“عام من الفشل السياسي”.. عراقيون بلا حكومة: تهكم واستياء وغينيس ترحب بكم

October 11, 2022 التقاریر

انه اليوم الاول بعد عام من العجز السياسي الواضح عن تشكيل حكومة عراقية جديدة، إذ لم ينجح قادة العراق في حل رموزها بعد شد وجذب “وحروب متقطعة” وتظاهرات وانسحابات سياسية ليخرج العراق في المحصلة (صفر حكومة)، ولتكون الانتخابات المبكرة في (10 تشرين الاول 2021) مجرد فعالية مارسها العراقيون آنذاك ليكونوا على موعد مع المجهول القادم، وسط تهكم وكوميديا سوداء من المشهد الذي أدخلت فيه الطبقة السياسية الحاكمة العراق “موسوعة غينيس” بعدم القدرة على تشكيل الحكومة، لتضرب رقماً سابقاً سجل لها ايضا في عام 2010.

النعامة التي لا ترى عاما من الفشل

من المعروف أن العراقيين حينما يجتمعون وفي أي محفل كان فانهم يبادرون للحديث عن السياسة، فكيف اذا كان نهارهم وليلهم حاليا عبارة عن أزمة سياسية.

في جلسة مسائية لعدد من الأشخاص، داخل احدى المناطق السكنية، يلجأ السيد ابو وسام وهو موظف في احدى وزارات الدولة الى جمع كراسي “الجلسة” بالقرب من منزله مع عدد من جيرانه ليتحاوروا ويناقشوا “أمور الدنيا” ومن بينها، بالطبع، ازمة تشكيل الحكومة الجديدة.

وفي ليلة العاشر من شهر تشرين الأول 2020 يقول أبو وسام إن “الجو جميل وبدأ (يكسر) ودخلنا فصل الشتاء ونأمل ان تكون فيه الأمطار غزيرة لنعوض هذا الجفاف الحاصل”.

ويسترسل الشخص قائلا  “مر عام، ولنقل اربعة فصول لم نرَ فيها ربيعا سياسيا وكل يوم يمر هناك ازمة تتجدد في تشكيل الحكومة وكأنهم (يقصد قادة البلد) يختلقون الازمة بداخل الازمة”، لافتا الى ان “اخر ما توصلوا اليه هو عدم قدرة العراق على التصرف اقتصاديا بعد (31 / 12/ 2022)، وعدم وجود موازنة وهذا بالتأكيد سيؤثر علينا نحن الموظفين الذين لا نعلم، حالنا حال كل فئات الشعب، بمصير البلد والى اين يتجه، في ظل مناكفات ورغبات القوم ان يكون لكل حصته ورغبته متناسين هموم الشعب العراقي وما وصلنا اليه “.

 

وفي هذه الصحبة المكونة من شيب وشباب يطلب أبو مصطفى “الطاولي” وهي لعبة عراقية شعبية لكي يتسلى بها مع الموجودين وفي ذات الوقت يناقشون “ما يخطر على البال” من مواضيع مختلفة.

 

ويقول الرجل الستيني وهو سائق تكسي يعمل داخل العاصمة بغداد وزوجته موظفة في احدى دوائر الدولة، “متهكماً على الوضع الحالي” إن “علينا الاحتفال فعلا بما وصلنا اليه فقد مرت سنة كاملة من دون حكومة وهذا يعتبر انجاز للطبقة السياسية الحاكمة ان جعلت شعبها يعيش عاما (في الفراغ) ولا زلنا ننتظر اياما ربما ستكون اصعب”، مستعينا بمثل عراقي معروف (الحبل على الجرار) في اشارة الى فترة زمنية مفتوحة ربما تتشكل او لا تتشكل بها حكومة عراقية جديدة.

 

ويضيف الرجل أن “المشكلة الاخرى أن هذه الحكومة وفي حال تشكلت ستواجه مشاكل اخرى وربما ستستقيل ولن تستطيع ان تنجز شيئا، فالأمور بحكومة او من دونها لا تبشر بخير”.

 

ويجد عباس وهو طالب جامعي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد إن “الشلل الذي لازم العملية السياسية مع مرور عام كامل على عدم قدرة السياسيين العراقيين على الاتفاق وتشكيل حكومة جديدة، بدأ يصيب الحياة العراقية وينعكس على جميع فئات المجتمع، في ظل الازمات الحياتية اليومية التي نعيشها واصبحنا نعيش اليوم ونقول انه افضل من الغد، لأن يومنا التالي ربما سيكون أسوأ في ظل ما اوصلتنا اليه هذه الطبقة السياسية التي لا تفكر الا بمصلحتها”.

 

ويتساءل الطالب الجامعي في حديثه  قائلا “ألا ينظر قادة البلد الى التحذيرات والمناشدات والدعوات الدولية التي تصدر وتحذر العراق من عدم تشكيل الحكومة واخرها راي المبعوثة الاممية جينين بلاسخارت وهو تحذير صريح من امكانية فرض الوصاية عليه، فلماذا يضعون رؤوسهم في التراب مثل النعام ولا يرون الخطر الداهم على العراق”.

 

وتشاركه زميلته رؤى عصام هذا التخوف بالقول إن “عام فشل بلا حكومة، وحكومة وان تشكلت مهددة أيضا بالفشل، وتحضير جديد لانتخابات مبكرة، وحكومة جديدة، كله يعني ان هذه المنظومة السياسية يجب عليها تقبل الواقع والتنحي عن السلطة لانها مصدر الازمة وليست حلا لانها لا تستطيع ان تقدم شيئا للشعب العراقي الذي عانى الويلات والحروب واكتفى منها، فلا يجب ان نعيش مأساة حرب هنا وهناك من أجل تشكيل حكومة قد تستمر او لا تستمر، والرابح الوحيد هو السياسي والخاسر هو الشعب”.

