الخدمة في أربعينية الامام الحسين عليه السلام: التطوع في القرآن الكريم (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجا للمتطوع في عبادته من النوافل والطاعات المختلفة حيث قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً” (الفتح 29) وبسبب تطوعه تورمت قدماه ولم يستطع الوقوف فنزت الآية الكريمة “مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى” (طه 2).

من الانبياء المتطوعين في خدمة الآخرين هو نبي الله يوسف عليه السلام الذي عرض خدمته مسؤولا ماليا قال عز من قائل “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف 54-55). فيوسف عليه السلام قدم خدماته تلقائيا للملك بدون ان يطلب منه الملك بتلك الخدمات لمعرفته بان له القابلية على هذا العمل. كما قام وهو في السجن تطوعا بدعوة السجناء الى عبادة الله سبحانه، بالاضافة الى خدماته المختلفة من تفسير الاحلام “وَدخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كافرون * واتبعت مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ” (يوسف 36-40) فقال السجناء انا نراك من المحسنين حبث يعتبر التطوع نوع من الاحسان، فهو وهو يقدم لهم تفسير الحلم وعظهم بان كل معرفته جاءت من رب العالمين “ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي” (يوسف 37) وان قومه الذين تركهم لا يؤمنون بالله سبحانه ولا بالآخرة بينما ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب عليهم السلام هم الذين اتبعهم الذين لا يشركون مع الله أحد “واتبعت مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ” (يوسف 38) الى بقية الآيات التعليمية التي القاها مجانا تطوعا الى السجناء.

ان الامم والمجتمعات التي يكثر فيها التطوع هي الأكثر تقدما. هذا في الدنيا اما في الآخرة فان للمتطوع المؤمن يجزى خيرا فيها “وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (البقرة 110).

جاء عن زيارة الأربعين / وكالة أنباء براثا للكاتبة كوثر العزاوي: وصل بنا المقام إلى بيان موجَز بشأن المحور الخدمي خلال مسيرة العشق إلى كربلاء وما يتمخض عنها من أسرار وتجليّات. فقد أكدت الهيئة المشرفة تأخذ على عاتقها سنويًا مسؤولية تقديم الدعم اللوجستي والخدمات اللازمة للزائرين والمواكب ودوائر بلدية كربلاء المقدسة من خلال توفير مئات العجلات الكبيرة والمتوسطة ونصب مايقارب ١٠ الى ١٥ موكب خدمي ، و١٣ محطة وقود، و١٨ بين معمل ومخزن للثلج وخزانات الماء المتنقلة، إضافة الى حملات التنظيف الواسعة في ٤ محاور داخلية وبمشاركة ٣٥ عجلة خدمية وكلها تتركز في جزء كبير بدعم المواكب الحسينية وأصحاب السرادق الخدمية على طول خطّ المسير إلى كربلاء الحسين “عليه السلام” كما تذكر الهيئة المعنية نقلًا عنها، أنّ مديرية الهندسة العسكرية تقوم بأعمال فتح الطرق وتهيئة الگراجات والساحات الخاصة لوقوف العجلات ودعم دوائر محافظة كربلاء المقدسة من خلال توفير مئآت من الآليات الكبيرة التخصصية في كافة محاور المدينة والتي تساهم في نقل الزوار، فضلًا عن الإسناد المدني التطوّعي لزيادة الدعم ومضاعفة خدمة الزوار ومواكب الخدم ايضا. وتابعت حسب النشرة: أنّ لتقديم الخدمات الطبية والعلاجية ، دور بارز في مشاركة عشرات المفارز الطبية ومايقارب ال١٠٠ عجلة إسعاف و٦ مستشفيات ميدانية معززة بكميات كبيرة من العلاجات الدوائية وشحنات من مواد الأسعافات الأولية للحالات والأمراض الطارئة المحتمل ظهورها في التجمعات البشرية المليونية، بالاضافة الى توفير عمليات التعقيم والوقاية من فيروس كورونا لاسيما في داخل خيام المواكب الحسينية، ولعلّ هذا التقرير المفصّل إنّما هو على نحو التقدير لا الحصر، وإلّا فالواقع المنجَز أجود وأوفر بشهادة العالم أجمع. أما مايخصّ الدعم والخدمات الإعلامية المقدّمة، والتغطية المباشرة، فقد بيّنت الهيئة أنّ هنالك دور إعلاميّ كبير جدًا من خلال نقل رسالة وأهداف الثورة الحسينية، وعالمية الحضور والتلاحم الإنساني والتعاون الخدمي من قبل الشعب العراقي ومؤسساته الأمنية والخدمية في تلك البقعة الطاهرة، وبأسناد الفرق المدنية التطوعية النسوية منها والرجالية أثناء الحدث المليونيّ السنوي، فيتمّ توفير ٢٥- ٣٠ فريقًا إعلاميًا ميدانيًا، وفرق فنية وهندسية، مع تسخير عجلات للبث الفضائي والإذاعي مع نصب شاشات ثابتة ومتحركة لأجل تقديم الخدمات للوكالات الإعلامية والقنوات الفضائية المحلية والأجنبية لتسهيل البث والتغطية المباشرة على الصعيد العالمي والمحلي، وهناك محطة جديرة بالذكر في مدار التوجيه العقائدي، والتي أشارت لها الهيئة موضحةً، ولعلها المحطة الأكثر تماسًّا مع جموع الزحف المبارك هي “محطة التوجيه العقائدي” التي تقوم بدور كبير في التبليغ والإرشاد الديني من خلال تشكيل لجان من كلا الجنسين، تأخذ على عاتقها الرد على المسائل الفقهية عبر طلبة الحوزة المعتمدين، وعمل مجسّمات شاخصة تحكي واقعة الطف إضافة الى تخصيص مخيمات استراحة لقراءة القرآن والصلاة وعقد شبه ندوات فكرية ثقافية وطرح الأسئلة على المختصين في تلك الاماكن وعلى طول طرق مسير الزوار للحدّ الذي لايشعر الزائر معها بتعب ولانصب ولاجوع ولاعطش. تأمين وصول الزوار العرب والأجانب من كل الدول بالتنسيق مع الدوائر المختصة عبر المطارات والمساهمة في تسهيل حركتهم وتنقلاتهم وحمايتهم ووصولهم الى المدن والعتبات المقدسة لاداء مراسم الزيارة والمشاركة في المسيرة الحسينية العالمية، ولعلّ هذا التغيير المتميز الذي تشهده مسيرة الأربعين منذ الثمان سنوات الأخيرة، لاشك أنه يمتلك خارطة طريقٍ مدروسة، محدّدة المعالم.

