شعيرةالحجاب فتحت باب الاحتجاجات وقلبت موازين عمائم ايران وستصل جذورهم فتقلعها

د.سمير ناجي الجنابي
 

ومحركاته طرف الثالث والسفارات والمنظمات والملحدين    وباتوا ومافتئوا وضعهم متذبذب وعلى حافة السقوط والانهيار

منذ بضع ليالٍ ونحن على حافة السقوط

هذا ما اعترف به قائد قوات الشرطة الجنرال عزيز الله ملكي في محافظة جيلان الإيرانية التي بدأت منها مظاهرات عارمة وخاصة في عاصمتها رشت وامتدت إلى عدد كبير من المدن الإيرانية، وقد نشر تلك التصريحات موقع (غيل خبر) الإيراني في مقابلة معه.

فمنذ الأسبوع الماضي، والمظاهرات تعم كثيرًا من مدن إيران ومناطقها المختلفة، وذلك عقب وفاة فتاة كردية من محافظة كردستان شمال غربي البلاد في مستشفى بالعاصمة، بعد 3 أيام من اعتقالها من قبل ما يطلق عليه النظام الايراني دوريات الإرشاد وهي بمثابة شرطة الأخلاق، بدعوى ارتدائها لباسًا غير محتشم.

يحاول النظام الإيراني تصوير الاحتجاجات وتسويقها بأنها ضد الإسلام وشعيرة الحجاب. لذلك يوم الجمعة الماضية أنزل مؤيديه في مظاهرات تدعو إلى الحجاب وكأنها معركة حول الإسلام وليس ممارسات النظام نفسه القمعية ..

وفي حين قال ناشطون: إن الفتاة تلقت ضربة قاتلة على رأسها أثناء احتجازها، نفى المسؤولون ذلك وأعلنوا عن فتح تحقيق في الحادثة.

وعلى مدى ثمان ليالي متتالية تركزت الاحتجاجات بالمناطق الشمالية الغربية التي تضم محافظة كردستان، ولكنها امتدت أيضًا إلى طهران ومدينتي مشهد وقزوين ونحو 50 مدينة وبلدة أخرى في أنحاء البلاد.

وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية نقلاً عن وكالة بورنا للأنباء المرتبطة بوزارة الرياضة الإيرانية أن عدد الذين قتلوا في أعمال الشغب الأخيرة في البلاد ارتفع إلى 35 قتيلاً، وكانت الحصيلة الرسمية السابقة بحدود 17 قتيلاً، بينهم 5 عناصر أمن، لكن منظمات حقوقية غير حكومية ذكرت أن الرقم فاق الخمسين قتيلاً.

ونقل التلفزيون الإيراني عن محافظ جيلان أن السلطات اعتقلت 739 من مثيري الشغب في المحافظة الواقعة في شمالي إيران، بينهم 60 امرأة، بينما تداول ناشطون إيرانيون على منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع مصورة تظهر اشتباكات بين محتجين غاضبين وقوات الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم. وردد هؤلاء هتافات مناهضة للنظام الإيراني ورموزه، ورشقوا قوات الأمن بالحجارة، وفق وكالة أنباء إرنا الرسمية.

وأفادت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية بقيام المحتجين بحرق أحد عناصر الشرطة في مدينة مشهد وإضرام النار في مسجد موسى الكاظم بمدينة رشت، وعتبة زاده عبد الله في مدينة همدان، فضلاً عن إلحاق الضرر بعربات الشرطة وسيارات الإسعاف. كما تحدثت صحيفة همشهري عن مقتل أحد المتعاونين مع قوات الشرطة وجرح 4 آخرين في مدينة شيراز.

وفي نفس الوقت حذرت منظمة العفو الدولية من خطر إراقة مزيد من الدماء وسط حجب متعمد للإنترنت. وقالت إن أدلة جمعتها من 20 مدينة في أنحاء إيران تكشف عن نمط مرّوع من قيام قوات الأمن الإيرانية بإطلاق وابل الرصاص بشكل غير قانوني ومتكرر مباشرة على المحتجين.

