اعتداءات جنسية متسلسلة من لبنان لفرنسا.. ماريلان تواجه “الكاهن” لبكي والكنيسة

ماريلان غانم تحدثت عن تفاصيل الاعتداء عليها من منصور لبكي حين كانت مراهقة.

“خلال زيارته الثانية إلى منزل عائلتي، تعرضت لأول لمسة جنسية من منصور لبكي، كنت طفلة بعمر الـ 14 عاما، أصبت بصدمة حينها جعلتني أتجمد في مكاني دون القدرة على أي تصرف أو حركة، وكأن دماغي توقف عن العمل كلياً، كنت شبه غائبة عن الوجود”.. تستذكر ماريلان غانم تفاصيل واقعة الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له من قبل الكاهن اللبناني منصور لبكي عام 1984.

شهادة ماريلان لموقع “الحرة” جاءت عقب صدور قرار عن مجمع العقيدة والإيمان في الفاتيكان، يقضي برد الخوارسقف اللبناني منصور لبكي إلى “الحالة العلمانية”، ما يعني سحب رتبته الكهنوتية، وذلك بعد مضي 10 سنوات على بدء محاكمته بتهمة الاعتداء الجنسي المتسلسل على عدد من الأطفال والأيتام، بين لبنان وفرنسا، خلال إدارته لعدد من دور الأيتام والجمعيات المعنية برعاية الأطفال.

وانتشرت وثيقة مرسلة من أمين عام مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، الأب كلود ندره، موجهة إلى المطارنة والبطاركة وكافة الرئيسات والآباء العامين والإقليميين، يعلمهم فيها بناءً على طلب راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، أن قراراً صادراً عن البابا فرنسيس ومجمع عقيدة الإيمان، يقضي برد لبكي إلى “الحالة العلمانية”، طالباً تعميم هذا القرار على كافة كهنة الرعايا والمؤسسات الرهبانية، رافعا الصلوات بشكل خاص لأجل ضحايا الاعتداءات الجنسية.

وثيقة عزل لبكي

شكل هذا القرار خاتمة لقضية منصور لبكي الكاهن، الذي أثار طيلة الأعوام الماضية انقساماً كبيراً بين اللبنانيين، ولاسيما في الأوساط الكنسية، وأنهى جدلا واسعاً بين الداعين للاقتصاص منه بسبب جرائمه الجنسية التي سبق أن أدين بها، والمدافعين عنه المتأثرين بمسيرته “المثالية”، التي روج لها طيلة حياته، حيث اعتبروا أن الادعاءات عليه تأتي في سياق مؤامرة تستهدفه والكنيسة المارونية من خلفه.

من هو منصور لبكي؟

يتسلح المدافعون عن لبكي بتاريخ أعماله “الخيرية”، التي نجح عبرها ببث سمعة تخطت حدود البلاد ونطاق كنيسته المارونية، وبلغت الدول الأوروبية، فضلاً عن تأكيدهم على إيمانه وورعه وإخلاصه لنشاطه الكنسي، وهو المؤلف والملحن الأبرز للتراتيل المعتمدة في معظم الكنائس المارونية في لبنان، فضلاً عن كنائس في مصر وسوريا وفرنسا.

وبدأت قصة منصور لبكي الكاهن (82 عاماً) عام 1966 حين عُين كاهناً في الكنيسة المارونية، وبسبب إلمامه بالموسيقى، عمل على تطوير الإنتاج الموسيقي للكنيسة المارونية في لبنان، من خلال تأليفه لعدد كبير من الترانيم وتلحينها بألحان عصرية أكسبتها انتشاراً وشهرة في ذلك الحين، ورفعت من رصيد لبكي الكنسي من جهة والشعبي المسيحي من جهة أخرى.

عام 1971 عين منصور لبكي كاهنا في إحدى الأبرشيات المارونية في بلدة الدامور اللبنانية التي شهدت عام 1976، مطلع الحرب الأهلية الطائفية في لبنان، مجزرة استهدفت فيها فصائل فلسطينية ولبنانية موالية لها المسيحيين من أبناء البلدة، ما خلف عددا كبيرا من الأيتام.

على أثر ذلك، أسس لبكي جمعية “بيت سيدة الفرح” وجوقة “منشدي لبنان الصغار”، للعناية بيتامى الحرب الأهلية، وشكل حالة فريدة من نوعها في ذلك الوقت، حيث ارتبطت صورة الكاهن بالأيتام والأطفال، لينتقل بعدها إلى فرنسا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ويفتتح هناك دور أيتام وجمعيات تعنى برعاية الأطفال أيضاً، ولاسيما أيتام الحرب الأهلية اللبنانية، الذين جرى تسفيرهم إلى فرنسا.

من بين هذه الجمعيات “لوتدحال” (وتعني “لا تخف” باللغة السريانية)، إضافة إلى “بيت سيدة أطفال لبنان” الذي أنشأه لبكي في بلدة دوفر لا دليفراند الفرنسية، وكذلك أسس عام 2005 جمعية “بيت مريم” في بلدة لورد الفرنسية، لرعاية الحجاج المسيحيين اللبنانيين الذين يزورون البلدة التي تمثل معلماً كاثوليكياً.

نجح لبكي على مدار مسيرته في تقديم صورته ناصعة إلى أبعد الحدود، حتى بات مثالاً يحتذى به في الأوساط الكنسية للمحبة والرعاية، ويقدم كنموذج للطلاب في المدارس الكاثوليكية في لبنان، كما تحول إلى أيقونة إعلامية ونجماً للبرامج والإذاعات الدينية المسيحية، فضلاً عن تقديمه لعدد من البرامج التلفزيونية الدينية، والإنتاجات الأدبية المكتوبة.

سقوط القناع

إلا أن هذه الصورة تلقت أول صدمة عام 2012، حين أقام الفاتيكان في روما محاكمة لمنصور لبكي، بعد عامين من التحقيقات، تولاها مجمع عقيدة الإيمان، وهو المرجعية الأولى للبت بالقضايا اللاهوتية والأخلاقية وتحديد موقف الكنيسة منها، والذي يتولى منذ عام 2001 مسؤولية النظر في قضايا الاعتداء الجنسي على قاصرين.

الجنسي على قاصرين.

وانتهت المحاكمة بإصدار حكم يدينه بالاعتداء الجنسي على ثلاثة أطفال. الضحية الأولى بدأ التحرش بها حين كانت في السابعة من عمرها وتواصل الاعتداء بين عامي 1990 و1996 على أقل تقدير، بحسب نص الحكم، الذي أدانه أيضا بالاعتداء الجنسي واغتصاب طفلة في الثالثة عشرة بين عامي 1996 و1997، وبالاعتداء الجنسي على طفلة في الرابعة عشرة بدءاً من عام 1976.