جاء في موقع العهد الاخباري للكاتب عادل الجبوري: لا شك ان هذا هو التوصيف الأكثر دقة وقربا الى الواقع لزيارة اربعين الامام الحسين عليه السلام المليونية. فالاعداد كانت هائلة بكل معنى الكلمة، ولم تأت من داخل العراق فحسب، ولا من البلدان المجاورة والقريبة للعراق فقط، بل انها جاءت من كل بقاع وأصقاع العالم واطرافه المترامية. ولم تقتصر مشاركة تلك الملايين القادمة من كل حدب وصوب على اداء الزيارة فحسب، بل إنها شاركت في مواكب الخدمة التي تقدم الطعام والشراب والدواء والسكن، وفي حملات النقل والتنظيف والتثقيف. وبالتالي فأنها رسمت صورة أو صورا انسانية ناصعة ومشرقة عن حقيقة وجوهر ومعنى الثورة الحسينية الخالدة وما حفلت به من مآثر وتضحيات قل نظيرها على امتداد تاريخ البشرية السابق للثورة واللاحق لها. ولعله لايمكن المرور بصورة عابرة على الأرقام اللافتة والمبهرة لمختلف جوانب زيارة الاربعين، منذ انطلاقتها في الأول من شهر صفر، وحتى الساعات الاخيرة والدقائق الاخيرة ليوم الاربعين، حيث تتحول كربلاء المقدسة بكل شوارعها وأزقتها وحاراتها الى لوحة بشرية واسعة الآفاق والأبعاد. وبينما ذكرت العتبة الحسينية المقدسة والقيادة العامة للقوات المسلحة، أنه بحسب احصائياتهما، بلغ عدد زوار الاربعينية هذا العام حوالي عشرين مليون شخص، اكدت مصادر اخرى غير رسمية، ان عددهم ناهز الخمسة وعشرين مليون شخص من داخل العراق وخارجه. في ذات الوقت، كشف المتحدث بأسم هيئة المنافذ الحدودية علاء الدين القيسي، “إن المنافذ الحدودية ومنذ الاول من شهر محرم وحتى التاسع عشر من شهر صفر، سجلت دخول 3,085,642 زائرا الى العراق”، علما انه وللمرة الاولى تفتح المنافذ الحدودية ضمن الحدود الادارية لاقليم كردستان بشمال العراق، وكذلك منفذ عرعر الحدودي مع المملكة العربية السعودية أبوابها لدخول الزائرين. ويضاف الى الاعداد المشار اليها، ما يقدر بمليوني شخص او اكثر، قدموا الى البلاد من حوالي ثمانين دولة من العالم العربي وآسيا وافريقيا واوروبا واميركا واستراليا، عبر مطارات النجف الاشرف وبغداد والبصرة. وفيما يتعلق بعدد المواكب المشاركة بتقديم الخدمات للزائرين، فقد أكدت جهات رسمية، انها بلغت 14500 موكب، منها 300 موكب من دول عربية وأجنبية، وبالطبع، ان هذه الاعداد تشمل فقط مواكب الخدمة في كربلاء والمناطق المحيطة بها والتابعة إليها. أما بخصوص عموم العراق فأنه لاتوجد احصائية دقيقة لعدد مواكب الخدمة الحسينية، إلا أن التقديرات تذهب إلى أن أعدادها ربما تتجاوز ربع مليون موكب، متوزعة على امتداد مئات او الاف الكيلومترات بين مختلف محافظات ومدن جنوب ووسط وشرق شمال وغرب البلاد، الامين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد مصطفى مرتضى ضياء الدين، من جانبه كشف بالأرقام عن حجم الخدمات المقدمة للزائرين من قبل العتبة العباسية فقط، خلال زيارة الاربعين، قائلا انه تم تقديم 4,481,377 وجبة طعام للزوار في داخل كربلاء والمحاور المؤدية إليها، واستقطاب 116384 متطوعا لتقديم مختلف الخدمات، ومشاركة أكثر من 800 آلية مختلفة لنقل الزائرين، اضافة الى العشرات من سيارات الإسعاف والمفارز الطبية الجوالة المعززة بالكوادر والتجهيزات العلاجية المختلفة، فضلا عن نشر مئات المحطات الثقافية والدينية ومحطات إرشاد التائهين بمختلف الطرق الخارجية والداخلية المؤدية الى حرم الامامين الحسين والعباس عليهما السلام. ولاشك ان مثل هذه الارقام على اهميتها، فهي تعكس جزءا من صورة العطاء والبذل الكبيرين، وحسن التنظيم والاهتمام والحرص على إنجاح الزيارة المليونية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here