 

وتضيف الطالبة الجامعية أنها “بدأت تتخوف من الدوام، فلا نعلم يوم غد ما سيجري وصرنا نعيش كما المقولة العراقية الدارجة (عيش اليوم بيومه)”.

 

وبين زحمة السيارات التي تصطف بالقرب من جامعة بغداد يتجول احد بائعي الورد ليقوم ببيعه على المارة والطلبة واصحاب السيارات، ويبدو انه كان مستعجلاً جداً ليختصر المشهد السياسي العراقي كله وعام كامل من الازمات بكلمة واحدة بعد سؤاله عن الوضع العراقي فقال “هي خربانة”، ما يعكس مدى استياء الشارع العراقي من الوضع في ظل هذه الازمة التي يبدو انها مستمرة على الاقل في المدى المنظور.

 

العراق يدخل موسوعة غينيس

 

ومع حلول يوم الخميس، 28 / 7 / 2022، دخل العراق أطول فترة “جمود” سياسي بعد الانتخابات وعدم تشكيل حكومة جديدة بـ291 يوماً، متجاوزاً مدة التأخير السابقة بعدم تشكيل حكومة عام 2010 والتي آلت في نهايتها الى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

 

وأورد تقرير لوكالة رويترز آنذاك  قال فيه إنه “بعد مضي أكثر من تسعة أشهر على إجراء انتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول لم يقترب المشرعون المكلفون باختيار رئيس جمهورية، ورئيس وزراء من الاتفاق على شيء، ليسجل العراق مدة قياسية تبلغ 290 يوماً (حتى يوم أمس الأربعاء)، دون رئيس أو حكومة”، مبيناً أن” أطول مدة سابقة دون حكومة في العراق كانت في عام 2010 عندما مر 289 يوماً دون حكومة إلى أن تولى رئيس الوزراء نوري المالكي فترة ثانية في المنصب”.

 

ومع مرور عام كامل على “الفشل” بتشكيل الحكومة فيبدو أن الارقام القياسية لا يكسرها الا الطبقة السياسية الحالية بعد مرور (366) يوما على عدم تشكيل حكومة جديدة.

 

بلاسخارت تحذر والوصاية تلوح في الافق

 

وكانت المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت قدمت، في 4 تشرين الاول 2022 ، إحاطة لمجلس الأمن الدولي عن الوضع في العراق، أكدت فيها أن الخلافات تسود على لغة الحوار، وأن المحافظات الجنوبية تشهد مناوشات مسلحة والطبقة السياسية غير قادرة على حسم الازمة، مبينة أن “خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء. ولقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه. ولن يؤدي استمرار الإخفاق في معالجة فقدان الثقة هذا سوى إلى تفاقم مشاكل العراق”.

 

ولفتت المبعوثة الاممية الى ان “النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي. ويمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيساً للاختلال الوظيفي في العراق. ولا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محمي منه. وإبقاء المنظومة “كما هي” سوف يرتد بنتائج سلبية”.

 

ومع هذه الاحاطة حذر سياسيون عراقيون من وصاية دولية على العراق الذي “يعجز” قادته السياسيون عن ايجاد الحلول والعجز الواضح في تشكيل الحكومة.

 

ونظام الوصاية هذا يطبق على الدول التي تعرف في القانون الدولي بأنها “ناقصة السيادة”، وتخضع طبقا لشروط خاصة لاتفاقية يشرف على تنفيذها “مجلس الوصاية” التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

 

وقد جاء نظام الوصاية الدولية بديلا عن نظام الانتداب الذي كان مطبقا في عهد عصبة الأمم التي حلت محلها الأمم المتحدة بإنشائها 1945، وذلك لتسوية أوضاع الدول المستعمَرة وفقا لشرعية قانونية أممية تنقلها بالتدرج من وضعية الاستعمار الكامل إلى وضعية انتقالية يعقبها الاستقلال الكامل.

 

وتأتي هذه التطورات الدولية والاستياء الداخلي بعد “فشل” المحاولات السياسية في كسر الجمود السياسي الحاصل، إذ افرزت العملية السياسية برمتها انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ومجلس رئاسة برلمان انفرط عقده وبدأ يدور في حلقة مفرغة بعد استقالة نواب التيار الصدري، ومنهم حاكم الزاملي النائب الاول للرئيس، ليعود الحلبوسي من جديد ويطلب الاستقالة مجددا وترفض استقالته من قبل الاطار التنسيقي الذي اصبح الكتلة الأكبر بمقاعد استفاد منها اثر استقالة نواب التيار الصدري، ليكون رفض استقالة الحلبوسي بمثابة تصويت جديد على بقائه بالمنصب، مع انتخاب محسن المندلاوي كنائب اول لرئيس مجلس النواب خلفا للزاملي، وبقاء شاخه وان عبد الله نائبا ثانيا، مع عجز واضح عن الاتفاق على مرشحي رئاسة الجمهورية والوزراء رغم تمسك الاطار التنسيقي بمرشحه محمد شياع السوداني الذي يبدو انه سيلاقي صعوبة بالغة في تمرير تشكيلته او حتى بقائه مرشحا في ظل رفض من “التيار الصدري والتشرينيين”، على ان تكون محاولات اقتحام البرلمان ليست ببعيدة عن المعترضين، وربما تتطور الامور الى ابعد من ذلك عبر استخدام بين الاطراف المتخاصمة للسلاح، وهو ما لا يطمح له العراقيون، بالطبع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here