مركز الرافدين .. و العراق لا يتغير ..؟؟..!!..

د. اكرم هواس

للسنة الثانية تمت دعوتي لحضور مؤتمر مركز الرافدين للحوار … هذه المرة تحت شعار “العالم يتغير”… و قد حضرت الى بغداد التياعشقها.. لكن للاسف دون ان ارى معشوقتي بسبب الظروف الامنية ” الطارئة” التي دفعتنا لمغادرة بغداد مساء انتهاء المؤتمر و كلنا شكرلمكتب رئاسة الوزراء التي وفرت لنا الامن ايام المؤتمر و في لحظات المغادرة.

شخصياً كنت احمل تصوراً خاصاً عن ما يمكن ان يكون عليه المؤتمر لاني كنت كتبت في السنة الماضية مقالة بعنوان (مركز الرافدينللحوار… دافوس الشرق الاوسط..؟؟..)… طرحت فيها بعض الافكار عن توسيع دائرة اهتمام المؤتمر و خلق نقلة نوعية في تمثيل قضاياالشرق الاوسط و طرح حلول ازائها… لكني للاسف “تفاجأت” عندما اطلعت على برناج المؤتمر الذي استمر في تهميش المثقفين و خاصةالاكاديميين و الابقاء على التركيز على دور السياسيين المحليين و شركائهم من الاعلاميين و بعض الاكاديميين و هذه كانت النقطة للثانية التيحذرت منها في مقالة العام الماضي.

رغم محاولة توسيع دائرة الاهتمام بقضايا خارج الحدود الجغرافية للعراق الا انه كان من الصعب ايجاد ما يثير اي شيء يتعلق باحداثالعالم فقد مرت مثلا جلسة الازمة الاوكرانية دون نقاش جدي حتى ان السفير الروسي لم يقل كلمة واحدة اكثر مما قاله سابقا الرئيس بوتينعن مبررات العملية الروسية … اي ان “العالم يتغير” (شعار المؤتمر) لم يكن حاضرا…كما في المقابل لم يخبرنا احد من الذين صعدواالمنصة و هم كثيرون عن اية علاقة بين شعار المؤتمر “العالم يتغير” و الوضع في العراق… هل كان الشعار يمثل دعوة للتغيير في العراق وكيف….ام انه كان تحذيراً من اي تغيير باعتبار ان الممولين و الراعيين للمؤتمر و بالتالي اكثر الذين احتفى بهم المؤتمر و صعد على منصتههم ذات السياسيين و الاعلاميين الذين علت شكاوى الناس ضدهم و بحت الاصوات بضرورة تغييرهم ..؟؟..

لا اعرف اذا كانت المشكلة في قلة خبرة القائمين على ادارة المؤتمر ام انه هناك اعتقاد بان النموذج العراقي في الادارة السياسية والاعلامية جديرة بالتصدير الى الخارج (..?? why not)لكن للاسف فان العديد من المدعوين من بلدان مختلفة عربية و غيرها قد شعروابالاسى للمستوى المتواضع جدا في ادارة المؤتمر … اغلب الاعلاميين و بعض الاكاديميين من العراقيين كانوا يمارسون ابشع طرق ادارةالحوار من حيث مقاطعة الضيف و القاء خطابات ايديولوجية عنيفة في وجه الحضور و خاصة المتحدثين الذين شعر الكثير منهم بعدمالاحترام و ربما تمنى في نفسه لو انه لم يحضر..!!..

