النموذج الامثل لمكافحة الفساد

دراسة مكافحة الفساد بالشكل الامثل يتمثل من خلال الولوج بكل دقة بمفاصل الفساد وأسبابه ، الفساد هذه الآفة التي تفتك بالعديد من المجتمعات والدول والتي تتطلب جهودا كبيرة ومتابعة ومثابرة من قبل هيئات حكومية ذات تاثير فعال ونزاهة عالية في سبيل نجاح سبل مكافحتها ومنعها .

يتم مكافحة الفساد عن طريقين أساسيين هما

• منع وقوع الفساد
• مكافحة الفساد المتفشي بكل أنواعه وأساليبه

يتم مكافحة الفساد ومنعه من خلال تشكيل مؤسسات مؤهلة علميا ومدعومة مالية أما أن تكون حكومية أوغير حكومية وأحيانا مدعومة من قبل منظمات المجتمع المدني وترتبط بها فرق عمل متخصصة مثل رجال الشرطة ،قيادات في الجيش ، الإعلام ، الهيئات القانونية ، مختصون في المحاسبة والرقابة المالية ويعمل ضمن وكالتها متخصصون بمختلف الاختصاصات الحساسة مثل صنع الاسلحة والمخدرات والمواد الكيمياوية والجرثومية ، تعمل جميع هذه المؤسسات الرصينة المختصة بشكل علمي وتخصصي متطور وتدريب مهني وعلمي عالي المستوى .

توجد اكثر من 100 وكالة او منظمة او مكتب لمكافحة الفساد منتشرة في مختلف بلدان العالم ، تشكلت هذه المنظمات والوكالات والمكاتب المتخصصة بعد صدور المعاهدات والاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد ومنع وقوعه. من الاتفاقيات الدولية المهمة المهتمة بقضايا منع الفساد ومكافحته هي الإتفاقية التي اعتمدتها الهيئة العامة للامم المتحدة في 31 تشرين الأول / اكتوبر 2003.

المعاييـر التـي حددتهـا الإتفاقيـات الدوليـة ، خاصـة إتفاقيـة الأمـم المتحـدة لمكافحـة الفسـاد المـادة 6 ، واتفاقيـة مجلـس أوروبـا للقانـون الجنائـي بشـأن الفسـاد المـادة 20 ، لـوكالات مكافحـة الفسـاد هـي:
1. الاستقلالية
وتمثل القـدرة علـى اتخـاذ القـرار والتصـرف بنزاهـة ودون تأثيـر خارجـي، علـى وجـه الخصـوص عندمـا يتعلـق الأمـر بأنشـطة التحقيـق.
ويمكن تقسيمها الى أربعة انواع تبعا لنوع الفساد المراد مكافحته:

• إستقلالية تامة
• إستقلالية قوية
• إستقلالية معتدلة
• استقلالية ضعيفة أو معدومة

تعتمد معايير الإستقلالية وقوتها على أهمية مطلقة هي أن تتوفر الإرادة السياسية والحمايـة لفريق عمل مكافحة الفساد مـن التدخـل السياسـي من قبل السلطة الحاكمة او من المسؤولين السياسيين الذين ليس لهم اي مسوّغ قانوني في التدخل في شؤون منع أو مكافحة الفساد في سبيل رقي الدولة ورفاهية المجتمع . وبالتالـي نستطيع القول والاستنتاج بأنه لا يمكـن أن تتحقـق الإستقلالية كقيمـة فاعلة وفعالة إن كانـت الإرادة السياسـية لمكافحـة الفسـاد ضعيفـة أو غيـر موجـودة.

2. التخصص
والمقصود به هو العمل الاساسي والرئيسي المناط بالوكالات او المؤسسات او المكاتب التي يتخصص العاملون بها في سبيل منع وقوع الفساد من خلال هذه المؤسسات المختصة بالفساد وهذا يتم من خلال برامج تخصصية تعتمد على نشر الوعي من مخاطر تفشي الفساد وآثاره على تدمير المجتمع . وكذلك التخصص العلمي الدقيق والتدريب المستمر للهيئات المتنوعة على اساليب منع الفساد ومكافحته من خلال الخطط والبرامج المدروسة وتجارب الشعوب في مكافحته.

3. الخبرة
توفر الخبرة والخبراء المختصين من العوامل المهمة في نجاح مؤسسات منع ومكافحة الفساد ، تناط مهمة مكافحة الفساد وملاحقته بالشرطة المختصة والمدربة بشكل كفوء ويجب ان يكون لديها ضباط قديرون وذوي خبرة في متابعة وملاحقة الفاسدين والتحقيق معهم وبإسناد كامل من قبل هيئات قانونية عليا نافذة ومتخصصة وكذلك الاستعانة بخبراء المال والرقابة المالية من المدققين والمحاسبين المختصين ،وهناك حاجة ملحة الى هيئات قضائية مدربة وذات كفاءة عالية في القانون الجنائي المتعلق بالفساد وتعمل جنبا الى جنب مع هيئات النيابة العامة والشرطة المختصة على أعلى المستويات ، كما إن مجلس الفساد الأعلى بحاجة الى الإستعانة بخبراء في التكنولوجيا والمعلوماتية وادارة الفساد وعلم النفس والإعلام الرصين الهادف لمتابعة الفساد من جميع أركانه ودراسة العوامل التي تساعد على إنتشاره داخل المجتمع .

4. الموارد الكافية
في سبيل نجاح اي مؤسسة حكومية او غير حكومية يجب ان تتوفر لها شروط نجاحها وديمومتها ، من هذه الوسائل هي الموارد المالية ومصادر التمويل الثابثة والصرف على ادوات عملها ، وكذلك الموارد البشرية من موظفين وهيئات قانونية واقتصادية ومالية وعناصر من الخبراء في مجالات متخصصة تستطيع ملاحقة رموز الفساد وادواتهم وهيئاتهم التي تكون احيانا ذات نفوذ وسطوة عالية . الهيئات العاملة في منع ومكافحة الفساد تحتاج الى دعم من الجهات المتنفذة النزيهة في الحكومة ومن شرائح المجتمع بأكمله .

5. الموظفون المناسبون
واضح جدا ان الشخص المناسب في المكان المناسب هو الحل الأمثل ، والموظف الجيد المتدرب والمختص والنزيه يكون حتما أفضل من غيره عديم المؤهلات ، إن إختيار الموظفين ضمن معايير عالية ومواصفات دقيقة بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية وتكليفهم بمهام حساسة وتدريبهم على مقاومة الإغراءات وحمايتهم القانونية وعدم خوفهم من التهديدات من قبل السياسيين ثم صمودهم بوجه مافيات الفساد سوف يشكل الدعامة الأساسية في تحقيق جهاز قوي ومستديم لمحاربة الفساد ومنعه من الانتشار والتغلغل في نسيج المجتمع .

د. ضياء السورملي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here