عند مراجعة أحداث هذه المظاهرات والتي نشرتها أجهزة الاعلام المختلفة نجد أنها انتشرت في نحو 50 مدينة من مدن إيران بل امتدت إلى العاصمة الإيرانية طهران، كما أنها لم تقتصر على مناطق الأكراد فقط

وعند مقارنة تلك المظاهرات بأخرى سابقة، نجدها أنها تزيد في حدتها وبالتالي الإجراءات القمعية التي مارستها السلطات الإيرانية فيها عن مظاهرات عام 2019، حيث ذكرت شركة نتبلوكس المعنية بمراقبة الوصول إلى الإنترنت، ومقرها لندن، إن إيران تعيش أكثر فترات تقييد الاتصال بالإنترنت صرامة منذ احتجاجات نوفمبر 2019، التي قطعت فيها الحكومة الإنترنت بشكل شبه كامل.

بينما يحاول النظام الإيراني تصوير الاحتجاجات وتسويقها بأنها ضد الإسلام وشعيرة الحجاب.

لذلك يوم الجمعة الماضية أنزل مؤيديه في مظاهرات تدعو إلى الحجاب وكأنها معركة حول الإسلام وليس ممارسات النظام نفسه القمعية

ولكن في الحصيلة النهائية هل ما جرى هذه الأيام يختلف عن المظاهرات السابقة في نتائجها، والتي تتمحور حول عودة الناس إلى بيوتهم وبقاء النظام الإيراني يمارس طائفيته سواء على شعبه أو خارج حدوده؟

باختصار هل تستطيع تلك المظاهرات اقتلاع نظام الملالي في إيران؟

لمعرفة هل ستنجح مظاهرات إيران في تغيير النظام يجب علينا فهم عوامل نجاح أي ثورة شعبية كما حددها علماء الاجتماع والسياسة بناء على تحليلهم للثورات الشعبية الناجحة والفاشلة في التاريخ.

عوامل نجاح الثورات

في أحدث دراسة في هذا المجال صدرت عام 2011 بعنوان “لماذا تنجح المقاومة الشعبية: الأسباب الاستراتيجية وراء نجاح النزاع السلمي” حيث أجرت الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد إيريكا شينوويث، بالاشتراك مع الباحثة بالمركز الدولي للنزاع السلمي ماريا ستيفن، تحليلاً لمئات الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت على مدى القرن الماضي، وتجميعًا لجميع الدراسات التي أجريت عن المقاومة المدنية والحركات الاجتماعية خلال الفترة بين عامي 1900 و2006.

وخلصت الدراسة إلى أن فرص نجاح الحراك الشعبي السلمي أعلى من فرص نجاح الاحتجاج غير السلمي في تحقيق أهدافه بمقدار الضعف.

وقالت الدراسة إن معيار نجاح حركة التغيير هو قدرتها على تحقيق جميع أهدافها، ولا تعد الحركة ناجحة لو أطيح بنظام الحكم في أعقاب تدخل عسكري أجنبي. ويتنافى مع سلمية الحراك إلقاء قنابل أو وقوع عمليات خطف أو إتلاف البنية التحتية، أو أي إضرار بالأشخاص أو الممتلكات.

ومن نتائج تلك الدراسة أن الحراك السلمي قاد إلى التغيير السياسي في 53 في المئة من الحالات، في مقابل 26 في المائة فقط للاحتجاجات العنيفة.

وتُرجع الدراسة ارتفاع فرص نجاح الحراك السلمي إلى قدرة منظميه على حشد عدد أكبر من المشاركين من قطاعات عريضة من السكان، ما يؤدي إلى تعطيل المرافق العمومية وإصابة الحياة اليومية والاجتماعية بالشلل.

وتخلص الدراسة أن الحراك الشعبي يستمد قوته من أعداد المشاركين فيه بحيث يمثل تهديدًا حقيقيًا للسلطات الجاثمة على صدور الشعب، وبمجرد ما يصل عدد المشاركين إلى 3.5 في المئة من إجمالي عدد السكان، فإن نجاح الثورة يتحقق لا محالة.