دعنا نتذكر ان سفراء بعض الدول تعرضوا الى اعتداء لفظي شديد من قبل بعض “المفكرين” من علية النخبة الحاكمة في العراق… و اخرونتعرضوا الى التهميش دون اعتذار … شخصياً كنت شهدت احدى تلك الجلسات و كانت عن القضية الافغانية… كان المدعوون لالقاء الكلماتهم ممثلين عن الاحزاب الصغيرة و حضرت معهم زميلة باحثة من باكستان لتناقش ارائهم … الافغان عرضوا لمشاكل عن القتل و الخطف وووو في ظل حكم طالبان.. السيد مدير الجلسة اغضب الزميلة الباحثة بوصفها بانها المرأة الوحيدة في الجلسة … و هذا الكلام غيردبلوماسي و غير مقبول في الندوات العلمية .. اعترضت الباحثة و لم يعتذر مدير الجلسة بل عمد الى منعها من الرد على الاسئلة التي وردتاليها و منها سؤالين مني شخصيا طرحتهما باللغة الانكليزية.. السؤال الاول … هل لدى المجموعات المعارضة لحكم الطالبان اي مشروعللتعايش السلمي قد يكون منطلقا لارساء حكم تعددي في افغانستان..؟؟ … و السؤال الثاني..: بناء على العلاقة العضوية بين حركة طالبانو المؤسسة العسكرية الباكستانية هل يمكن لباكستان لعب دور اساسي في تغيير البنية الفكرية و السياسية لحركة طالبان..؟؟..

للاسف كما ذكرت فان مدير الجلسة انهاها دون السماح للزميلة الباحثة بالرد و لذلك نزلت هي من المنصة و جاءت الي و اعتذرت كثيراً وقالت بما معناه انها تمنت لو سمح لها بالرد لان هذه الاسئلة هي يجب ان نبحثها في مؤتمر كهذا… لكن..!!..

ثم دخلنا في نقاش الموضوع و خلاصة ما قالت ان باكستان لا تخجل من علاقتها التاريخية الخاصة مع حركة طالبان لكن باكستان لاتستطيع الان ان تشكل التأثير كبيراً فالحركة تهتم اكثر بدور الصين و ايران في المنطقة (النقاش كان طويلا و ساحاول لاحقا كتابة مقالةعن الموضوع)…

في المقابل كان حضور بعض السياسيين العراقيين طاغياً الى درجة ان المؤتمر تحول الى مجرد مهرجان جماهيري لاتباع هذا السياسي اوذاك و لكلماته الرنانة و خطابه القاطع الحاسم غير القابل للنقاش ..!!..

في الخلاصة …لا شك ان المؤتمر وفر للمدعوين مشكوراً الفرص الكثيرة للقاءات الثنائية… و ان الشباب الاعزاء المسؤلين عن التنظيماللوجستي قد بذلوا جهودا عظيمة لتوفير الراحة و الامان للمشاركين في المؤتمر …لكن المؤتمر تنظيما و اخراجا لم يقدم للاسف شيئاً مناجل اعادة ادماج العراق في الشرق الاوسط سياسيا و ثقافيا و اعلاميا كما كنت اتوقع شخصيا و معي العديد من الضيوف … المؤتمر ظلللاسف تجمعاً بلا هوية و لا مشروعاً للحوار البنّاء و لم يستطع ان يقنع احد بان العراق ممكن ان يكون مركزاً للاشعاع الفكري بدلاً منالفوضى الذي يسود كل ركن في المجتمع مثلما ساد ادارة المؤتمر ايضا…!!..

مرة اخرى اود ان اشكر الاعزاء في مركز الرافدين على الدعوة و الضيافة الطيبة … و اتمنى ان تساهم ملاحظاتي في تطوير اليات عملالمركز و ادارة المؤتمرات القادمة.. و الاهم من كل هذا رسم شخصية مستقلة للمؤتمر و المركز و التخلص من التداخل بين الدور الموضوعي والمشاركة في اللعبة السياسية تحت عناوين اخرى ..

الى حين تحقيق ذاك اتمنى التخفيف من توجيه الدعوة الى المثقفين و خاصة الاكاديمين و احراجهم بعد الان … لان البعض يشعر بالاهانةعندما يجد نفسه مجرد متفرج بائس اضطره التزامه الاخلاقي بسبب الدعوة على مشاهدة مسرحيات دون محتوى…

المثقف لديه رؤيه يهمه ان يطرحها و يناقشها و بالتالي تتشكل اطروحة للمساهمة في خلق مسار للتغيير السلمي في المجتمع … اما نشرالصور الصماء على الانترنيت و الطرقات مثل اصنام المعابد فلن يزيد المثقف الا تشكيكاً بقدرته على طرح شهادته العلمية للتاريخ… حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here