الطاقة والأسمدة مقابل الغذاء.. صفقة الهند الجديدة بالشرق الأوسط

الطاقة والأسمدة مقابل الغذاء.. صفقة الهند الجديدة بالشرق الأوسط

الاثنين 19 سبتمبر 2022

“الطموحات الهندية الحديثة تعالج فكرة كيفية التقارب مع المنطقة. وأصبح من الصعب على الهند تصوير نفسها كقوة محايدة في المنطقة عبر التحرك الحذر في الشرق الأوسط، لا سيما مع حرصها على المطالبة بنفوذ أكبر في العالم”.. ما سبق كان خلاصة بحث كتبه “كبير تانيجا” عام 2017 لصالح مؤسسة “أوبزيرفر ريسيرتش فاونديشن” في نيودلهي، محاولا كشف أسس التموضع الهندي بالمنطقة.

وإذا كانت تلك الرغبة الهندية في التخلي عن الحذر خلال التحرك بمنطقة هي الأشد اضطرابا في العالم بدأت منذ عدة سنوات، فإنها الآن في طريقها لتكون استراتيجية ثابتة، وقد أعطتها الحرب المتفجرة بين روسيا وأوكرانيا وقودا للاندفاع أكثر نحو تطويرها، مستعينة بالتداعيات التي شكلتها تلك الحرب، والتي يبدو أنها ستخدم كثيرا الدولة الآسيوية الضخمة خلال الفترة المقبلة.

ومن المعروف أن أضخم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تتعلق بالطاقة والغذاء؛ كون روسيا تمثل أحد أكبر مصادر الطاقة في العالم، وهي مع أوكرانيا مسؤولة عن إمداد العالم بجزء كبير من احتياجاته الغذائية الأساسية، لا سيما القمح، والذي تعد الهند أيضا منتجا ضخما له.

هنا ظهرت أمام  الهند مقاربة جديدة للتموضع بالشرق الأوسط. ولا تقف هذه المرة عند الطموحات الاستراتيجية بعيدة المدى؛ إذ باتت لها أسباب ضرورية تفرض البحث الآن عن صفقات للمنافع المتبادلة التي تدور حول فلك الطاقة والغذاء.

وبنظرة سريعة على التحركات الهندية في المنطقة خلال الأشهر الماضية، يتبين لنا أن هذه الاستراتيجية باتت أوضح، ويمكن أن نرصد لها عدة شواهد:

أولا: الزيارة الحالية التي يجريها وزير التجارة والصناعة الهندي “بيوش جويال” إلى السعودية.

فقد شهدت هذه الزيارة مباحثات معمقة مع المسؤولين السعوديين حول تطوير الاستثمارات المتبادلة، لكن الحديث كان يتعلق بالأساس عن الاستثمارات السعودية في الهند، والتي تعهد بها ول العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” خلال زيارته إلى نيودلهي عام 2019، والتي تبلغ 100 مليار دولار.

الوزير الهندي، ووفقا للتقارير الواردة من الرياض خلال الساعات القليلة الماضية، جاء محملا بصفقة عرضها على السعوديين، وهي الطاقة مقابل الغذاء؛ حيث قال الوزير نصا: “نتطلع إلى إنشاء جسر بين الهند والسعودية؛ بحيث يصبح الأمن الغذائي للمملكة مسؤولية تتحملها الهند، كما نعتقد أن أمن الطاقة في الهند هو المسؤولية التي يمكن لأصدقائنا السعوديين تحملها”.

باختصار، تطرح الهند طريقا قائما على المصالح المتبادلة، وسبيلا لتهدئة المخاوف في كلا البلدين؛ حيث باتت السعودية تشعر بالقلق، شأنها شأن معظم دول الشرق الأوسط، بسبب تأثر الإمدادات الغذائية، لا سيما القمح جراء الحرب الروسية الأوكرانية، بينما تأثرت الهند بهزة الطاقة العنيفة التي سببتها تلك الحرب، وهي البلد الذي يشهد أحد أكبر استهلاكات الطاقة في آسيا والعالم.

هنا، تريد الهند الاستفادة من وفرة الطاقة في منطقة الخليج، والسعودية على وجه الخصوص، وهي الوفرة التي جعلت تلك المنطقة مقصدا للقوى الدولية الآن التي تعاني من أزمة الطاقة، مقابل عرض تراه سخيا، وهو تأمين الغذاء للمملكة التي تعد أرضا صحراوية لديها باستمرار تحد في هذا الملف، رغم الإنجازات السعودية فيه، لا سيما على مستوى زراعة القمح.