الحكم جاء بعد إقرار لبكي بالاعتداء على ثلاث من الشاكيات، من أصل 17 مدعية اتهمنه بالاعتداء عليهن، بحسب نص الحكم الفاتيكاني الصادر عام 2012، حيث تمسك لبكي بنفي باقي الاعتداءات المنسوبة إليه، معتبراً أن “بعض تصرفاته كانت نابعة من عاطفة بريئة فُسّرت خطأً كأفعال جنسية”.

وبحسب الحكم الذي نشرت تفاصيله صحيفة “لا كروا” الكاثوليكية الفرنسية حينها، فقد كان سلوك لبكي “منتظماً ولا يقتصر على ضحية واحدة”، حيث كان يمارس “الضغط النفسي على ضحاياه، ويتلاعب بهنّ عقلياً وعاطفياً وروحياً، ولا يتردّد في استخدام سلطته المعنوية، والروحية، والدينية، لطلب خدمات جنسية، حين تقع الضحية بشكل كامل تحت سيطرته، وتفقد أي قدرة على النقد الذاتي، وأي تقييم موضوعي للأحداث”.

وثُبّت الحكم الكنسي بالاستئناف عام 2013، وقضى، مع “مراعاة سنّه”، بعقوبة “حياة من الصلاة والتكفير عن الذنب في مكان منعزل، مع حظر أي اتصال بالقاصرين، والحرمان من المناصب الكنسية كافة، ومن إحياء القداديس، ومن تقديم أي توجيه روحي أو المشاركة في أحداث عامة، أو التصريح لوسائل الإعلام أو الكلام مع الضحايا”.

وعقب ذلك، نُقل لبكي إلى دير راهبات الصليب في بلدة برمانا اللبنانية التزاماً بحكم العزل، إلا أن ماريلان قالت إنه بقي متمتعاً بكامل نفوذه وحريته، حيث كن ينتقل بسيارة تابعة للكنيسة، ويلتقي ويمارس مهامه الكنسية ويحيي القداديس ويقوم بتعميد أطفال، والتقى وفوداً من الشباب والمراهقين.

وظهرت بعد ذلك حملات الدفاع عن لبكي في وجه الحكم الفاتيكاني، حيث شُكلت لجان قانونية وعائلية فضلاً عن “مؤيدين وأصدقاء”، أصروا على براءة لبكي من “مؤامرة محبوكة ضده”.

في حينها، أثار الاكتفاء بالحكم الكنسي، غضباً في لبنان، لاسيما من ناحية النشطاء الحقوقيين والجمعيات المعنية بحقوق الأطفال وضحايا الاعتداءات الجنسية، الذين اعتبروا أن “الصلاة” والحرمان من النشاطات الدينية والكنسية ليست بعقاب كاف لمجرم جنسي، فيما القضاء الكنسي لا يملك سلطة تطبيق عقوبات جزائية كالسجن مثلاً، فيما يعامل المجرم على أساس انه مرتكب “خطيئة”.

السجن 15 عاماً

في المقابل، بدأت المطالبات للكنيسة المارونية في لبنان، برفع الحصانة الدينية عن لبكي من أجل إفساح المجال لمحاكمته قضائياً في لبنان، ولكن دون نتيجة، حيث تتمسك الكنيسة في لبنان بحقها الحصري في محاسبة الكهنة ورجال الدين التابعين لها عبر محاكمها الخاصة.

بالتوازي كانت تشهد فرنسا أولى المحاولات لمحاسبة لبكي عبر القضاء المدني، إذ تقدّم عدد من ضحاياه بشكوى أمام القضاء الفرنسي عام 2013، لكنّ الحالات التي سجلت، والتي تعود وقائع الاعتداء فيها إلى تسعينيات القرن الماضي، اعتبرت ساقطة بمرور الزمن أو ما يعرف “بالتقادم”.

إلا أن العام 2016، حمل للبكي في شهر أبريل، مذكرة اعتقال دولية صادرة عن القضاء الفرنسي، بناء على متابعة القضية والتواصل مع عدد كبير من الضحايا الذين أدلوا بشهاداتهم أمام المحكمة، إلا أن لبنان رفض تطبيق الاعتقال وتسليمه إلى فرنسا.

في حينها شهد لبنان ذروة الحملات المدافعة عن لبكي، حيث جرى الترويج مجدداً لمؤامرة على لبكي تستهدف من خلفه كامل الكنيسة المارونية.

وبالتزامن، تقدّم لبكي بشكوى ضدّ بعض المدعيات ومحاميهنّ، بتهم التشهير والقدح والذم، و”تشكيل عصابة أشرار”، وفبركة ملفات للإطاحة به، والحض على الشهادة الكاذبة والتزوير، أمام القضاء اللبناني.

الصدمة الثانية جاءت في نوفمبر من العام الماضي، حيث أصدرت محكمة الجنايات في كاين، غربيّ فرنسا، حكماً يقضي بسجن لبكي لمدّة 15 عاماً، بعد إدانته بتهم الاعتداء جنسياً على أطفال، بناء على شهادة نحو أربعين امرأة فرنسية ولبنانية – فرنسية، من بينهن ثلاث مدعيات لم تسقط شكاواهن بمرور الزمن، جرى الاعتداء عليهن خلال الفترة الممتدة ما بين العامين 1991 و1998 حين أسّس لبكي وأدار مركزاً لأيتام الحرب الأهلية اللبنانية في فرنسا.

وتعقيبا على الحكم، قالت سيليست عقيقي، وهي ابنة أخت منصور لبكي، التي سبق أن اتهمته بالتحرش بها جنسياً، إن “الإدانة ستشكل اعترافاً ببراءة الضحايا. إنّه أمر أساسي لالتئام الجروح، خصوصاً أنّه لا يبدي أي ندم، ويقدم نفسه على أنه ضحية مؤامرة”.

وقدمت عقيقي من الولايات المتحدة الى فرنسا لتدلي بشهادتها، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية نشر في 11 سبتمبر 2021.

وفيما لم تطل التحقيقات حينها إلا الادعاءات الواقعة على الأراضي الفرنسية، فإن أقدم الادعاءات المعروفة ضد لبكي تعود إلى العام 1975، وآخرها يعود للعام 2005، وجرت بين لبنان وفرنسا، وفق ما أكدت في حينها محامية الضحايا في فرنسا صولانج دوميك، في تصريحات صحفية.

في حينها أيضاً، قال المدّعي العام باسكال شو، خلال مرافعته أمام المحكمة، إن لبكي “لم يتوقف أبداً عن تشويه سمعة المدعيات، وذهب إلى حد اتهامهنّ بالجنون”. وأضاف أن الكاهن اللبناني “مارس أيضاً ضغوطاً، مباشرة أو غير مباشرة، على بعض الضحايا أو عائلاتهم”.

