقش ولعلها تناقش احيانا بعنف بين المؤيدين والمعارضين من الآلهة. وكان رئيس المجلس اله السماء ( آنو ) يقف الى جانب ابنه ( انليل ) اله الزوابع. فيطرح احدهما الموضوع على بساط البحث ثم يشترك فيه الآلهة جميعهم. و هذا النقاش كانوا يسونه التسائل، يتوضح فيه كل التفاصيل ويتبين اتحاد الرأي.

وكانت لأصوات جماعة من الآلهة البارزين وزن خاص في هذا التسائل، وهم ( الآلهة السبعة الذين يقررون المصائر ) وعلى هذا النحو يتوصل المجلس الى الاتفاق الجماعي، فيقول كبير الآلهة في النهاية عبارة: ( فليكن )

ثم يعلن القرار كل من آنو وانليل. انه قرار حكم، كلمة مجمع الآلهة.

من هنا نعلم انه كيف ان الآلهة، التي يتألف منها المجلس لسكان ارض الرافدين، كانوا عبارة عن قوى تتحسس بوجود ظواهر الطبيعة العديدة وما ورائها. اذن أيّ من هذه القوى كان له ابرز الادوار في مجلس الشعب واشد النفوذ في تصريف امور الكون ؟

لنا ان نجيب على ذلك بقولنا ( قوى تلك العناصر من الكون التي ينظر اليها على انها اعظمها اهمية وابرزها شأنا )

كان – آنو – اله السماء، اسمى الآلهة، وكان اسمه الكلمة الشائعة. ولعل الدور الشامل الذي تلعبه السماء – و كان ذلك بمعنى المكان والفضاء ايضا – في تركيب الكون المرئي والمحل العالي الذي تحتله، كونها فوق كل شئ.

وكان انليل الثاني بين الالهة، اله العواصف. ومعنى اسمه ( السيد العاصفة ) ويمثل جوهر العاصفة. وكل من اختبر زوبعة في بطاح العراق الفسيحة يدرك رهبة هذه القوة الكونية. فالعاصفة سيدة كل ماتحت السماء من فضاء لا بد ان تعتبر العنصر الثاني من عناصر الكون.

اما عنصر الكون المرئي الثالث فهو الارض. والارض لقربها من الانسان ولأهميتها في حياته من شتى النواحي، لم يكن من السهل ادراكها وحصرها ضمن نطاق فكرة واحدة. ولذا نراها في الشكل ( الأرض الأم ) المعطاة التي تغدق النعم على الانسان. ونراها في شكل ( ملكة الالهة ) و ( سيدة الجبال ) غير ان الارض ايضا مصدر المياه واهبة الحياة في الانهر والقنوات والآبار، وهي المياه التي تنبثق عن بحر جوفي عظيم. وكون صفتها كمنبع لهذه المياه، لذا كانت الأرض ترى في شكل مذكّر(ان- كي) اي

( السيد الأرض ). وجاء الثالث والرابع في تسلسل الالهة بعد الأرض وهما :

ننهور ساغاونكي . وهذه هي اخطر العناصر الكونية درجة ولها من النفوذ الاكبر في كل ما في الوجود.

الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب الواح طينية، السومريون لصموئيل كريمر جامعة شيكاغو 1963

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here