لا حياة لمن تنادي

عمار عصام

ابيات من الشعر تحولت لمثل يضربه العرب باستمرار. لخائب الرجاء ومن لا فائدة منه. وقصة مؤثرة ارتبطت بها ايضا. لتبقى شاهدة على بلاغة وفصاحة العرب. لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. تعود الابيات للشاعر العربي عمرو بن معدي يكرب بن ربيعة الزبيدي. والذي عاش ما بين عامي خمسمائة وخمسة وعشرين وستمائة واثنان واربعين للميلاد. ويقول في الابيات كاملة الا غدرت بنو اعلى قديما. وانعم انها ودق المزاد. ومن يشرب بماء العبل يغدر. على ما كان من حمى ورادي. وكنتم اعبدا اولاد غي. بني امن مرن على السفاد. لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نار نفخت بها اضاءت ولكن انت تنفخ في رمادي. ورغم شهرة الابيات كلها على مدار السنين. الا ان للبيت الرابع قصة فريدة. وبقي العرب يرددونه حتى اليوم. فبات يقال لمن لا فائدة منهم ولا رجاء فيهم حتى بعد النصيحة. المثل بقصة مؤثرة لا مثيل لها. فمنذ زمن بعيد وفي احدى المدن العربية كان يعيش رجل كثير المال كبير الملك. وصف بانه لا مثيل له في الغنى. وله ولد وحيد توفيت امه وهو بعمر صغير. ومنذ ولادته اكثر والده عليه بالمال وامن له كل الرفاهية التي يحتاجها. ورغم ذلك لم يهمل الصدقة والعطاء لاهل مدينته. ويقال انه كان يعطي رجلا فقيرا كسرات من خبز فطوره كل يوم. واستمر لسنين على ذات الحال. يعطي الفقراء ويغدق على ابنه بالمال. حتى اشتد في جسده المرض وبات طريح الفراش. حينها خاف ان يبدد ابنه المال بسهولة بعد وفاته. خصوصا انه مرافق لاصحاب السوء. وبات يصرف بمال والده دون ان يتفكر. رغم نصيحة والده المتكررة وتعليمه له. وبعد المحاولات الفاشلة الكثيرة بالنصح. قرر الاب التصرف لوحده. فاستدعى خدمه وامرهم ببناء سقف جديد لقصره. يكون اسفل السقف القديم وفيه بوابة مرتبطة بسلسلة حديدية. اذا سحبها احدهم فتحت عليه لترمي له كمية كبيرة من الذهب. وبالفعل نفذ الخدم ما امر وابقوا الامر سرا. وبعدها استدعى الرجل ابنه وقص عليه تلك الابيات. لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. ولو نار نفخت بها اضاءت. ولكن انت تنفخ في رمادك. ثم اخبره على طريقة اذا ما ضاقت به الدنيا فقال له اذا اضعت كل المال وغلقت كل الابواب في وجهك. عليك ان تعدني بالا تبيع القصر حتى ان وصل بك الامر للانتحار. فهناك في المجلس سلسلة معلقة لك. وبذلك تموت في قصرك مستورا وبسهولة. ومات الاب بعد مدة لكن الابن لم ياخذ القصة على محمل الجد. واستمر بالصرف والبذخ حتى لم يعد يملك قرشا واحدا. وباع الاملاك كلها واثاث القصر وحتى ملابسه وبات الرجل الذي كان يعطف عليه والده يأتي له ببعض الخبز. وبالفعل ضاقت به الدنيا كما قال والده. وعندها قرر الانتحار والتخلص من هذا التعب. فاحضر صندوقا وربط السلسلة حول عنقه. ودفع الصندوق وهو ذاهب للموت. لكنه لم يمت فقد وقع على الارض ووقع فوقه الذهب الكثير حتى غرق فيه. ليعيد املاكه التي اضاعها ورافق الفقير الذي عطف عليه في ايام الشدة. وبقيت قصته تلك مرتبطة بالمثل الشعبي حتى اليوم. وشاهدة على انه لم يعي الدنيا حتى كاد ان يموت بسبب طيشه وقلة تدبيره.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here