كذلك وصف المدّعي العام التحقيق بأنه “كان طويلاً، طويلاً جداً”، كاشفاً أن لبكي “لم يتجاوب بتاتاً مع طلبات قاضي التحقيق، مدعياً أنّ لديه مشاكل صحية لم نتمكن من التحقق منها”.

وفي شهادتها أمام المحكمة،  قالت ابنة شقيقة لبكي، التي سبق أن اتهمته بالتحرش الجنسي بها حين كانت بعمر الـ 14، “كنت مجبرة على إخفاء الموضوع، صرت مثل الآلة، أخفي الحزن الذي يتملكني بابتسامة كاذبة. وحين كبرت، وهاجرت، صرت ألاحظ أنني أكره نفسي، وأن شعوراً بالعيب والعار يرافقني دوماً. كنت أشعر بوحدة داخلية رهيبة، وأوجه الحقد والغضب الذي كان يجب أن أوجهه للمعتدي، تجاهي. من دون علاج نفسي كنت سـأموت، أنا متأكدة من ذلك”.

الجندية الضحية

ورغم صدور الحكم الفرنسي قبل عام، استمر لبكي في التمتع بحصانته الكنسية في لبنان، وعيش حياته الطبيعية، إلى أن صدر قرار الفاتيكان قبل أيام، الذي أعاده إلى “الحالة العلمانية”.

خلف ذلك القرار، كان هناك جندية، ليست بالمجهولة تماماً، لكنها قامت بمعظم عملها خلف الأضواء، مدفوعة بمعاناتها، وهي ماريلان غانم، إحدى ضحاياه، التي روت كيف نجحت بإعادة قضيتها بعد مرور الزمن، ومثلها عدد من الناجيات، إلى الواجهة، والمجهود الحثيث الذي بذلته على مدى سنوات طويلة خلف الأضواء، وبأسلوب احترافي، حيث تواصلت مع أرفع المسؤولين في الفاتيكان، والمجمع الإيماني في روما، وعملت على جمع الأدلة والبراهين والوثائق، مدفوعة بحقها الشخصي، للحرص على فضح منصور لبكي، ونيله العقاب الذي يستحقه على ما كان قد فعله.

وتقول ماريلان لموقع “الحرة”: “منذ بداية عملي على هذا الموضوع، وكل الخطوات التي اتخذتها، كان الهدف منها أن نصل إلى هنا. كتبت كثيراً للفاتيكان حول هذا الموضوع، ولدي كل الوثائق والنسخ في هذا السياق، وتواصلت مع المجمع الإيماني المسؤول مباشرةً بعد البابا، عن هذا النوع من القضايا”.

وتضيف “طلبي كان ألا يقتصر الإجراء المتخذ بحق منصور لبكي على العزل، الذي كنا نعتبره مثيراً للسخرية، حيث يتلقى الخدمة ليلاً ونهاراً ويخرج من الدير ولا يعلمون متى يعود، ولديه سيارة يتنقل بها، ويشارك في مناسبات اجتماعية، كل ذلك وثقتُه على مدى السنوات بأدلة، وعملت على إيصالها جميعها إلى الفاتيكان، حيث كرست وقتي لهذه القضية واستفدت من وجودي في إيطاليا”.

على مدى تلك الفترة نجحت ماريلان بالتحدث لأكثر من مرة مع سكرتير البابا شخصياً، “للتأكد من أن مراسلاتي تصل إلى البابا، كذلك ذهبت إلى روما والتقيت برئيس مجمع عقيدة الإيمان، ودائما ما كنت أصل في نهاية مراسلاتي إلى سؤال الفاتيكان: “كيف تسمحون له بأن يبقى بصفة خوري؟”.

وتشرح السيدة اللبنانية التي تعيش في إيطاليا حاليا أن في أوروبا وفي الولايات المتحدة، تنزع صفة رجل الدين فوراً عن المرتكب فور أن يسجل اعتداء واحد على قاصر أو قاصرة، “بينما منصور لبكي في رقبته أكثر من 50 ضحية”، وتستدرك ماريلان، “هذا الرقم بعد الخصم، لأنه خوري منذ أن كان عمره 26 عاماً، اليوم بات عمره 82 عاماً، ولنا أن نتوقع حجم الضحايا”.

وتكشف ماريلان أنها تواصلت في مرحلة معينة مع بالفاتيكان، مستفهمة عن سبب التأخير بإجراءات سحب الصفة الكهنوتية من لبكي، “الجواب كان انه يجب على الكنيسة المارونية في لبنان أن تتخذ هذا القرار من جهتها، احتراماً للكنيسة الشرقية”.

في المقابل، تقول ماريلان إن “الكنيسة المارونية لم تعترف حتى اليوم بالإجرام الجنسي لمنصور لبكي، ولم تعترف في أي مرحلة من مراحل القضية أن هناك ضحايا له ولديهم أسماء”.

التحضير لتراتيل قبل عيد الميلاد.. وبداية الاعتداء

ماريلان كشفت لموقع “الحرة” عن قصة ما جرى معها بين الأعوام 1984 و1986، وكيف تلاعب الكاهن بها مستغلاً طفولتها ليقدم على اغتصابها بالقوة قبل أن يرحل عن لبنان إلى فرنسا حيث سينتقي من أطفال الميتم الذي افتتحه ضحاياه الجدد، بحسب ما تبين لاحقاً.

“كنت أنتمي إلى عائلة مسيحية غير متدينة، لكني كنت في مدرسة راهبات، وكان لدينا تحضير لتراتيل قبل عيد الميلاد. أخذونا إلى رعية منصور لبكي، وكنت متحمسة جداً، لاسيما بعدما شاهدت طريقته العصرية في ترتيب الكنيسة، كان قد وضع الآلات الموسيقية داخل الكنيسة، حيث تتردد تراتيله، كرسي الاعتراف على المذبح وليس خلف ستائر، وبالتالي كان مشهداً غير معتاداً بالنسبة إلي في الكنائس التقليدية”.

تضيف ماريلان “كنا في مدرسة للبنات فقط، ورأيت أن رفيقاتي يقمن بالاعتراف في الكنيسة، فتشجعت وقررت أن أفعل مثلهم”، وتذكر ماريلان أن عمر الـ 14 عاماً في حينها لم يكن كما هو حال أبناء هذا العمر اليوم، وتتابع “لا أذكر بماذا اعترفت، ولكني أذكر أنه قال لي: “داخلك جميل كما وجهك الجميل”، في حينها لم أفهم شيئا من كلامه لصغر سني، ثم أضاف “أريد زيارتك في منزلك، أين منزلك؟”.

