الظاهرة الطائفية في العراق ح3

الظاهرة الطائفية في العراق ح3 (*) د. رضا العطار

ليعلم القارئ العراقي الأصيل، ان منزلة الوطن عنده، يجب ان تكون اغلى واعز من عقائده المذهبية !

لقد اخذ اهل السنة مع ظهور السلاجقة وسيطرة الاتراك على معظم انحاء العالم الاسلامي باحتلال المواقع التي اخلتها المعتزلة والباطنية والاشعرية ليصبحوا الطائفة الاكبر للمسلمين، بينما راوحت الشيعة الامامية في حدود ضيقة تشمل اجزاء من العراق وايران ولبنان وانحصرت الزيدية في اليمن وانتشرت الاسماعيلية في زوايا صغيرة من سورية والهند وآسيا الوسطى. اما الشيعة الامامية وهي اكبر طوائف الشيعة المعاصرين قد اكتسبت قوة بتشيع ايران في العصر الصفوي في القرن السابع عشر – وازدادت رقعة التشيع في العراق بعد هذا العصر – لكنها تبقى طائفة صغيرة امام اهل السنة الذين يشكلون اكثرية المسلمين المطلقة عالميا.

فالاسلام السني يغطي شمال ووسط اقريقيا بما فيها مصر والسودان واقاليم الجزيرة العربية واليمن وعمان وبلاد الشام وتركيا والباكستان واكثرية مسلمي الهند وجميع مسلمي جنوب شرقي آسيا والاقلية المسلمة في الصين.

ومن هنا لا يصح الادعاء بان الصراع الطائفي بين السنة والشيعة نتيجة لأختلاف عقائدي بقدر ما يكون هذا الصراع بين المعارضة والسلطة – – وهو صراع طبقي اجتماعي صرف.

كما حكم الطائفية لون اخر من الصراع وهو الصراع بين الدين والثقافة اي بين العقيدة السلفية وبين الفكر الاسلامي في مناحيه ومدارسه المتنوعة – اما بعد العصر الاسلامي اي في العصر المغولي والتركي العثماني فقد تطامن الصراع بتغلب السلفية على الفكر وانحسار الحركات الاجتماعية وحركات المعارضة لحساب ركود سياسي مقارن للركود الحضاري. وعندما نرجع الى ساحات الصراع الطائفي نجدها مقتصرة على العلاقات الايرانية العثمانية التي كانت ساحتها تنحصر في العراق. وهو البلد الوحيد الذي عانى معاناة شديدة من التناحر بين السنة والشيعة. – – لقد كان العراق من مراكز المعارضة الاولى للخليفة الثالث عثمان بن عفان بسبب سوء ادارته والتلاعب ببيت المال ورفضه للاصلاح، فمن العراق ومن مصر جاءت الفئات الناقمة على الخليفة والتي ساهمت في تأجيج التمرد الذي انتهى بقتله.

وبسبب هذا الوضع نقل الخليفة علي بن ابي طالب عاصمته من المدينة الى الكوفة، لان الكوفة كانت الاكثر ولاء – – – وبعد مقتله وقيام الامويين دولتهم تمركزت حركة المعارضة للامويين في العراق – لكنها لم تكن معارضة شيعية في مفهوم العصر الحديث. فالشيعة الموالين للامام علي وولديه، يختلفون عن الشيعة الاثنى عشرية التي استكملت ملامحها بعد عدة قرون – – فبالاضافة الى هذة المعارضة كانت هناك حركة الخوارج، ثم ظهرت القدرية والجهمية والجعدية – وكانت ناشطة في العراق والشام – فلم تستأثر الشيعة بواحات الصراع التي توزعت على هذه الفرق – ولذلك لا يمكن اعتبار العراق في ذلك الوقت، اقليما شيعيا بل هو مركز للمعارضة المتعددة الفئات. – ولم تصبح الكوفة شيعية خالصة رغم انها عاصمة علي بي ابي طالب – الذي قاتلت الامويين الى جانبه حتى نهايته الفاجعة.

لقد كانت الكوفة في غضون العصر الاموي والعباسي مسرحا لمعظم الفرق والحركات الفكرية والسياسية – وفيها ظهر المذهب الحنفي، انضج واوسع مذاهب الفقه السني. – ولدى التدقيق في شخصياتها الثقافية لا نجد من بينها الا القليل من الشيعة. على انها بقيت في مقدمة المعارضة ضد الامويين والعباسيين. وكانت افخم ثوراتها هي التي قادها محمد بن طبا طبا ايام المأمون – وهي لم تكن ثورة شيعية الا في قيادتها_ اما جمهورها فهو جمهور المعارضة التقليدي الذي يدعم كل ثائر على الدولة. – – وكذلك الشأن في ثورة الزنج في البصرة زمن المنصور.

وهكذا وبسبب الجهل لطبيعة الثورات ودوافعها باحالتها الى اساس ايديولوجي عقائدي يحركها باتجاه معين – والثورات هي نتيجة الصراع الطبقي الاجتماعي وهويتها لا تاتي من هوية قادتها بل من مطالبها التي تاتي الثورة للوفاء بها وهي مطالب عامة الناس لا مطالب فئة محدودة من اهل العقائد.

الى الحلقة التالية !

* مقتبس من كتاب المرئي واللامرئي في الادب والسياسة للمفكر هادي العلوي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here