ولكي تأخذ هذه الصفقة الضرورية للجانبين، زخما أكبر، تدرس الهند والسعودية تأسيس تبادل تجاري بينهما بالعملات المحلية (الروبية والريال)، وهي خطوة يُنظر لها على أنها محاولة لمواجهة هيمنة الدولار، والتي أدت لأزمات عالمية متلاحقة طالت أسعار النفط والذهب، بعد تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا.

لكن، واقعيا، لا يتوقع ترجمة هذا التوجه إلى تحركات عملية، في المستقبل القريب على الأقل، في ضوء استمرار الاستقطاب العالمي بين كل من الصين وروسيا من ناحية، والولايات المتحدة والمعسكر الغربي من ناحية أخرى.

ثانيا: توقيع اتفاقيات هندية سعودية لاستيراد الفوسفات والأمونيا من المملكة، والتي تستخدم في صناعة الأسمدة.

ويبدو هنا أن السعودية لن تمد الهند فقط بالطاقة مقابل الغذاء، بل إنها قد تساعد أيضا في إنتاج الغذاء عبر مخزوناتها الضخمة من الفوسفات والأمونيا التي تستخدم في صناعة الأسمدة؛ حيث وقعت الهند 4 اتفاقيات جديدة لاستيراد الفوسفات والأمونيا من المملكة في 26 أغسطس/آب الماضي.

وشملت المذكرات اتفاقية مع شركة “البوتاس الهندية المحدودة” لتوريد منتجات الفوسفات، واتفاقية مع شركة “ولاية جوجارات للأسمدة والكيماويات المحدودة” لتوريد الأمونيا.

فيما شهدت الاتفاقيتان الثالثة والرابعة التوقيع مع كل من شركة “كريشاك بهاراتي التعاونية المحدودة” وشركة “كورومانديل الدولية المحدودة” لتوريد منتجات الفوسفات والأمونيا.

يذكر أن شركة التعدين السعودية تصدر سنويا نحو 1.7 مليون طن من منتجات الفوسفات والأمونيا للسوق الهندية، لكن يبدو أن هذه الكمية ستتضاعف بإرادة من الجانبين؛ لتعزيز الزراعة في الهند ومن ثم القدرة على إمداد المملكة بما تحتاجه في أمنها الغذائي.

ثالثا: محادثات متطورة بين الهند ومصر لتصدير أسمدة مصرية مقابل القمح الهندي، أعلن عنها في يونيو/حزيران الماضي، بواسطة وزير التموين المصري “علي المصيلحي”.

ويعد هذا تطورا مهما أيضا في سعي الهند لتطوير قدراتها الزراعية، اعتمادا على الأسمدة التي تنتجها مصر بوفرة؛ بفضل مصانعها المتعددة، والتي يغطي إنتاجها السوق المحلي ويكفي للتصدير.

ويعد التسميد أمرا شديد الأهمية في الزراعة الحديثة، لا سيما عندما يتعلق الأمر باستراتيجية للأمن الغذائي تريد الهند أن تكون مدخلها الذهبي إلى الشرق الأوسط الآن.

ومنذ تضرر إمدادات القمح من روسيا وأوكرانيا جراء الحرب، لجأت مصر فورا إلى الهند، والتي كانت قد أعلنت حظرا على تصدير قمحها بسبب تلك الأزمة، إضافة لأسباب مناخية، لكن القاهرة اعتبرت أن نيودلهي لا يمكن أن تتخلى عنها بهذه السهولة في ملف الأمن الغذائي، قياسا إلى أنها أكبر بلد عربي تستورد القمح وتستهلكه.

وبشكل عام، تعد السعودية ومصر قادرتان على إحداث طفرة في تصدير الأسمدة ومستلزماتها إلى الهند، مقابل الغذاء، بالإضافة بالطبع إلى الطاقة السعودية، ولا يحب أن ننسى أن المملكة استحوذت، عبر صندوقها السيادي على حصص بشركات الأسمدة المصرية الرائدة، خلال الأسابيع الأخيرة.

ويمكن هنا قراءة هذا المشهد على أنه تحرك سعودي مصري لإمداد الهند بالأسمدة ومستلزماتها، مقابل إقناع الأخيرة باستثناء البلدين من قرارها بحظر تصدير القمح.

وتأتي السعودية في المركز الـ18 كأكبر مستوردي القمح عالميا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here