فما من ثورة استقطبت في عنفوانها هذه النسبة من السكان إلا ونجحت في تحقيق أهدافها، ويطلق على هذه الظاهرة “قاعدة 3.5 في المئة”. وتضرب الدراسة مثالاً على ذلك بثورة “قوة الشعب” في الفلبين وثورة الغناء في إستونيا في أواخر الثمانينيات وثورة الزهور في جورجيا في مطلع 2003.

فهذه الدراسة اشترطت شرطين لنجاح الثورات: القدرة على الحشد، وسلمية الاحتجاجات.

أما الدكتور خير الدين حسيب الباحث العربي المعروف والمدير العام لمركز دراسات الوحدة العربية، فيضع عوامل أربعة يؤدي توفّرها إلى نجاح ثورة أي شعب على النظام في بلاده، الأول هو انكسار حاجز الخوف عند الشعوب من التحرك ضد أنظمتها بسبب القمع الذي تمارسه منذ تأسيسها، والثاني السلمية لدى من يقومون بالحراك، والثالث هو وجود شبه إجماع شعبي على مطلب تغيير النظام أو تعديله، وشيء من التجانس أيضاً بين أبناء الشعب، أما العامل الرابع فهو الموقف الفعلي للجيش أو القوات المسلحة بكل فروعها من الانتفاضة الشعبية.

أما الباحث مروان قبلان فيضع أربعة أسباب لنجاح الثورات يشترط حصولها في وقت متزامن: أولها حدوث أزمة اقتصادية خانقة ينتج عنها صعود جيل أكثر شبابًا وتعليمًا، ينشأ عنها فرق شاسع بين التطلعات والإمكانات، وثانيها حصول انقسام داخل النخب الحاكمة بشأن كيفية التعاطي مع الأزمة، وثالثها توفر القدرة لدى قوى التغيير على التعبئة والحشد ودفع الجماهير إلى الشارع للاحتجاج، وأخيرًا انقطاع الدعم الخارجي عن النظام الحاكم.

فهذه أبرز العوامل لنجاح الثورات ويمكن إضافة اليها عامل آخر وهو وجود القيادة أو الزعامة أو التنظيم القادر على حشد الجماهير.

والآن هل هذه المقومات التي تمثل شروطًا لنجاح الثورات تتوفر في المظاهرات الإيرانية الحالية؟

ماذا يوجد في هذه الاحتجاجات من عوامل نجاح الثورات؟ وماذا ينقصها؟

عند مراجعة أحداث هذه المظاهرات والتي نشرتها أجهزة الاعلام المختلفة نجد أنها انتشرت في نحو 50 مدينة من مدن إيران بل امتدت إلى العاصمة الإيرانية طهران، كما أنها لم تقتصر على مناطق الأكراد فقط، بالرغم من أن الفتيل الذي أشعل الاحتجاجات هي حادثة لفتاة كردية في منطقة كردية، ولكن سرعان ما امتدت إلى شرائح أخرى ومناطق بعيدة نسبيًا عن المناطق الكردية، ولم تقتصر على قضية الحجاب كما يريد النظام توصيفها ليحشد حوله الكارهين للعلمانية، إلا إن قطاعات شعبية مهمة انتبهت للمزلق الذي يريده نظام الملالي.

ولكن هذه المظاهرات لازالت تعاني نقصًا في ثلاثة مؤشرات هامة لتصل إلى مرتبة الثورة القادرة على التغيير:

الأول عدم وضوح وجود قيادة أو تنظيم يقود هذا الحراك.

الثاني أن النظام لديه آلة عسكرية قوية تتمثل في الحرس الثوري والجيش الإيراني، وليس هناك أي مؤشرات على حياد هذه القوى المسلحة المؤيدة للنظام والحامية له.

أما المؤشر الثالث فإن منظومة الأفكار التي تتجمع حولها الجماهير الإيرانية تبدو غير متماسكة، فهناك من يرفض النظام لأسباب علمانية، ومنهم من يرفضه لأسباب اقتصادية، بينما يعارضه آخرون لدوافع عرقية، فإذا لم يتم جمع هذا الشتات المتناثر في مظلة فكرية تنظيمية لها استراتيجية واحدة، فإن فرص نجاح هذه الاحتجاجات في إحداث تغيير لهذا النظام الطائفي تبقى ضئيلة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here