الهندسة المستدامة : تجسدها الجامعة التقنية الوسطى في مؤتمرها الدولي

باسل عباس خضير

الهندسة المستدامة sustainable engineering ) ) ، هي عملية تصميم نظم التشغيل واستخدام الطاقة والموارد على نحو مستدام ، أي بالمعدل الذي لا يضر البيئة الطبيعية وبقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها بمختلف الاستعمالات ، والهدف الأساسي من الهندسة المستدامة هو تحقيق المزيد من النمو والازدهار الحالي والمستقبلي دون إغفال تأثير استهلاك الموارد الحالية على البيئة والسكان والمخزون المستقبلي المتاح من هذه الموارد ، ومن أسبقياتها الحفاظ على ما هو موجود قدر الإمكان والسعي ليكون ما يتم إنشاؤه اليوم ينعكس ايجابيا على إنشاء المشاريع المستقبلية بدلاً من أن يكون عائقاً أمامها ، ومن أهدافها أيضا إنشاء برامج شاملة لتحديد وتوفير المعلومات التي تحتاجها الملاكات الهندسية والتقنية في مجالات توفير الطاقة والمياه والغذاء والصحة وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية ، وتأتي أهمية الهندسة المستدامة من إدراكها للمخاطر التي قد تأتي من الفعاليات التي لا تفكر بالمستقبل ، فالكثير من الاقتصاديات العالمية عانت من كون فترات نموها الكبير لم تستمر ومع الوقت تحولت بعض المشاريع المفيدة في الماضي إلى أعباء إضافية على اقتصاديات متراجعة ، لذا من المهم لأي بلد يريد الاستمرار والازدهار استخدام الهندسة المستدامة لصالحه لتحقيق النمو الحالي مع الحفاظ على إمكانيات النمو المستقبلي لمنع الهدر بالموارد بأنواعها المختلفة .
ولان بلدنا بحاجة ماسة للتنمية المستدامة وفي الإصلاح بمختلف المجالات للتحول من بلد أحادي الإيرادات معتمدا على إيرادات النفط ومستورد لأغلب الاحتياجات إلى بلد متنوع المشاريع والإسهامات في زيادة وتنويع مصادر الدخل والناتج المحلي وبما يحقق نسبة مقبولة من الاكتفاء ، فانه أحوج ما يكون لاعتماد الهندسة المستدامة كوسيلة ( مجربة عالميا ) في استثمار الموارد وجعلها بخدمة الإنسان ومستقبل الأجيال ، ولان الجامعات هي مراكز للعلم وجذب العلماء والباحثين والكفاءات وفي إجراء البحوث والتطبيقات كونها حالة متقدمة في المجتمع ، ولان جامعاتنا تلتزم بهدف ( الجامعة للمجتمع ) والجامعة المنتجة فقد بادرت الجامعة التقنية الوسطى لولوج هذا الجانب ، فهي من الجامعات التقنية الأقرب لواقع واحتياجات المجتمع كما إن لها تماس وعلاقة مع المنظمات والمؤسسات الجامعية والبحثية المحلية والدولية بمختلف الاختصاصات ، ويعد المؤتمر العلمي الدولي الرابع ( وما سبقه من فعاليات ) للهندسة المستدامة الذي عقدته الكلية التقنية الهندسية \ بغداد إدراكا واعيا لاحتياجات بلدنا وهو يسعى ويطمح للتنمية والنهضة ، مما يعطي الدلالة بان الجامعة ليست بعيدة عن واقع ومعاناة وطموح الدولة والشعب واعتمادها ” الهندسة المستدامة مدخلنا نحو العالمية” شعارا للمؤتمر هو تجسيدا لدور ومهام الجامعة وقدرتها في الاستفادة من التجارب العالمية التي يمكن أن تضاف لها المبادرات والخبرات المحلية في تحقيق الأهداف التي تخدم حاضر ومستقبل العراق ، وقد جسدت أهداف المؤتمر فوائده في المجالات والمسارات التي يراد لها أن تتحقق والتي عرضها السيد رئيس الجامعة في كلمته الافتتاحية إذ حددها بثلاث أهداف رئيسة هي ( تسخير البحوث العلمية والتقنية لخدمة تنمية البلد ، الجمع بين الباحثين والعلماء وطلاب الدراسات العليا في مجال الهندسة والتكنولوجيا على منصة تفاعلية للتواصل والمشاركة والتعلم من بعضهم حول التحديات والفرص المشتركة التي تواجه التنمية ، تشجيع ودعم البحوث التقنية التطبيقية للقطاعين الخاص والعام التي تحقق أهداف الهندسة المستدامة بما يلبي الاحتياج الفعلي حاضرا ومستقبلا ) .
وشهد المؤتمر إقبال عدد كبير من الباحثين لأهمية موضوعاته وتنوعت طريقة المشاركة فيه حضوريا والكترونيا بما يضمن التفاعل والإفادة من الكفاءات والخبرات ، إذ ضم عدد من البحوث العلمية من العراق ودول العالم منها الصين وروسيا وأستراليا وتضمن فضلا عن ذلك عرضا لمنظمة اليونسكو كرس لمناقشة آخر المستجدات في هذا المجال ، وقدمت للمؤتمر (٢٣٣) ورقة بحثية شملت ثمانية محاور في الهندسة المستدامة التي تسعى إلى تحقيق المزيد من النمو والازدهار الحالي والمستقبلي ، وتم التأكيد في اغلب الطروحات والبحوث على ضرورة وأهمية عدم إغفال تأثير استهلاك الموارد الحالية على البيئة والسكان والمخزون المستقبلي المتاح من هذه الموارد والحفاظ على البيئة باعتبار إن معظم الموارد تتسم بالندرة النسبية ومن غير الممكن أن تبقى متاحة بنفس الجودة والكمية في كل الأزمان والحالات ، وهذا التأكيد يجعل للجامعة موقعا ومساحة لتكون ضمن الحملة العالمية والعراقية في الحفاظ على البيئة وان تكون جزءا مهما في نقل التطورات التي يشهدها العالم لخدمة المجتمع العراقي ، ومن المزايا التي يمكن أن تحسب للمؤتمر إسهام وحرص الجامعة وتشكيلاتها بالمشاركة بالبحوث العملية التي تضع الحلول للمعوقات التي تعترض الحياة والمجتمع ، وقد شهدت الجلسة الافتتاحية التي عقدت في بغداد ( فندق فلسطين مرديان ) حضورا مكثفا للباحثين والكفاءات الجامعية ومن مختلف قطاعات الدولة والمجتمع كما حضرتها قيادات الجامعة وضيوفهم من الجامعات الحكومية والأهلية وأصحاب الاختصاص وقد تم فيها عرض ثلاث بحوث حضورية والكترونية ، وفي ختام الجلسة الأولى أشاد المشاركون برعاية واهتمام معالي وزير التعليم العالي بالمؤتمر وبالجهود التي بذلتها الكلية التقنية الهندسية ( بغداد ) واللجنة التحضيرية في اختيار وتوجيه بحوث المؤتمر لتحقيق أهدافه وغاياته وفي تهيئة وتوفير جميع مستلزمات انعقاده وتوثيق جلساته لتحقيق الفوائد العملية منه ، ومنح السيد رئيس الجامعة درع المؤتمر لعدد من الذوات الذين لهم ادوار في التحضير وانعقاد المؤتمر وللباحثين ولرؤساء ومقرري الجلسات ، ونتمنى لمثل هذه المبادرات مزيدا من النمو والانتشار بما يوفر الأدوات العلمية والتطبيقية لنهضة وتطور بلدنا العزيز .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here