هنا بدأت ماريلان تشعر بأنها مميزة، وفق كلامها، “فمنصور لبكي يمثل اسم كبير في لبنان، ليس من الطبيعي أن يقرر زيارة أي أحد في منزله، شعرت بأنني مهمة جداً، ذهبت إلى المنزل وأخبرت أهلي الذين سخروا مني واعتبروا أنه يجاملني بقوله إنه سيزورنا، ولكنه لن يفعل، وحينها صدقت ذلك، إلى أن حضر منصور لبكي بالفعل إلى منزلنا، بعد 10 أيام، كانت مفاجأة للجميع، واحتشدت العائلة لترحب ب “الأبونا” وتستقبله وتشكره على زيارته”.

ظن أهل ماريلان أن هذا الخوري جاء ليساعد ابنتهم أو ليكون “مرشداً روحياً لها”، وفق ما تروي. “لم يشك أحد في نواياه، بكونه منصور لبكي بصيته وسمعته. لا أذكر تفاصيل الحديث الذي كان جارياً لكنني اذكر حين هم بالرحيل وطلب مني مرافقته إلى السيارة، أذكر تماماً أنها من نوع سيتروين حديثة في حينها، وكان معه أيضاً هاتف خلوي لم يكن منتشراً في وقتها بين الناس بل كان في أول مراحل إصداره.”

“رافقته إلى الخارج وأثناء نزولنا على الدرج، توقف لتوديعي، فاقترب ليقبلني، فأدرت له خدي، وإذ به يقبلني في فمي. ظننت حينها أنني أدرت خدي بالاتجاه الخاطئ، إلى هذا الحد كنت بعيدة عما سيجري لاحقا، خجلت جداً ولم أتجرأ حتى على الاعتذار، فيما كانت ردة فعله عادية جداً وكأنه شيئا لم يحصل”.

وتتابع ماريلان “في المرة الثانية التي حضر فيها إلى منزلنا تعرضت منه لأول لمسة جنسية، أصبت حينها بصدمة جعلتني أتجمد في مكاني دون أي تصرف أو حركة، وكأن دماغي توقف عن العمل في لحظتها، وكنت شبه غائبة عن الوجود. وفي ذلك الوقت لم يكن لدينا الثقافة الجنسية والوعي الجنسي، فيما كان هناك قناعة اجتماعية لدينا كنساء حينها، أن أي اعتداء جنسي نتعرض له، هو ذنبنا وخطأنا، وهذا التفكير كان مزروع في داخلي تشربته من المجتمع، وهذه كانت الفكرة التي استحوذت علي في حينها وبدأ الشعور بالذنب”.

تكررت زيارات لبكي إلى منزل ماريلان، وتكررت اللمسات الجنسية وفق ما تؤكد، “بدأ يقنعني بأنه مغرم بي، ويتمنى لو أنه تعرف علي قبل أن يصبح خوريا، وأنه لا يستطيع أن يرحل عن الكنيسة لكي يتزوجني، وشرع في محاولة إقناعي بأنني أذكى فتاة قابلها في حياته، وهذا كله كلام من السهل أن يمر على فتاة بعمر الرابعة عشر”.

إلى أن اتصل في يوم من الأيام طالباً منها مرافقته إلى حريصا، في حينها تقول ماريلان “شعرت بفخر كبير أنني سأرافقه أمام الجميع إلى ذلك الصرح الديني، وإذ بي أجد نفسي في منزل في منطقة أنطلياس، في هذا المنزل، رمى بي على سرير وقام قام باعتدائه الكامل علي”.

بعد هذه الحادثة، التقت ماريلان بلبكي لمرة واحدة فقط، سافر بعدها إلى فرنسا عام 1986، وفق ما تؤكد، “كان قد أصبح عمري 16 عاماً، حين اتصلت برعيته وقالوا لي إنه سافر إلى فرنسا، شعرت حينها بصفعة استيقظت منها على كل ما حصل معي، وبدأت رحلة معاملتي لنفسي بطريقة قاسية جداً ومهينة، ازداد معها شعوري بالذنب، كنت أنعت نفسي بعبارات مسيئة لكوني سمحت له باستغلالي وخداعي، ودخلت في اكتئاب قوي جداً”.

لم يكن في متناول ماريلان في ذلك الوقت، الوسائل اللازمة لكي تستوعب ما جرى معها، وفق ما تلفت، “في المجتمع اللبناني حينها، الذهاب إلى الطبيب النفسي كان يعني أنك مجنون، وليس لدي الثقافة الجنسية اللازمة لمعرفة أنني تعرضت للاستغلال، لهذا السبب استطاع منصور لبكي أن يتعدى على الأطفال، ولاسيما الأيتام الأكثر ضعفاً وحاجة للحماية”.

تعتذر ماريلان عن قساوة كلامها، قبل أن تؤكد أن منصور لبكي حول المياتم إلى “مصدر دائم للحم الطازج، بالنسبة له”، فمنصور لبكي بحسب ماريلان، “لم يتعامل في المقابل مع بشر، بل اعتبرهم أشياء أو قطع لحم”.

وتوضح “أنا إنسانة متحررة جداً جنسياً، ولا أرى أن اعتداء منصور لبكي عليّ قد سلبني شيئا مقدساً، فمبدئي ليس منطلقا من فكرة الطهارة، لكني أنظر إلى التعدي من منظار أنه يسلب شخصاً آخر أي شيء بدون إرادته، هذا التعدي الذي يسلب الحياة والأفكار، هذا هو المفهوم الحقيقي للاغتصاب، حيث أجبرني على فعل لم أكن أريده، عبر التلاعب بأفكاري في طفولتي”.

الكنيسة.. بين اتهام الدفاع والرد

حتى العام 2013 لم يكن أهل ماريلان على علم بعد بما جرى معها، “كل ما كنت قد قمت به سابقاً، كنت لوحدي، وأهلي لا يعلمون، إلى أن جرى رمي أسمائنا كضحايا مشتكين على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل محامي منصور لبكي، رداً على نشرنا لمضمون حكم الفاتيكان الذي قضى بعزله، حيث اضطررت للاتصال بأهلي، وإخبارهم بكل ما جرى بعدما رأيت اسمي على موقع فيسبوك”.

وفي استعراضها للأسباب التي منعتها في حينها من التحدث بما جرى، تقول ماريلان إن “الإنسان ابن البيئة وابن الظروف وابن حريته، حين تتأمن له الظروف المناسبة ليتحدث سوف يتحدث.”

وتسأل “كيف يا ترى امرأة اعتدى عليها منصور لبكي حين كانت طفلة، قادرة على الاعتراف بما تعرضت له إن كان رؤساء الكنيسة المارونية لا يؤمنّون لها الأرضية اللازمة لتتحدث؟ كيف للبنانية ابنة ثقافتها ومجتمعها أن تقاوم النظرة الذكورية التي تقول لها: “لو لم تكوني كذلك لما تعدى عليكِ”، كيف لهذه المرأة ان تقف على قدميها وتقول هو تعدى علي؟ هنا مسؤولية رؤساء الكنيسة المارونية، بدلا من تجريم المرأة لأنها تعرضت للتعدي، والبحث عن مبررات للاغتصاب والتحرش.”

