القاريء في النظرية الأدبية

ترجمة: ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات والترجمة
كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
بقلم روجر وبستر

القارئ
ومثلما نرى من المبحث السابق، يُمنح القارئ دورا ومكانا جديدين وفقا لنموذج بارت للإنتاج الأدبي. وربما يكون أحد الأسباب التي أدت إلى القليل من التركيز الواضح على القارئ وديناميكيات القراءة هو أنه غالبا ما كان يُنظر إلى القراء على أنهم العنصر الأقل أهمية في محور المؤلف والنص والقارئ: فقد كان يُنظر إلى دور القارئ على أنه واضح وهو من ثم لا يتطلب أي تمحيص أو تفسير. وعلى عكس الاهتمام الممنوح للمؤلفين والأعمال أو النصوص، كان يُنظر إلى القراء على أنهم متلقون سلبيون للمعنى، وقد أخذ دورهم وطبع بطرق لم تختبر إشكالية القراءة. يفترض النقد المتمحور حول المؤلف، كما رأينا، أن المؤلف هو الأصل وموضوع الأدب والتفسير على التتابع. وينفي النقد الذي يركز على العمل/ النص- مثل النقد الجديد في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي إذ تكون “القصيدة نفسها أصل المعنى وموضوع النقد- القارئ إلى موقف هامشي أو مستبعد على حد سواء. و ينبغي أن نضيف أنه ليس كل النصوص الأدبية نفسها (وربما ليس كل المؤلفين) تعترف بالقراء على أنهم سلبيين ومتماثلين: فرواية لورانس ستيرن Lawrence Sterne تريسترام شاندي Tristram Shandy (1760) تقدم للقارئ مطالب قوية للغاية تمنع أي سلبية.
إن إحدى الطرق التي أثبت بها النقد الأدبي المبكر المرتبط بظهور “اللغة الإنگليزية” سلطته كانت الافتراض إما أن القراء جميعا يمثلون الشيء نفسه في النهاية أو أنهم سيحققون التوافق. حقيقة أن القراء متنوعون للغاية من حيث الطبقة والجنس والتاريخ والعرق والثقافة لم تكن تبدو على أنها عوامل مهمة في النقد الأدبي حتى وقت قريب. وتعريف أف آر ليفيز للقارئ المثالي عادة ما يكون غامضا: “بواسطة ناقد الشعر، أفهم القارئ الكامل complete reader: الناقد المثالي هو القارئ المثالي”. هذا هو بقدر ما يستطيع ليفيز، أو يريد، أن يصل إليه، ومن المفترض إنه يعني شخصا ما “على قيد الحياة تمامًا” مستعد لكل احتمالات المعنى في نص ما على حد تعبيره: وهو يعني عدم كفاية معظم القراء والحاجة إلى التوصل إلى إجماع مستنير ظاهريا بدلاً من السماح لمجموعة متنوعة وصحيحة بنحو متساو من القراءات.
لقد أدى ظهور أهمية القارئ في النظريات الأدبية والنقدية إلى تحويل تركيز النقد والتفسير بعيدًا عن المقتربات المتمحورة عن المؤلف والنص في الأدب وسمح بمجموعة أكثر تعددا من الاستجابات للنصوص وكذلك لمزيد من الاهتمام بالعمليات المعقدة من القراءة والتفسير نفسها. ومن ناحية ما، يمكن النظر إلى هذا التحول على أنه تحرك أيديولوجي بعيدا عن سلطة المؤلف والنص إلى سلطة القارئ. ومن ناحية أخرى، فإنه ينقل الأدب كمنتج تاريخي، بوصفه خاضعا لسياق الاستهلاك، ومدركا بأن النصوص تتغير بالفعل فيما يتعلق بالظروف التي تُقرأ فيها. إن المفاهيم المرتبطة بنقد متمحور على المؤلف أو النص لقراءة فردية وموحدة و”صحيحة” لم تعد صالحة. وستظهر أيضًا نظرية القارئ reader theory، والمجال المتعلق بنظرية التلقي reception theory، على أنهما مهمان فيما يتعلق بالمناهج التحليلية النفسية psychoanalytic والنسوية feminist. وربما يكون من الجدير بالملاحظة في هذا المنعطف أن النظرية، بعيدًا عن إزالة الأدب من القارئ الفردي أو مجموعات القراءة المختلفة، هي في الواقع تعيد النص وتجربة “القراءة” بطرق يمكن مناقشتها واستكشافها الآن بنحو صريح: تسمح مثل هذه المقتربات بفهم كيفية توليد المعاني والتفسيرات المختلفة ويمكن أن تساعد في تبديد المواقف الاستبدادية والمخيفة في بعض الأحيان التي يمكن أن تنشأ في تعليم الأدب ودراسته. النظرية أداة قوية ، يمكن استعمالها في حد ذاتها بطرق تحررية أو قمعية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here