رواية أهلة وأكـف للروائي حميد غانم الجمالي

الاديب حميد الحريزي

الإنسان العراقي بين مطرقة الفقر وسندان السلطات الظالمة

((يبدو أن زهرة الحرية حتى تتفتح بحاجة الى مزيد من الدماء)) رص18

رواية (اكف وأهلة ) للروائي حميد غانم الجمالي الصادرة عن دار احمد المالكي للطباعة والنشر في طبعتها الاولى 2022 وهي روايته الثانية  بعد روايته الأولى (لقطات حرب ).

لم أجد خلال المتن الروائي ما يدل على العنوان * إلا الأكف الحنونة التي تبنت رعاية الطفل يتيم الأبوين ((هجران) أبن ((طيبة))  الإنسانة الطيبة التي ماتت بمرض السرطان حال ولادته، ووالده محمود الذي قتله الحرس القومي الفاشي بعد انقلاب 8 شباط 1963من دون ذنب، ولم يكن منتمياً للحزب الشيوعي العراقي المطلوب رأسه من قبل الانقلابيين، وانما كل ذنبه أنَّه كان صديق أحد الشيوعيين من أبناء النجف..

أما الأهلة فقد تكون إشارة الى توالي الزمن التعيس على العراقيين عموما وعلى عائلة محمود وولده هجران، سنوات من الفقر والتشرد والخوف والقتل، اذا أستثنينا منها 4 سنوات حكم عبد الكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958 وتقديم بعض المكتسبات لعموم الكادحين من العمال والفلاحين وعموم أبناء العراق، ولكن قوى الاستعمار والأستغلال العالمي وأنصارها من القوى الظلامية في الداخل من الاقطاعيين والقومانيين والإسلامويين تمكنوا من وأد الثورة ومصادرة مكتسباتها  بالترافق مع مصادرة حياة الآلاف من أعمار العراقيات والعراقيين الأحرار من الشيوعيين وأصدقائهم  ومؤيديهم..

فالرواية تدور احداثها في مدينة النجف وفي محلة العمارة على وجه التحديد، هذه المحلة التي كانت موضع الاتهام في مختلف عهود الحكم في العراق سواء العثماني أو الإنكليزي أو البعثي  لكونها تضم بين درابينها ومنحنايتها وسراديبها العديد من قوى مناهضة للأنظمة الاستعمارية والاستبدادية فمن لا يخبر درابينها ربما يدخل ولا يستطيع الخروج الا بعد عناء كبير، حتى أن صدام حسين قام بتجريف أغلب أزقتها الضيقة وبيوتها المتلاحمة خلال حكمه العراق، وبسبب تمترس الحركة الإسلامية في ازقتها  كبيت محمد باقر صدر وغيره من رموز المقاومة الدينية والوطنية واليسارية العراقية، لتكون مفتوحة أمام جواسيسه ورفاقه لمراقبة السكان ورصد تحركاتهم.

محمود كان شاباً نزقاً منغمساً في الشراب والعبث ومرافقته للعديد من مثقفي المدينة وعلى وجه الخصوص من اليساريين النجفيين، يعاني من فقر الحال وسعة الخيال، بالضد من شقيقه الذي كان  أحد الأسطوات الماهرين في البناء  في المدينة، تزوج محمود من شقيقة زوجة أخيه بنت عمه الثري (ابو عطية) بعد ممانعة أولية من والدها من الزواج بابن اخيه الفقير وغير المستقيم سلوكياً، ولكنه رضخ أخيراً لكون محمود ابن أخيه والبنت أبن عمها أحق بها من غيره، أنجبت له زوجته ثلاث بنات مما جعلها محل قسوته ونقمته لأنه يريد ولداً يحمل أسمه! حتى أنَّه سبب لها عاهة في رأسها كانت أحد اسباب موتها، ولم يرض عنها الا بعد أن انجبت له ولدا ((هجران)) وهو في الكويت، وقد طار فرحا لهذا الخبر لأن زواجه الثانية ابنة خالته انجبت له بنتاً ايضا..

هذه هي معاناة النساء في بلدان التخلف العربي الإسلاموي  وثقافة البداوة والأقطاع منذ الجاهلية ولحين التاريخ حيث يفضل الرجال الذكور على الأناث وقد تطور الوأد من حالة القتل الى حالة الوأد النفسي من خلال أشعار البنت بالدونية حتى في داخل العوائل التي تدعي التحضروالتقدم بما فيهم من التقدميين واليساريين فهذه هي الثقافة السائدة في مجتمع تهيمن عليه ثقافة البداوة والأقطاع وحب السلطة والقوة وعزوة القبيلة من خلال كثرة الابناء الذكور.. سواء كقوى عاملة منتجة مادياً أو قوى اعتبارية تعبر عن المهابة والتسلط  في مجتمع اللاقانون.

تنقل محمود بين الكويت ثم الهرب من الجيش والهجرة إلى السعودية ليعاني من العمل المذل والمهين، فيعاد محفوظا ليسلم الى السلطات العراقية بعد مشاجرة من رب العمل الذي امتنع عن إعطائه أجره كاملاً، ومن المعروف التعامل اللاأنساني لأغلب دول الخليج مع القوى العاملة الوافدة سواء من العرب أو غير العرب، كانت عودته زمن  ثورة تموز، ولكن الحال لم يدم طويلا فيقع في أيدي الحرس الفاشي ليقتل في سجن نقابة المعلمين الذي حوله الفاشست الى مقر للحرس القومي بعد انقلاب في 8 شباط 1963.

((هجران)) يتربى ويشب في كنف عائلة عمه مع أخواته، فيعيش الجميع وكأنهم أبناء العائلة ينادون عمهم بالأب وزوجة عمهم بالأم..