وتتابع “ما اكتشفته في قضية منصور لبكي أن المشكلة تكمن في تعامل الكنيسة المارونية مع هذا النوع من القضايا، حين ينتمي شخص ما إلى مؤسسة يمكن لهذه المؤسسة ألا تعرف حقيقة الموظف لمدة سنة أو سنتين أوثلاث سنوات، ولكن أن يبقى نحو 50 عاماً في هذه المؤسسة يمارس كل هذا الإجرام، فهذا يعني أن ظهره مغطى، وأن هناك مشكلة لدى المؤسسة الكنسية في تربية الكهنة لديها.”

المشكلة الثانية، بحسب ماريلان، أن “الكنيسة دائما ما كانت تعلم، ولكن سياسة رؤساء الكنائس كانت حين يعلمون بهذه السلوكيات، يغيرون رعية الخوري فينقلونه من مكان إلى آخر، حيث يتاح له مكان جديد ورعية جديدة ليؤذيها، وهذه السياسة معتمدة في لبنان”.

ماريلان وصلت في حديثها إلى حد اتهام الكنيسة المارونية في لبنان بالتواطؤ مع لبكي، والتستر عليه، وصولاً إلى الدفاع عنه علناً، وتستذكر تصريحاً للبطريرك الراعي، في مارس 2016، نشرته وسائل إعلام محلية بينها المؤسسة اللبنانية للإرسال LBC، حصل على هامش لقاء في معهد القديس يوسف للآباء اللعازاريين في بلدة عينطورة، أشار خلاله الراعي إلى “وجود حملة تجن” على لبكي، مضيفاً أن “لها أسبابها وتحمل الكثير من الكذب”، مؤكداً أن بين يديه ملفات تثبت ذلك، سلمها للبابا فرنسيس.

وأكد الراعي حينها أن الحملة بدأت عندما أنشأ لبكي بيتاً في بلدة لورد الفرنسية وكان يعمل فيه أناس، وبعدها سلمه لراهبات الصليب، “وهذا ما أزعجهم. فبدأت الحملة ضده”، معتبراً أن “المحاكم تحركت هكذا من دون سؤال أو جواب، وحدث ما حدث. وصدرت الإشاعات، تارة بالحرم وتارة بمحاكمات أخرى.”

تكشف ماريلان أنها كانت خلف ترجمة هذا التصريح وإرساله إلى الفاتيكان، وتضيف “روما تدخلت فوراً، وبعد تقريباً شهر اضطرت البطريركية أن تخرج بتصريح تتهم فيه الإعلام بالكذب، والقول إنه تم التلاعب بكلام البطريرك الذي لم يقل ذلك، لكن الأمر لم يمر على أحد بسبب وجود فيديو يوثق ما قاله البطريرك. وكان قد انتشر أصلا”.

وكانت البطريركية المارونية نفت في بيان نشرته وسائل إعلام لبنانية بينها موقع “القوات اللبنانية”  في 23 أبريل 2016، “العمل على تبرئة المونسنيور منصور لبكي بما أدانه به الكرسي الرسولي”.

وكشف البيان عن عدد من النقاط، من بينها أن قرار الفاتيكان الصادر بحق لبكي “لا يمكن لأحد المس به، من قريب أو بعيد، سوى الجهة التي أصدرته”، وأن البطريرك ” لم يكن يومًا ولن يكون متساهلًا، بأي شكلّ من الأشكال، في موضوع التحرّش الجنسي الذي يعتبره جريمة بحق كل من اعتدي عليه، وهو أمر غير قابل لأي تردد أو مساومة على الإطلاق”، إضافة إلى أنه “لم يوصد بابه يوماً بوجه أي ِشخص طلب التحدث إليه بهذا الشأن أو سواه.”

وأضاف البيان أن الراعي تلقى “بعض المستندات ذات الأهمية بشأن القضية، فرأى من واجبه كأب ورأس للكنيسة المارونية أن يضع تلك المستندات بين يدي قداسة البابا فرنسيس، وهذا كل ما فعل”.

وتسأل ماريلان “لماذا لم يعتذر البطريرك الراعي منا حتى اليوم علانية كما اتهمنا علانية؟ رغم كل ما تكشف وتوضح، لما لا يطلب من الضحايا السماح بعدما تبين اننا كنا نشهد للحق؟ ألا يتراجع عن خطواته؟ كلامه قاله على التلفاز فلماذا لا يتراجع عنه من على المنبر نفسه؟ مع ما سيمثله ذلك من تشجيع للضحايا، بوقوف الكنيسة إلى جانبهم، للتحدث عما جرى معهم وكشف كامل الملابسات عن منصور لبكي”.

وتضيف “لم تقم الكنيسة المارونية بأي مبادرة من ناحيتها لإنصاف الضحايا أو إدانة لبكي، الكنيسة المارونية وبكونها كاثوليكية اضطرت للخضوع رغما عنها، وتقبل القرار الصادر عن الفاتيكان، لكن لم يخرج أي تصريح يقول إن منصور لبكي مجرم جنسي”.

وتتحدث ماريلان عن ضغوط كبيرة مارسها الضحايا في فرنسا من أجل مقابلة البطريرك خلال زيارته عام 2016، “تحدثنا معه في النهاية، ولكن ذلك لم يؤثر عليه بشيء، رغم انه أبدى تأثراً وتعاطفاً معنا، وزعم انه إلى جانب الضحايا، لكنه لم يبذل أي مجهود لأجل الضحايا، حتى أنه لم يدل بتصريح واحد حتى اليوم حول الضحايا أو يعترف بما يدين منصور لبكي.”

برأي ماريلان أن “صورة الكنيسة وسمعتها أهم من حقوق ضحايا الجرائم الجنسية، تخيل أنهم يفضلون إخفاء هذا الأمر من أن يعترفوا به، ويعود ذلك أيضاً إلى أنهم إذا ما وجهوا له اتهام، منصور لبكي قادر أيضاً على نشر غسيلهم هم في الخارج، أرى أن هناك اتفاق ضمني فيما بينهم، لحماية بعضهم البعض، كما في السياسة، وهناك فن التقية تمارسه الكنيسة المارونية في هذا الموضوع.”

وتتابع “الكنيسة المارونية لم تخرج بأي موقف علني يدين منصور لبكي ويشجع الضحايا على الكلام، لأنها تخشى من أن هكذا خطوة قد تفتح الباب أمام اعترافات أخرى وقضايا أخرى من شأنها أن تمثل فضيحة، فضلا عم إمكانية وجود متورطين في ملفات مشابهة فيحمون أنفسهم عبر بعضهم البعض.”

