رواية المؤسسة.. تحكم عائلات المافيا في الاقتصاد الأمريكي والتلاعب في تسديد الضرائب

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “المؤسسة” للكاتب الأمريكي “جون غريشام” رواية طويلة تحكي عن مخالفات مالية كبيرة وعملية غسيل أموال تجري من قبل إحدى العائلات الإجرامية فيما يعرف في أمريكا ب”المافيا”، والتي تعمل من خلال ما يعرف أيضا بالجريمة المنظمة على نطاق اقتصادي كبير، حيث يقومون أفراد المافيا بأعمال غير قانونية مثل تجارة الأسلحة والمخدرات ثم يغسلون أموالهم عن طريق محامين بارعين. كما كشفت الرواية كم التلاعب في تسديد الضرائب الذي يقوم به رجال الأعمال الكبار، الذي يعني حرمان المجتمع وباقي الشعب من مصدر دخل هام ينفق في تنمية المجتمع والأفراد.

الشخصيات..

الشخصية الرئيسية هي شخصية “ميتش ماكدير” و”آبي” زوجته و”راي” أخيه شخصيات ثانوية، كذلك باقي الشخصيات من الذين يعملون في مجال المحاماة والمافيا ومكتب التحقيقات الفيدرالي. اهتمت الرواية بشخصية “ميتش ماكدير” لكنها بالأساس ركزت على الأحداث أكثر من رسم شخصيات بعمق وتتبعها.

الراوي..

الراوي عليم، يحكي عن الشخصيات في تصاعد زمني، ويحكي عن الشخصيات في تفاعلها داخل الرواية ويتحرك داخل نفوس الشخصيات البطل وزوجته، بينما يكتفي بنقل حوارات أو وصف ردود أفعال الشخصيات الأخرى وانفعالاتهم الجسدية، كما يسرف في وصف الأماكن بالتفصيل ومعلومات أخرى تفصيلية.

السرد..

الرواية تدور في حوالي 650 صفحة من القطع المتوسط، ويجري فيها الحكي تصاعديا منذ بدء التحاق “ميتش ماكدير” بالشركة وحتى هروبه منها، والنهاية جاءت سعيدة ومفتوحة على احتمالات كثيرة.

غسيل الأموال والمافيا..

رغم إن الرواية تدور في جو من الإثارة والتشويق الذي يعتمد على الكشف البطيء، إلا أنها تحكي عن ظاهرة وجود مافيا في أمريكا مكونة من عائلات، هذه العائلات تدير أعمالا غير مشروعة على نطاق كبير، مثل تجارة المخدرات والأسلحة والقتل، وهذه الأعمال تجلب أموالا طائلة وتدار بسرية شديدة ومحمية من قبل قوة العائلة ونفوذها في المجتمع المستمدة من نفوذ المال.

تتم التعمية على تلك الأعمال من خلال تحويل الأموال المتخلفة عنها إلى أموال قانونية، عن طريق تهريبها وإدخالها في تكوين شركات وشراء ممتلكات على نطاق واسع وكبير، مما يعطي إشارات حول خطورة نفوذ المافيا ومدى تحكمهم في الاقتصاد الأمريكي إلى الدرجة التي تسمح لتلك العائلات أن تكون منافسا قويا للشرطة، بل وحتى لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يعد أعلي سلطة في مجال مؤسسات الشرطة في أمريكا. فقد استطاعت عائلات المافيا اختراق هذا المكتب وإغراء عملائه بالأموال الكثيرة، لكي يكشفوا عن سير العمل داخل المكتب فيما يخص معرفة أعمالهم الإجرامية.

وتصور الرواية مدى قوة العائلة التي تدير إحدى شركات المحاماة، والتي تمثل بالنسبة لها غطاء قانونيا ووسيلة آمنة لغسيل الأموال وحماية أعمال العائلة الإجرامية، وإدارتها بشكل قانوني وأيضا تهريب الأموال خارج حدود البلاد بواسطة تلك الشركة ومحاميها. مما يعطينا فكرة عن المجتمع الأمريكي الذي يدار من قبل عصابات إجرامية تتحكم في اقتصاده وتشكل نفوذا وقوة كبيرة تخضع لها مؤسسات الدولة.

