حكومة السوداني والانتقام من أعداء الإسلام السياسي الشيعي

سمير عادل

حكومة الأغلبية ليس في صالح المحاصصة الطائفية والقومية السياسية، أي ليس في صالح جميع القوى السياسية المتواجدة في العملية السياسية، وخاصة عندما تحولت مقولة “المكونات” الى مقدس في الأدبيات السياسية للطبقة الحاكمة في العراق، وتكتسب معطى سياسي مادي حسب توازن القوى في المعادلة السياسية، وعلى سبيل المثال، لو لم يحصل التيار الصدري على اغلبية المقاعد في الانتخابات الأخيرة لعام ٢٠٢٢، فكان الان يحتل موقع في الركب المؤمن في المحاصصة، أسوة ببقية الانتخابات السابقة، ولتحول الى رافع مشعل المكون الأكبر (الشيعي)، كما هو الوضع الان في حالة المالكي وتحالف المليشيات الموالي لولاية الفقيه.

وكما تعودنا على مشاهد دراما الوضع السياسي العراق، فأن اكثر المشاهد الدرامية هي ان الخاسرين في الانتخابات- بغض النظر عن نزاهتها ومهزلتها- يشكلون حكومة، وهذا يعني ان “الديمقراطية” بلغت من النضج عندنا، لا يمكن مقارنتها مع اية دولة ديمقراطية عريقة مثل بريطانيا او الولايات المتحدة الامريكية، فالفائزون في الانتخابات يحترمون الخاسرين، ويشكرونهم على المشاركة في الانتخابات، ويقفون اجلالا لهم، ويمنحون لهم حق تشكيل الحكومة، لانهم كما يقول المثل؛ ليس المهم الفوز انما روح المشاركة، وهكذا تقديرا لمشاركتهم بالانتخابات منحوا حق تشكيل الحكومة، أليست هذه الديمقراطية فريدة من نوعها!

ويا ليت تقف ديمقراطيتنا عند هذه الحدود، بل ان من شطبت عليه انتفاضة أكتوبر، ووضعت علامة ضرب على صورته، وقالت الجماهير عنه انه ممثل القتلة والفاسدين، وهو الرئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، يعود اليوم كي يتوج رئيسا للوزراء.

أي ان الخاسرين في الانتخابات يشكلون الحكومة، والمرفوض من قبل الجماهير يترأس تلك الحكومة، هل هناك مشهد سياسي درامي اكثر مما نشاهده في العراق.

وعندما تكون مرشح لرئيس الوزراء، من قبل جهة سمي بالطرف الثالث، الذي ما زالت يديه ملطخة بدماء المئات من شباب انتفاضة أكتوبر، والى الان طليقة، وعندما يدافع عنك ممثل الطرف الثالث مثل نوري المالكي بشكل شرس كي تتسلم سدة الحكم، فلا يحتاج المرء، لا الخبرة ولا الذكاء، ولا يحتاج ان يكتب تحت اسمه في حوارات الفضائيات رئيس مركز دراسات ما، ولا بحاجة انتحال صفة “دكتور” التي في أغلب الأحيان اما دمج* او حواسم**، نقول لا يحتاج الى كل تلك الشهادات والألقاب كي يعرف ان حكومتك القادمة لن تقل سوءا من سابقتها.

مسألتان في سلم أولويات حكومة السوداني التي ستعلن عن تشكيلها خلال الأيام القليلة القادمة، الأولى توزيع المناصب الاستراتيجية لاسترداد زمام المبادرة السياسية من قبل التيار الموالي لإيران، او تيار الإسلام السياسي الشيعي، والثاني هو الاستعداد لترسيخ الاستبداد وتصفية الحساب مع انتفاضة أكتوبر التي مازالت هناك القليل من الجمرة مشتعلة تحت رماد الانتفاضة.

وما يحدث اليوم في البصرة من ملاحقة قضائية لفعالي ونشطاء انتفاضة أكتوبر، بذريعة حرق مقرات المليشيات الإسلامية الموالية لإيران مثل ثار الله و العصائب وغيرها، وتتزامن مع تشكيل حكومة السوداني، حيث تمثل معطيات مادية على ان المليشيات التابعة للأحزاب والقوى الإسلامية الموالية لإيران تعيد ترتيب بيتها الذي تهاوى بفعل ضربات انتفاضة أكتوبر، والإعداد للمرحلة القادمة، بدءا من مدينة البصرة، لقربها من ايران وتمويلها لمافيا المليشيات التابعة لإيران عبر عمليات تهريب النفط، ومركز حيويا واستراتيجيا لنقطة انطلاق وتمركز المخابرات الإيرانية وتغلغلها في العراق، فمحافظة البصرة تغذي ٩٠٪ من اقتصاد العراق.