“لم تكن الملابسات واضحة”

هذه الاتهامات نقلها موقع “الحرة” إلى رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، الأب عبدو أبو كسم، الذي تساءل “كيف تسترت الكنيسة على منصور لبكي وتقوم بتبييض صفحته، وهي التي التزمت بكل الأحكام الصادرة عن الفاتيكان بحقه، فيما أبدى البطريرك الراعي كل الاحترام والالتزام؟”.

وفي تعليقه على تصريح البطريرك الراعي عام 2016، يقول أبو كسم: “في حينها كان لا يزال لبكي تحت المحاكمة، ولم يكن هناك حكما صادرا بحقه بعد، والمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، وفي حينها لم تكن كل الملابسات واضحة بعد، كان هناك تعاطف من الناس، لكن من بعدها لم يقدم البطريرك أي تعليق في هذا الشأن بعدما تبين معطيات أخرى، لم يذهب ويقول لهم لا تحاكموا منصور لبكي، بالعكس كان متعاوناً إلى أقصى الحدود، لاسيما بعدما تبين له من بينات وبراهين.”

وعن سبب عدم اعتذار الراعي من الضحايا بعدما كان قد اتهمهم، يجيب أبو كسم ” اسألوا غبطته (البطرك)، هذا الأمر يعود له الرد عليه. ولكن البطريرك أخبرني مرة أنه كان قد التقى بالضحايا في فرنسا خلال زيارته، وقال لهم الكلام الذي يقوله دائما أنه إذا كان هذا الرجل مذنب فنحن نلتزم بتدابير الفاتيكان وما يقوله القضاء. وهذا ما أعرفه عن موقف البطريرك.”

في الوقت نفسه يقول أبو كسم إن “الكنيسة ليست في وارد التشهير بكهنتها ولا بالناس، ومع ذلك القرار الصادر قبل يومين جاء نشره بناء على طلب راعي أبرشية بيروت المطران بولس عبد الساتر وهذا واضح في النص، فكيف تكون الكنيسة متسترة؟ أما من قبل فلا أحد يمكنه ان يدين أحد قبل الحكم”.

لا اعتذار.. حتى الآن

وعما إذا كانت الكنيسة المارونية في لبنان، قد فتحت تحقيقاً خاصاً من جانبها قبل أو بعد حكم الفاتيكان، بكونها المؤسسة الأولى التي ينتمي إليها لبكي، يجيب أبو كسم “لماذا تجري تحقيقاً طالما أن الفاتيكان وضع يده على القضية؟ الشكوى كانت في الفاتيكان، والفاتيكان حاسب الجميع في هذه القضية وكانت النتيجة ما حصل أن أعيد إلى الحالة العلمانية”، نافياً أن يكون أحد على علم بارتكابات لبكي وتستر عليه “حيث كان الفاتيكان سيعرضه للمساءلة أيضاً.”

أما عن غياب أي إدانة واضحة صادرة عن الكنيسة المارونية للبكي، يقول أبو كسم: “حين تتحدث المحكمة العليا في روما نحن لا نتحدث، ننحن ننفذ ما يقوله الكرسي الرسولي ومجمعية الإيمان والقضاء ننفذه، أما لناحية الاعتذار من الضحايا فهذا الأمر يعود إلى البطريرك الراعي ورئيسه الكنسي، وعلينا الانتظار أيضاً فالأمر لا يزال جديداً والقرار صادر منذ أيام، وبالتالي من الممكن أن يتبعها خطوات أخرى من الكنيسة.”

ما قصة الخوري الثاني؟

يذكر أن كاهناً آخر شمله قرار الفاتيكان، وهو جورج كريم بدر، الذي ورد اسمه في تعميم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، فيم لم تعرف تفاصيل قضيته، الأمر الذي عزز من نظرية تستر الكنيسة على هذه القضايا.

بدر رد عبر بيان صادر عنه على تداول اسمه، مؤكداً أنه “لم يتبلغ بعد بأي قرار من اي مرجع كان يتعلق بحرمانه من رتبته الكهنوتية”، معتبراً ما نشر “حملة تضليل مدسوسة”.

وشدد بدر على “استمراره في رسالته الكهنوتية والارسالية معاً”، مشيراً إلى انه “لن يتوان عن ملاحقة كل من يمس بسمعته وكرامته امام المحاكم المختصة.”

من جهته يكشف أبو كسم أن بدر كان كاهنا في كنيسة مار تقلا في منطقة الحازمية، وقضيته تتعلق أيضاً بتحرش جنسي، بناء على شكاوى وردت بحقه، حولها المطران عبد الساتر إلى الفاتيكان فوراً، فكان البت سريعاً بقضيته، “وهذا دليل آخر على أن الكنيسة لا تتهاون مع هذه الممارسات.”

وعما إذا كانت الكنيسة تنتهج التستر مع كافة الحالات التي ترد شكاوى بشأنها، يقول أبو كسم “حسب القضية، هناك حفاظ على كرامة الشخص، لعل الاتهامات باطلة وتحمل تجن، ولكن حين يصبح هناك حقيقة واضحة وحكم مبرم تسحب يدها الكنيسة، والمتضررين منه اليوم بإمكانهم محاكمته مدنياً.”

وعن وجود حالات أخرى مسجلة في هذا السياق في لبنان، يقول أبو كسم قضية لبكي كانت الحالة الأولى، واليوم بات هناك حالتان، هناك قضية ثالثة يتم التحقيق فيها وقد يكون هناك قضية رابعة، ولكن حفاظا على كرامة الشخص إن لم تكن مثبتة القضية بشكل جلي، ينتظرون انتهاء المحاكمة، وفي الوقت نفسه يتم عزل هؤلاء لوقف أي أذى محتمل من ناحيتهم”.

“لا كلام بعد البابا”

موقع “الحرة” تواصل أيضاً مع أبرشية بيروت المارونية، والتي كان يتبع لها لبكي، حيث أوضح مصدر في الأبرشية، رفض الكشف عن هويته بسبب وجود قرار بعدم التعليق على القضية، أن القرار الذي وصل من الفاتيكان إلى المطران عبد الساتر، أُبلغ إلى كل المعنيين وأصحاب العلاقة الكنسيين والمدنيين الواجب إبلاغهم به.

وأضاف المصدر أن “مضمون القرار نفذ بحذافيره، ومن غير المسموح إعلان مضمون القرار إلا بعد مراجعة الفاتيكان، بكونه صادر عن البابا فرنسيس، إلا أن المطران عبد الساتر قام بكل ما يمكن أن يقوم به في قضية منصور لبكي منذ تعيينه قبل ثلاث سنوات”.

وعن موقف الأبرشية المارونية في بيروت مما حصل، يؤكد المصدر أن المطران عبد الساتر “يكرر دوما موقفه الثابت أن لا تساهل مع كل معتدي ومتحرش جنسي بالقاصرين، ولم يبق هذا الموضوع مجرد أقوال، بل ترجم إلى أفعال حين قامت أبرشية بيروت المارونية بخطوة هي الأولى من نوعها، عبر افتتاح مكتب لتلقي الشكاوى المتعلقة بالاعتداءات الجنسية بحق القاصرين”.