كما تصور الرواية الصراع ما بين مكتب التحقيقات الفيدرالي والقائمين عليه وتلك العائلة الإجرامية، وسعي أفراد الشرطة إلى تحقيق العدالة ومعاقبة تلك العائلات بفضح أعمالها وكسر شوكتها، فقد استطاع مكتب التحقيقات الفيدرالي عمل ذلك والقبض على وتجريم أفراد تلك العائلة ومحاميها التابعين لها، بمساعدة محامي مبتديء شاب يملتك من الذكاء والدهاء ما جعله يتغلب على الشركة وأفرادها الأشرار. وأيضا يتلاعب بأفراد مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين أثبتوا ضعفا وعدم قدرة على حماية مساعدينه.

التنقل بين الطبقات..

كما رصدت الرواية التنوع الهائل في المجتمع الأمريكي الذي تحكمه رأسمالية متوحشة تعتمد عى تفاوت طبقي كبير، فنجد أفراد كثيرة من الشعب الأمريكي يعانون من الفقر والعوز ومن تراتبية اقتصادية اجتماعية واسعة وكبيرة، و”ميش ماكدير” ينتمي لهؤلاء الفقراء، حيث ولد لأب عامل في مناجم الفحم، وقد شاءت الظروف أن يموت نتيجة إصابة عمل وتتولى رعايته امرأة مختلة نفسيا، أضاعت المبلغ الذي قبضته كتعويض عن موت زوجها، وتزوجت بآخر، لكنها أيضا كانت ضحية حين مات ابنها في حرب فيتنام، وكأن الرواية تشير إلى مساويء المجتمع الأمريكي التي تنعكس على الشعب ومشاكله.

فقد فقدت الأم توازنها النفسي بعد فقدانها لزوجها وابنها، وأصبحت غير قادرة على رعاية باقي أفراد أسرتها، مما دفع “راي ماكدير” إلى أن يكون مجرما ويتهم في قضية قتل ويقضي سنوات طويلة في السجن، ودفع “ميتش” إلى العمل الكثير والمجهد لكي يبني مستقبله بنفسه، ويلتحق بكلية الحقوق نتيجة لتفوقه الرياضي وتقديم منحة له من جامعة هارفارد ليصبح متخرجا ناجحا ومتفوقا. وهذا يعكس فكرة هامة أيضا وهي أن المجتمع الأمريكي رغم توحش الرأسمالية فيه والتفاوت الطبقي الهائل، إلا أنها رغم ذلك تسمح بالصعود الطبقي وانتقال الأفراد بين الطبقات، بناء على عملهم الفردي وقدرتهم على إثبات جدارتهم واستخدام مواهبهم وذكائهم وقوة عملهم، وهذا ما حدث ل”ميتش” الذي تحول من كادح ينتمي إلى أسرة كادحة، إلى محامي متفوق تطلبه الشركات الكبري التي تعمل في مجال المحاماة.

ضعف سلطة القانون والمؤسسات..

كما ترصد الرواية ضعف قوة القانون، فرغم أن “ميتش” قد ساعد مكتب التحقيقات الفيدرالي على النيل من أسرة مورولتو الإجرامية وشركتها الوهمية شركة بنديني، إلا أنه مع ذلك استطاع الهرب من أفراد مكتب التحقيقات الفيدرالي ولم يستطعيوا القبض عليه، وأن نيلهم من عائلة مورولتو كان رهن رغبة “ميتش” وقدراته وذكائه، وليس قوة عمل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين عجزوا عن حماية أسرار عملهم واستطاع عميل لديهم نقل المعلومات إلى المافيا.