الا ان الطريق ليس سالكا أمام حكومة السوداني ولا إمام داعميها، فهناك عوامل تلعب دورها في عدم تحقيق اجندة جناح ايران الذي يمثله المالكي، وهي عدم الانسجام السياسي للطبقة الحاكمة، فكل واحدة من الاجنحة التي تساهم في تشكيل الحكومة لها برنامجها الخاص سواءً المحلية او المرتبطة بمصالح الدول الإقليمية، وثانيا الاحتجاجات التي تضرب جذور السلطة الحاكمة في ايران و ستجد صداها في العراق في القريب العاجل، وثالثا تربص التيار الصدري للانقضاض على الحكومة في فترة أقصاها ثلاثة أشهر- بعد أن يلملم صفوفه اثر الحماقات السياسية التي ارتكبتها- بحجة الثورة ضد الفساد والفاسدين، وأنهم أي التيار الصدري أعطوا فرصة للقوى السياسية الأخرى كي لا يكونوا حجر عثرة في استقرار العراق، ورابعا أن الاحتجاجات الجماهيرية سيشتد ساعدها ضد الفقر والعوز والبطالة والفساد الذي اشعل فتيل شرارة انتفاضة أكتوبر، حيث ان حكومة السوداني لا شيء في جعبتها كي تقدمه، واكثر ما تستطيع المناورة به لامتصاص امتعاض الجماهير وغضبها من اختيار شخص السوداني رئيسا للوزراء، هو إعادة رفع قيمة العملة المحلية امام الدولار او اعادتها الى سابق عهدها، مستفيدة من الفائض في الميزانية الذي بلغ أكثر من ٧٠ مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط، بيد ان هذه المناورة ترتطم بسياسات صندوق النقد الدولي، فمدى إمكانية حكومة السوداني مواجهتها؟

محمد شياع السوداني لن يكون اكثر من رأس لا حول له ولا قوة، لحكومة يقف ورائها صف من اللصوص والقتلة والفاسدين، ولن يكٌن افضل من حكومة الكاظمي التي أصمت آذاننا وأعمت عيوننا بقرع طبولها الإعلامية في القضاء على الفساد ومحاكمة قتلة المتظاهرين عبر اللجان التحقيقية الوهمية التي شكلها، وكل ما وعد به السوداني، في محاربة الفقر والفساد، يدحضه الصراع الذي حدث في ما يسمى بالبيت الشيعي، وتحديدا بين جناح المالكي وجناح العامري على وزارة النفط والداخلية والمالية، فالصراع المذكور يكشف على انه صراع على اقتسام المغانم في حكومة السوداني، وآلة القمع المتمثلة بالداخلية لترسيخ كل واحد منهم لسلطته.

المهم في كل هذه اللوحة، ان الأيام القادمة لن تكون أفضل من سابقتها إذا لم نقل اسوء، وأكثر ما ترعب هذه القوى هو بماذا تخبئ الجماهير لها في العراق، صحيح ان الإسلام السياسي الشيعي الجناح الموالي لإيران استرد زمام المبادرة من جديد، واستطاع بمعية الكاظمي والتيار الصدري من الانقضاض على الانتفاضة، ولكن الصحيح أيضا ان عاصفة ثورية هبت في ايران، وباتت تعصف بقلاع الإسلام السياسي في قم-طهران، وستجتاح الحدود العراقية وحدود كل المنطقة اجلا او عاجلا، فهل يختار عملائهم في العراق مسك قبعاتهم او الاختباء عند الحائط؟ وفي كلا الحالتين لن يفيدهم بشيء.

*قرار دمج مليشيات بدر وغيرها التي قدمت من ايران بعد الاحتلال بالجيش ومنح لهم رتب عسكرية.

** استيلاء الأحزاب والقوى التي جاءت على يد الاحتلال على مباني ومؤسسات الدولة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here