يلتحق هجران بالمدرسة زمن ثورة تموز ويكون من المتفوقين، يضطر الى العمل مع عمه في البناء ليتقن هذه المهنة، يلتحق بالخدمة الإلزامية.. يثبت قدرة كبيرة على العمل والأبداع ورضى آمريه، وعلى وجه الخصوص العقيد (ابراهيم سماري) الضابط الشريف النزيه العادل والمثقف الذي يقل مثيله في الجيش وعلى وجه الخصوص زمن الحكام الديكتاتوريين، ولكنه يكون أحد ضحايا قادسية صدام مما يحزن هجران كثيرا.. يذكرني هذا الضابط  بالنقيب الطبيب معن خلف الجبوري امر وحدتي عام 1977 حيث الطيبة والانسانية والتواضع وحب المراتب وعلى وجه الخصوص الجنود..

يحاول هجران إكمال دراسته رغم كل العقبات وكبر عمره بالنسبة للدراسات الصباحية المجانية..

يستلم البعث الحكم في 1968 للمرة الثانية، محاولا كسب ود اليسار العراقي وقوى المعسكر الاشتراكي، فكانت الجبهة الوطنية بين البعث والشيوعيين، فكانت الفخ والمصيدة للشيوعين، فسرعان ما تنصل لها البعث  في 1978 ، يثبت الناس سخطهم على نظام البعث من مختلف التوجهات ومنهم الإسلاميون وغيرهم وقد تجسد ذلك في انتفاضة صفر 1976 أثناء مسيرة زيارة الأربعين من النجف الى  كربلاء لزيارة مرقد الأمام الحسين  عليه السلام، وتعرضها للقمع والتصفية وقتل وإعدام العشرات من المنتفضين.

هجران يتزوج من أبنة الجيران، كما تزوجت أخته الكبرى من  أبن عمه المعلم.

يلقى محمود مقتله بطلقات طائشة من قبل قوى السلطة البعثية خلال مطاردة ((الأفرارية))من قادسية صدام، فتختتم حياة  هجران  بشكل مأساوي ليلتحق بوالده الذي قتل على نفس اليد  وهو يقول ((يبدو أن زهرة الحرية حتى تتفتح بحاجة الى مزيد من الدماء))رص180.

وقد صدق هجران أيما صدق فيما ذهب اليه فما زال العراقيون ينزفون الدماء الغزيرة طامحين في تحقيق حياة الحرية والعدل والسلام عبر انتفاضة التشرينيين وغيرهم، ويبدو انَّ الطريق شاق وطويل..

كتبت الرواية بضمير الغائب عن طريق الراوي العليم، وقلما يكون حضوراً للراوي كلي العلم على لسان أحد الشخصيات وعلى وجه الخصوص على لسان ((هجران)).

اتت الحبك بأسلوب المتوالية التسلسلية التقليدية من البداية الى النهاية، تميز أسلوب السرد بقدرة جيدة وامتلاك خزين لغوي ثري بالنسبة للمؤلف على الرغم الى افتقاد السرد للشعرية في التعبير والتوصيف، وكذلك تفتقد الرواية الى العمق الفلسفي الذي يضفي على الرواية المزيد من الرصانة.

المؤلف وكما في روايته السابقة يمتلك معلومة غنية ودقيقة حول التشكيلات العسكرية الإدارية والتنظيمية، كما انه يمتلك معرفة ثرية في الكثير من المصطلحات الشعبية الدارجة، وربما لا يعرفها الكثير من قراء الرواية.

لمسنا في بعض مقاطع الرواية انجرار المؤلف الى التقريرية البعيدة عن السردية الأدبية الفنية وهذا غالباً ما يحصل  في شرح وايضاح أو إعطاء موقف في الأحداث والمواقف السياسية بمعنى أدلجة الرواية أحيانا، نتمنى على الروائي الابتعاد عن ذلك قدر الإمكان لتكون لغة وأسلوب الأدب هي السائدة.

على الرغم من أننا ندرك انَّ لا وجود لأنسان بدون أيدولوجية وبدون موقف من الحياة وأحداثها ((الإنسان المتكلم في الرواية هو دائما صاحب أيدولوجيا بقدر أو أخر، وكلمته هي دائما قول ايدولوجي)) ميخائيل باختين، ص110الكلمة في الرواية- ترجمة يوسف حلاق دمشق ط1 1988.

الرواية يمكن اعتبارها أحد الروايات التي تهتم بالقاع الاجتماعي ومتابعة حياة المهمشين في المجتمع من الفقراء والكادحين والمعدمين، وهي بالطبع أحدى انواع الروايات الاجتماعية الانتقادية، وبالتأكيد لكل رواية نكهتها واثرها في المتلقي القارئ والناقد وكما يقول اورهان باموق اقول ((أقرأ الروايات كما لو أني أحلم، أنسى كل شيء من حولي، من أجل جمع المعرفة عن العالم، من أجل بناء نفسي وتشكيل روحي))ص30 اورهان باموق الروائي الساذج والروائي الحساس – ترجمة ميادة خليل ط12015

  • يؤلها الروائي كالآتي((في دعوة النظام لخدمة الاحتياط بالحرب أعلى مآذن الشيعة( كف). دلالة يد الله فوق ايديهم.. أعلى مأذن السنه( هلال) رجل الدين السني…. وفي معرض تعبئته للحرب : في خطبة الجمعة: ( لعن الله من تخلف عن جيش اسامة)!!! رجل الدين الشيعي بعد رفع آذان الظهر ( الله ينصر الحكومة على ايران” اعدائها”) !! هذه اصل النسمية((اهلة وأكف)))

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here