هزيمة منظومة المحاصصة والفساد شرط لانقاذ الوطن

محمد عبد الرحمن

أشرت ممثلة الأمم المتحدة في العراق بلاسخارت في احاطتها الجديدة التي قدمتها لمجلس الامن الثلاثاء الماضي، قضايا مهمة عدة لعل في مقدمتها تأكيدها عجز المنظومة السياسية عن تقديم حلول للازمات التي يمر بها البلد .
وبلاسخارت مشكورة على توصلها الى هذه الخلاصات القيمة، التي سبقتها اليها قوى وطنية ومدنية وديمقراطية بضمنها الحزب الشيوعي العراقي، الذي اشر بوضوح منذ مؤتمره الثامن (ايار 2007)، وفي مؤتمراته اللاحقة: التاسع والعاشر والحادي عشر، ان البلد يواجه أزمة بنيوية سببها وأسّها النهج المتبع في بناء الدولة وادارتها، نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية. وأكد ان هذا النهج ولاّد للازمات ، وهو ما نشهده كل يوم في بلدنا المبتلي بمنظومة حكم وحكام يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الشعب والوطن، وهو من بين القضايا الأساسية التي قالت بها بلاسخارت، إضافة الى فضحها منظومة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة .
التجربة العملية الملموسة منذ الانتخابات الأخيرة التي مر عام على اجرائها، تؤكد هي الأخرى ان القوى المتنفذة هي ضمن الازمة ومسبباتها، وتبحث في كل حواراتها ولقاءاتها عن حلول لمشاكلها وكيفية احتفاظها بالسلطة وتقاسم المغانم . فما يحصل هو صراع في ما بينها، ولا مصلحة فيه للشعب من بعيد ولا من قريب، وهو قد ينفلت كما حصل فعلا، ويتحول الى صراع عنفي يقود البلد الى حمام دم، كما بينت بلاسخارت بصواب كذلك .
ولعل الأبرز في خضم هذه التدافعات والصراعات، وهو جاء ضمن الإحاطة أيضا، ان الهوة السحيقة تكبر بين المتنفذين وبين غالبية الشعب. وبلادنا تعيش أيضا ازمة ثقة مركبة، فهي قائمة بين المتنفذين انفسهم، ومظاهر ذلك متعددة في “البيوتات” جميعا، وأيضا بينها وبين غالبية أبناء الشعب التي تطحنها يوميا تداعيات الازمات المتعددة.
الى مَ تقود هذه الاستنتاجات المهمة والخلاصات التي جاءت في مقطع زمني حساس يمر به البلد وسلطت الأضواء على العديد من القضايا؟ انها تقول بكلمات بسيطة ووضوح تام ان استمرار هذه الأوضاع وهذا النهج المدمر سيضع العراق في مهب الريح، بما في ذلك كونه بلدا وكيانا موحدا، وقد تنزلق الأمور في اية لحظة بحيث لن يمكن السيطرة عليها، خاصة مع وجود السلاح بيد الأحزاب والكتل والقوى المتصارعة، وقسم منه محسوب على الدولة ذاتها، واحداث أواخر آب الماضي شاهد قريب على ذلك .
فالمطروح الآن بوضوح، كما نرى ، ليس موضوعة تشكيل هذه الحكومة او تلك من المنظومة الحاكمة ذاتها، ومن يكون على رأسها، فالتطورات تخطت ذلك كثيرا. انما المطلوب الان، وكما فرضت انتفاضة تشرين استقالة الحكومة وتشكيل غيرها، فرض حكومة مؤقتة ذات مهام محددة ولفترة زمنية معلومة، في مقدمتها تهيئة الظروف والمستلزمات لاجراء انتخابات مبكرة، تنتهي مهامها عندها ومعها مجلس النواب.
وصحيح تماما ما قيل بان الانتخابات ليست هدفا بحد ذاته، بل يراد منها ان تكون بداية للسير على طريق تغيير موازين القوى لصالح قوى المشروع التغييري، والبديل السياسي لمنظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، وهو الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية . ولن يتحقق كل هذا الا بالتخلص من اية أوهام تعلق امالا على من جُرّبوا طيلة الـ 19 عاما الماضية، كذلك المزيد والمزيد من الضغط الجماهيري والشعبي السلمي، والمتعدد الأنماط والاشكال. وهذا يستوجب الارتقاء بالعمل المشترك لقوى التغيير، وتعزيز إرادة التغيير الشامل عند المنتفضين والحراكات السلمية المتعددة، وانطلاقها معا عبر رؤية ومنهج واضحين، يفضيان في نهاية المطاف الى هزيمة المنظومة المسؤولة عن كل ما آلت اليه أوضاع بلدنا ، ويفتح الافاق لعراق آخر ينتظره العراقيون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاحد 9/ 10/ 2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here