أما لناحية الاعتذار من الضحايا والاقرار بجرائم لبكي، يقول المصدر “بالنسبة إلى الأبرشية، بعد قرار البابا فرنسيس، ليس هناك من كلام يضاف عليه”.

ماذا عن أعماله وتراتيله؟

القرار الأخير الصادر عن الفاتيكان، أدى إلى التباس كبير وأثار جدلا في لبنان حول مصير التراتيل والكتابات والأعمال المسجلة للبكي، والتي لا تزال تستخدم في الكنائس حتى اليوم، وهو سؤال لم تقدم أي جهة تواصلنا معها جواباً شافياً عليه.

وفيما تجنب مصدر أبرشية بيروت الإجابة على هذا السؤال، يقول أبو كسم “ليس لدي فكرة، بانتظار أن نطلع على طبيعة القرار، فإذا كان فقط إحالته على الحالة العلمانية، هناك كثر في الحالة العلمانية يمكنهم كتابة التراتيل، أي شخص يمكنه أن يكتب ترتيلة، سعيد عقل كتب ترتيلة، وزياد الرحباني كتب ترتيلة، لذا علينا أن نرى ما يقوله الحكم، إذا ما كان يمنع نشر تراتيله ويمنع ظهوره الإعلامي، أم لا”.

من ناحيتها، ترى ماريلان واجباً على الكنيسة المارونية في لبنان “أن تأخذ موقفاً من تراتيل منصور لبكي وكتاباته، وأنا تواصلت مع أصدقائي ومعارفي في لبنان، وطلبت منهم أن يتوجهوا إلى المطران في كل رعية لا تزال تعتمد تراتيل منصور لبكي وأن يطلبوا منهم وقف اعتمادها لكونه شخص مدان بالاعتداء الجنسي على الأطفال”.

وتضيف “السؤال هو هل الكنيسة المارونية كاثوليكية أم لا؟ إن كانت كذلك فعليها أن تخضع لهذا القرار ولو بعدم إرادتها، حيث لا يمكن اعتماد هذه التراتيل بعد الآن”.

محامي لبكي: خدعوا البابا وغشوه

يشدد محامي منصور لبكي أنطوان عقل على أنه تجاوز مرحلة الدفاع عن شخص لبكي، حيث يرى أن بين يديه “قضية حق وعدالة”، معتبراً أن لبكي “يتعرض لظلم كوني لم نشهد له مثيلاً منذ أيام حامورابي، لم تحصل أن يمنع متهم من الدفاع عن نفسه في محكمة”، مشبهاً لبكي بـ “جان دارك” التي حكم عليها بالحرق ثم أعلنت قديسة بعد 500 عام.

ويرى لبكي أن المؤامرة بدأت حينما لم يدع لبكي إلى فرنسا ولم يعط فرصة للدفاع عن نفسه، مستشهداً ببريد إلكتروني من السفير البابوي في فرنسا، يتعهد فيه لإحدى الشاكيات “بعدم السماح لمنصور لبكي بالحضور إلى فرنسا والتقدم بدفاعه عن نفسه بعد التواصل مع المراجع العليا في فرنسا”.

هذه المراسلة، يقول عقل أنه حصل عليها من خلال عملية قرصنة قام بها “أحد محبي لبكي”، على حد وصفه، حيث “استطاع الولوج إلى البريد الالكتروني للشاكيات، ووضع الملف أمام باب لبكي، لنكشف من أحاديثهم أنهم يحرضون بعضهم البعض ويلقنون بعضهم الشهادات التي كانوا سيدلون بها أمام المحكمة في فرنسا، وفيها تقول إحدى الشاكيات، لم يلمسني منصور لبكي أبداً، ولكن إذا ضغطنا قليلاً يمكننا تحصيل بعض الأموال”.

إلا أن القرصنة تعتبر عملاً غير قانوني، وبالتالي كل ما ينتج عنها من أدلة محتملة لا يمكن الركون إليه في المحاكمات، وعلى ذلك يرد عقل “صحيح أن هذه الأدلة مقرصنة لكنهم لم ينكروها. وبالتالي المهم أن التآمر حاصل واقعياً”.

في هذا السياق، تصادق ماريلان على صحة حصول عملية القرصنة، وتضيف “قاموا بقرصنة حساباتنا من أفريقيا، وركبوا وثائق إضافية للإيحاء بوجود مؤامرة، وقد وثقت هذا الأمر، وفي الحقيقة هذا هو الملف الذي كان بين يدي البطريرك الراعي حين ادعى أن أمامه وثائق تثبت براءة لبكي، وأخذها معه إلى روما ليعيدوا النظر بمحاكمة منصور لبكي”.

تضيف ماريلان “حين اطلع القاضي على هذه الوثائق سخر منها ورماها جانباً، قائلاً “هذا الأمر لبناني إلى أقصى حد”، فضلاً عن كونه ملف غير مترابط يعتمد على انتقاء أحاديث من هنا وهناك بتواريخ متفرقة وأحداث غير مترابطة، لذا لم يؤخذ به”.

حول ذلك يقول محامي لبكي “قمنا بتقديم ما يسمى بملف استغاثة للبابا، مفاده أن منصور لبكي لم يستطع الدفاع عن نفسه أثناء سريان المحاكمة، وقام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بتسليمها للبابا عام 2016، لكن قداسة البابا حول الاستغاثة إلى محافظ مجمع العقيدة الكاردينال لويس لاداريا، المدعى عليه في لبنان من ناحيتنا بالشهادة الكاذبة والحض على الشهادة، ما يعني أن لادريا، كان الخصم والحكم في الوقت نفسه”.

القضية، بحسب عقل، “..مؤامرة كبيرة على لبكي”، وبالنسبة إلى عقل لم يحظ موكله بفرصة عادلة للدفاع عن نفسه، “حين وصل إلى روما بناء على طلب المطران السابق لأبرشية بيروت بولس مطر، وضعوا إلى جانبه شرطي في المحكمة وكأنه مجرم حرب، وأعطوه مهلة ساعة وربع فقط، ليقرأ 206 صفحات، كيف يقرأ كل ذلك في هذا الجو من حوله؟ في العادة يحصل المتهم على نسخة من الشكوى ويعطونه المهلة الكافية للاطلاع عليها من أجل الدفاع عن نفسه، لكنهم رفضوا ذلك في روما، وبالتالي حكموه دون أن يطلع على الشكاوى بحقه”.

