البرامج الحوارية وإنطباعية الرتابة والتسطيح

حسن كاظم الفتال

في هذا الظرف الإستثنائي الذي نعيشه نجد أن المشهد الإعلامي يشوبه أحيانا إضطراب أوتشويه أو تشويش بسبب ازدياد أعداد الساعين إلى التوغل في الوسط الإعلامي .

ومن الملفت للنظر أن معظم الدورات البرامجية للإذاعات أو القنوات الفضائية أمست محشوة بالبرامج الحوارية ويكاد بعضها يفوق النسب التصاعدية على مجمل البرامج وقد هيمنت على المنهج العام وكأنها أصبحت قاسما مشتركا بين هذه الإذاعات والفضائيات والمحلية منها بالخصوص وهي تجري مجرى التشابه بالمحتويات والصيغ والطروحات . وربما حتى بتشابه العبارات في المحاور.

ما جعلني ألتفت إلى هذه الظاهرة استماعي لأحد البرامج فقد استمعت من إحدى الإذاعات إلى برنامج حواري.

المقدم يحاور شاعرا ورادودا وكما هي العادة التي طغت على طبيعة البرامج الحوارية في جاهزية الإعداد المسبق المتبع في هذه المرحلة الذي يصطبغ بصبغة السطحية والتقليدية والرتابة المعهودة . يظهر المقدم وكأنه يريد نشر إعلان لصديقه الذي يثني عليه بعبارات أخوية ومفردات بعيدة عن الصيغ والسياقات الإعلامية.

تتمحور الأسئلة بالعبارات المتكررة المتشابهة .كم قصيدة كتبت؟ وكم قرأت؟ وما الفرق بين القصيدة المنبرية وقصيدة المنصة؟ وهذان مصطلحان استحدثا في الوقت الحاضر.

والضيف هو الآخر بين إجابة وأخرى يتلو ما يحلو له أو يترك المجال للرادود ليشنف الأسماع بإنشاده .

مما يسبب للمتلقي الإمتعاض أحيانا من هذا التكرار الممل الذي لا يسمن الفكر ولا يغني العقل من جوع .

ولعله يحق لنا أن نتساءل : ما الهدف أو الغاية من الإصرار على مثل هذه البرامج ؟ وقد ازدحمت بها دورات ومناهج الفضائيات والإذاعات والمحلية منها خاصة؟

ثم أين موقع القضية الحسينية العظيمة بضخامة معطياتها وإفرازاتها وآثارها في هذا الزخم الإعلامي ؟

أين نحن من فك رموز أعظم موسم إيماني عقائدي عالمي ؟ وهو موسم أربعينية الإمام الحسين صلوات الله عليه .

لِم عجز الكثير منا من رسم صورة حية واقعية جميلة واضحة المعالم تجعل الرائي لها يتسمر أمامها ويطيل التأمل ولعله يكتسب منها شيئا ؟

لماذا يصور لنا هؤلاء الإخوة بأن القضية الحسينية كأنها وجدت من أجل أن يكتب هذا الشاعر قصيدته ويجرب فيها قدراته ويستعرضها ولكي ينشدها الرادود وثم يحاوره هذا المقدم ويتبادلون الإطراء والثناء والمديح فيما بينهم ؟ .

ألم يدرك هؤلاء بأن التأريخ بكل مجده ومكنوناته ومقوماته إنحنى لعظمة مجريات القضية للحسينية العظيمة وما أنتجت ودَوَّن مناقبها بما لا يدون واقعة سواها ؟

لقد برزت في هذا الموسم العظيم قصيدة حملت أعظم وأشرف وأصدق وأفقه عنوان وهو ( سفرة إلى الله ) وبينت أسرار السفرة ومعانيها وقد اصبحت العلامة الفارقة لموسم زيارة أربعينية الإمام الحسين صلوات الله عليه .

هذه القصيدة عرضت صورا حية للزيارة لتجتذبها العقول السليمة الواعية وتختزن ملامحها الاذهان ثم تجعل لها تفسيرا مناسبا ينسجم مع صدق العقيدة وصدق الموالاة الحقيقية .

وبرهنت لنا بأنها عصارة فكر عقائدي ثقافي واعٍ تسلل إلى الأعماق .

أين هؤلاء الإخوة الأعزاء شعراء ومنشدون ومقدمو برامج من هذه القصيدة التي فكت الكثير من الرموز المباركة لزيارة الأربعين ؟

ألا ينبغي أن نتوقف عندها أو عند مثيلاتها قليلا وننمي النضوج في قرائحنا الشعرية فنستمد منها وحيا مماثلا لنصوغ قصائد ربما تآخيها في الشكل والمضمون والبواطن ؟

متى يكتفي بعض الإخوة مقدمي البرامج الحوارية بالتسطيح من استخدام سبل ووسائل دغدغة المشاعر من خلال عبارات تقرأ بنبرات خاصة تستفز مشاعر الناس البسطاء ؟

ألا ينبغي أن نسعى للنضوج الفكري والعقلي ونتعاطى مع الأمور بحكمية ؟

أو أننا ننشغل بأمر آخر قادرين على ممارسته ونمنح الفرصة لمختصين ليتصرفوا بحكمة ومعرفة بصيغ عقلانية واعية ليعرفوا من خلالها الناس على جواهر غوامض القضية الحسينية . والإنقضاض على هيكلية الجهالة والسعي إلى صناعة مشهد إعلامي حسيني حقيقي ليتفرع منه أدب حسيني ناضج جاد يليق بعظمة وهيبة وبهاء القضية .

ولندرك أن استمرار هذا النهج التسطيحي الهامشي التقليدي لعله يسبب تقويضا لظاهرة الإعلام الحسيني التي يمكن أن ندرجها في سجل الشعائر الحسينية .

حسن كاظم الفتال

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here