حلقةٍ مُفرغة ..

عبدالمنعم الاعسم

قد يساعدنا علم الاقتصاد في توصيف ما يجري على صعيد “حراك” اصحاب الاطار التنسيقي للعبور الى شاطئ التوافق، الحلم، وسعيهم الى عقد جلسة ناجزة، شفافة، لمجلس النواب، ثم انتخابٍ سلسٍ الى منصب رئيس الجمهورية من ثلثي عدد المقاعد، واخيرا، نحو تكليف محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة محاصصة، مُلطّفةٍ، مرضّيٍ عنها، ومضمونٍ مرورها بالتصويت المريح بـ 50 زائد واحد من عدد اعضاء مجلس النواب، وقبل ان يستتب الامر تنقلب المعادلة بفعل استحقاقات الشركاء المتشابكة من الوزارات والمواقع السيادية واسلاب الدولة العميقة من ميزانيات الهيئات المستقلة (الموسرة) فيتخبط الجميع بسلسلة من المآزق والتنافرات والانشقاقات( وفجأة ايضا) تعود اللعبة الى جلسة أخرى للبرلمان الذي سقط بيد المهزومين في الانتخابات، ثم تدور الحلقة المفرغة على نفسها مرة اخرى ومرات، طالما ان الفاشلين، الموغلين بالفساد، والمطلوبين الى المساءلة عما ارتكبوه من خطايا يتحكمون في مسارها.

حين تشكل التحالف الثلاثي (الصدريون والسيادة والبارتي) وبدأ يعد لتشكيل حكومة الاغلبية انبرى اصحاب الاطار الى العويل احتجاجا بالقول ان امتياز المكون المجتمعي الاكبر “الشيعة” سييتراجع من منسوب النصف الى موقع الثلت، بين الكرد والسنة، وسيفقد امتياز الاكثرية وتحكمه بسلطة القرار، بل و(يقولون) سيكون ممثل الشيعة تحت رحمة الحليفين اللذين سيمليان ارادتهما عليه، ويقودان البلاد الى “التطبيع” والفيدراليات والتقسيم، وقد تابعنا آنذاك كيف اندفع ساسة الاطار النافذين، وقادة المليشيات الى التلويح (وقل التهديد) باعلان العصيان المسلح في حال جرت الامور في صالح الاكثرية البرلمانية.. الامر الذي خلق جوا سياسيا ومجتمعيا مشحونا بالتوتركاد ان يسفر(في تداعيات لا حقة) عن مجابهات مسلحة شيعية شيعية، وحدث تمرين عليها لكن جرى احتواؤه بفعل تدخلات معروفة.

لقد انكفأت المعادلة بعد انسحاب الصدريين من اللعبة البرلمانية الى طور جديد من الحلقة المفرغة، حين تصدر الاطاريون مهمة تشكيل حكومة يترأسها اطاريّ موثوق الولاء، لكنهم وجدوا انفسم في النقطة التي تنطلق منها الحلقة المفرغة نفسها، لزوم إنشاء ائتلاف من ثلاثة رؤوس يحتلون فيه (انتباه) ثلثا فقط بين طرفين لديهما شروط واملاءات ورؤى لشراكة حكومية، كان الاطاريون يرفضونها على الدوام، ويشاء اللعب العبثي في الوقت الضائع، حيث يقترب موعد حلول عام على انتخابات العام 2021 ان تضرب الخلافات صفوف الاطار التنسيقي في العمق، تجاوزت موصوفها كخلافات (طبيعية) في وجهات النظر السياسية، او في بناء الاولويات، او في فاصلة من فواصل البيان الحكومي، حيث تتداول المحافل وقائع عن استعصاءات مستحيلة في التوافق داخل الاطار حيال موجبات ترشيد العملية السياسية، ومستقبلها، ليكون قاعدة للتوافق مع شريكيه في ما يسمى ائتلاف الدولة.

“الحلقة المفرغة” تدور في الاقتصاد حين يضرب التضخم مفاصل السوق فترتفع الاسعار ويتمرد العاملون على اجورهم التي لا تغطي احتياجات المرء لكي يبقى على قيد الحياة فينتزعون اجورا اضافية ليرتفع التضخم من جديد، وترتفع الاسعاد مرة اخرى، حيث تدور الحلقة المفرغة اكثر من مرة ضمن قانون خارج السيطرة بانتظار قانون بديل اكثر استيعابا لموجبات الاصلاح والكفاية وتصريف التوترات.

ويشاء بعض الاقتصاديين ان يصف الحلقة المفرغة كقارب آيل للغرق اذا لم تنتشله معجزة.

استدراك:

“الاضطرابات الهيكلية والوظيفية الناشئة عن امراض مزمنة تتسبب في اضطرابات ابدية نتيجة اعراض مرضية جديدة”.

من كتاب (عجائب الفيزياء)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here