وينفي عقل أن يكون موكله قد اعترف أمام محكمة الفاتيكان باعتدائه على 3 فتيات، وفق حكم الفاتيكان، معتبراً أن البابا فرنسيس “تعرض للغش والتضليل”، فيما انتقل الملف إلى المحكمة الجزائية في فرنسا دون أن يحصل أيضا على فرصة للدفاع عن نفسه او الحضور بكونه كان قد خضع لعمليات جراحية في القلب حينها، وبدلاً من تأجيل المحاكمة ساروا بها”.

ويضيف “أنا رجل مؤمن وأخضع للبابا في القضايا العقائدية، أما في القضايا الأخرى فهو معرض للغش والتضليل، فهو إنسان في نهاية الأمر”.

عقل يذهب بعيداً في نيته متابعة القضية، حيث يرى أن الفاتيكان شيئا فشيئا، “يسلب الكنيسة المارونية في لبنان دستورها ويلغيه”، ويسأل “أليس لدينا محاكم في لبنان كي يطلبوا ذهابه إلى روما؟” ويضيف “سأعيد هذه المحاكم إلى لبنان، فروما تنتزع حقوق الطوائف الشرقية، وقضية لبكي ستتسبب بثورة في هذا المكان فلينتظروها”.

اليوم سيعود لبكي إلى منزله، بحسب محاميه، إذ أنه “يملك الكثير من المنازل والعقارات والأراضي التي وهبها للكنيسة والرهبان وعمل الخير، بما فيهم منزل والدته، ولكني سوف ألغي كل تلك الهبات بسبب الجحود، الذي يعتبر السبب الوحيد لإلغاء الهبات لدى جميع الطوائف”.

ويتابع “أنا نصحته بأن لديه مركزاً في جبيل اسمه “كفرسما”، فليذهب إليه، وما بينه وبين ربه لا يحتاج لأحد، لا في الصلاة ولا في الصوم، لأننا في معركة مع هؤلاء الرومان، ستؤدي بالنتيجة لعودتنا إلى المجمع اللبناني الذي صوت عليه البابا بينيديكتوس الثالث عشر عام 1736، حينها سنسترجع حقوقنا، بينما في روما يمكن شراءهم وبيعهم..”.

ورداً على كل ما سبق، يرى رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام أن “مجمع العقيدة والإيمان، هو أهم مجمع في الكنيسة يستحيل أن تكون الأمور شخصية هناك، هذا كلام غير صحيح، فليقول ما يريده في النهاية هو محامي وعليه واجب الدفاع”.

ويضيف أبو كسم “بالتأكيد حصل لبكي على فرصته بالدفاع عن نفسه، لا أعلم ماذا يريد أكثر من ذلك، ولكن أعطوه كامل الحق في الدفاع، وسارت المحاكمة كما يجب، والدليل أن المحاكمة مستمرة منذ 10 سنوات، هل كانت نائمة الدعوى؟ كان فيها أخذ ورد واتهام ودفاع”.

ويرد أبو كسم “البابا لا يخدع، لا يمكن قول ذلك، ولا يمكن رد المحاكمات إلى لبنان لا يمكن العودة إلى البداية. كل ذلك كلام من أجل التبرير والدفاع، ولكن المنطق ليس كذلك، حين يصدر حكم عن البابا يكون مدروس جيدا ولا يقبل الاستئناف فهو السلطة الأعلى في الكنيسة”.

من ناحيته، يستبعد محامي لبكي أن تتم ملاحقته في لبنان، “ففي هذا النوع من الأحكام الصادرة في الخارج بحق مواطن لبناني، يصل الحكم إلى المحكمة الاستئنافية، التي بدورها لا تعطي الحكم الصيغة التنفيذية إذا كان هناك اعتراض من ناحية المدعى عليه، وحتى لو حصل الحكم على الصيغة التنفيذية لا يمكن طلب استرداده بكونه لبناني لا يمكن محاكمته في الخارج.”

أما عن إمكانية التقدم بدعوى لمحاكمته في لبنان يقول عقل “بعد 30 أو40 عاماً، وفي ظل عدم وجود أي دليل أو إثبات على حصول التحرش أو الاغتصاب، وغياب أي تقرير طبي يثبت ذلك، لا يمكن الأخذ بهذه الاتهامات في المحاكم اللبنانية”.

لم أعد ابنة الـ14 عاما

وفقاً لأبو كسم “لبكي صار اليوم بلا أي صفة إكليريكية، ولا يمكنه ممارسة أي سر من أسرار الكنيسة، وإذا كان على الإكليريكي يراجع رئيسه الكنسي للمثول أمام القضاء، فإن لبكي صار خارج إطار الترتيب الكنسي، وإذا كانت ثمّة ملفات ودعاوى قضائية في حقّه، فإنّه سوف يخضع كأيّ مواطن لبناني للقوانين”.

تأسف ماريلان لكونها غير قادرة اليوم على رفع دعوى قضائية على منصور لبكي في لبنان بسبب قانون مرور الزمن على هذا النوع من القضايا، “ولكن رغم ذلك، حين قررت أن أخرج إلى العلن وأتحدث عما جرى كان هدفي أولا وقبل كل شيء كشف الحقيقة، وثانياً من أجل كل امرأة لم يمر الزمن بعد على قضيتها أن تتشجع اليوم وتكشف عما جرى معها وترفع على منصور لبكي دعوى مدنية”.

وتضيف “قد لا يؤثر بالنسبة إلى الضحايا إذا ما كان منصور لبكي بصفة خوري أم لا، ولكن أهمية هذا القرار الأخير بالنسبة إلى قضيتنا أنه يرفع عنه الحصانة، فكل رجل دين في لبنان لديه حصانة معينة، من عمامته وثوبه وطائفته والسياسيين الذين يحموه ولديه كلمته وشعبيته، لذا كان من المهم جداً أن تسحب منه هذه الحصانة، ما يجعله اليوم غير محمياً إلا من قبل قلة لا يزالون حوله يحاولون حمايته لكونهم يعيشون في نكران ولا يرضون بتصديق ما حصل”.

قرار الفاتيكان الأخير، أغلق الفصل المتعلق بمنصور لبكي في حياة ماريلان، وفق قولها، ” القصة انتهت بالنسبة إلي، لأنني ما عدت سأسمح بانسياقي لها أن أبقى تحت تأثير منصور لبكي ومرتبطة به، واليوم لن أعطيه الفرصة بعد للسيطرة على حياتي والتأثير بها. لم اعد ابنة الـ14 عاماً”.

وتختم ماريلان “أنا قمت بكل ما يمكنني القيام به، وحضرت الأرضية تماماً لأي تحرك قضائي وصولاً إلى نزع الحصانة عنه، واليوم يصبح الدور على من تتوفر فيها حداثة القضية ان تلاحق منصور لبكي في لبنان، لينال جزاؤه، وإن صدر غداً قراراً في لبنان برفع صفة مرور الزمن عن قضيتي، مستعدة في اليوم نفسه أن أتوجه إلى لبنان وارفع دعوى للاقتصاص من منصور لبكي”.

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here