إذن فمكتب التحقيقات الفيدرالي لا يملك سلطة فوق الجميع، وبالتالي القانون لا يملك سلطة فوق الجميع لأن الجريمة ممكن أن تستمر لأعوام طويلة دون ردعها، بدليل وجود عائلات كبيرة من المافيا التي يتوارث أبناءها الأعمال الإجرامية عبر السنين، وأيضا دليل تحكمهم في الاقتصاد الأمريكي وتلاعبهم به، والأهم هو قدرة أفراد عاديين على الهرب من قبضة الشرطة، بل والعيش سنوات دون التمكن منهم، مثلما فعل جورج الذي سرق بنكا وتمتع بالأموال التي سرقها، وظل يعمل بحارا يجوب الجزر، وقد كان مرشدا ل”ميتش” ليفعل مثله ويهرب ويظل يعمل بحارا، ليهرب من قبضة المافيا التي أوقع بها وقبضة مكتب التحقيقات الفيدرالي.

كما تكشف الرواية كيف وافق مكتب التحقيقات الفيدرالي على هروب مجرم من السجن قبل مضي سنوات عقوبته، وساعده مدير السجن على الهروب في مقابل صفقة ما بين مكتب التحقيقات الفيدرالي و”ميتش”، مما يعكس أن الأمور في المجتمع الأمريكي لا تسير دائما وفق القانون الصارم والحازم وأن هناك اعتبارات أخرى تحكم الأمور. كما كشفت الرواية فساد بعض عناصر الشرطة، وتعاملهم بقسوة مع بعض المجرمين، مما يخلف كراهية شديدة داخلهم تجاه الشرطة، ويصبحون فيما بعد ثغرات ووسيلة للنفاذ من قبضة الشرطة.

ولا نعلم كقراء مدى واقعية تلك الرواية ونقلها لأحداث حقيقية تحدث في المجتمع الأمريكي، لكن يمكن القول أنها تشبه تلك الأفلام الأمريكية التي تحكي عن تلك الأمور.

الكاتب والرواية..

رواية المؤسسة The Firm نشرت سنة 1993، وكانت الانطلاقة الفعلية للكتاب الأمريكي الأكثر مبيعا “جون غريشام”، حيث تصدرت أفضل الكتب مبيعاً خلال تلك السنة والسنة التالية، ما أغرى شركة باراماونت للإنتاج بشراء حقوق استغلال الرواية بحوالي 600 ألف دولار، وإنتاجها كفيلم مثير بنفس العنوان، وأسندت البطولة الى الممثل “توم كروز” في دور “ميتش ماكدير”.

“جون غريشام” “جون ري غريشام الابن” سياسي سابق ومحامي متقاعد وروائي أمريكي معروف برواياته المتعلقة بالدراما القانونية. ولد في 8 فبراير 1955 وهو الابن الثاني لأبوين بروستنتيان يرجعان إلى الكنيسة المعمدانية الإنجيلية من جونسبرو ولاية أركنساس من الجنوب الأمريكي. والده كان مزارع قطن محلي، تنقلت العائلة في أماكن متفرقة وفي عام 1967 استقرت العائلة في بلدة ساوث هيفن بمقاطعة دي سوتو في ولاية ميسيسيبي، حيث تخرج “جون” في مدرستها الثانوية.

تعلق “جون” بالقراءة في سن مبكرة بتشجيع من والدته وكان يحب أن يقرأ ل”جون شتاينبك”. في عام 1977 تخرج بدرجة في المحاسبة من جامعة ولاية المسيسبي الحكومية ثم عاد للجامعة ليتخصص في قانون الضرائب ومن ثم غير تخصصه إلى القانون الجنائي وتخرج عام 1981. في عام 1983 انتخب كديموقراطي في هيئة الادعاء العام بالولاية حيث خدم هناك حتى العام1990.

في أيلول 2010 أدان “غريشام” حملة القس “تيري جونز” ومركز “حمامة التواصل مع العالم” لحرق القرآن الكريم وقال «هذه حملة لشخص غير متسامح للغاية، إنه مجنون ومتعصب دينيا ينشر الكراهية بدلا من الوفاء بواجبه كقسيس». باع أكثر من 60,742,288 نسخة من كتبه مما جعله أكثر الكتاب مبيعا في التسعينات. وهو متزوج منذ عام 1981 من رينيه جونز.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here