صراع “ولي الامر” مع صاحبة الجلالة

أ.د عبودي جواد حسن
برفسور سابق في جامعة عجمان|الامارات

من اخطر ما يواجهه السياسيون في العالم هو التخاصم مع الاعلام ومعاداته وتكون النتيجة النهائية تقريبا دائما لصالح الاعلام وفشل السياسيين في التغلب على الاعلام وذلك لقوة هذا الاخير التأثيرية لكونه ” السلطة الرابعة| ” ولا ادل على ذلك سقوطة ادارة الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون بعد فضيحة ووتر غيت على يد الاعلام واجباره على الاستقالة. حيث اثمرت جهود الاعلامي البريطاني الراحل ديفيد فروست ورفاقه باعتراف نيكسون بالخطأ بعدخصام طويل و ممطلات مملة. ومن اخطر” الاسلحة” المستعملة في الصراع بين السياسيين والاعلام :الاخبار الكاذبة او المزيفة (Fake News) والحقائق البديلة (Alternative facts ) والمقصود بالحقائق البديلة هو الاستناد الى ارقام ومعطيات اخرى قريبة الصلة بالحدث الاعلامي كاعداد مستخدمي المترو في ذلك الحدث وفي غضون وقت الحدث.و من” الاسلحة” ايضا توظيف التكنولوجيا الحديثة ( Deepfake) كسلاح مضاد ان صح التعبير.
وبعد عقود على ذلك الحدث( ووتر غيت )وفي عهد ادارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب شاع بشكل لافت موضوع الاخبار المزيفة وخاصة عندما قورنت اعداد الجماهير المؤيدة لترامب مع تلك التي خرجت لتهنئة سابقه ذي الاصول الافريقية بارك اوباما وذلك عندما قال المسؤول الاعلامي في البيت الابيض (شين سباسر) ان الاعلام يقلل من شأن ترامب بتقزيم حجم المهنئين حيث ادعى قائلا ان مناسبة فرحة الفوز اخرجت اعداد غفيرة من المهنئيين لم يشهدها تدشين اية ادارة سابقة واضاف ان دليل الصورة والمعطيات الاخرى كاعداد مستخدمي المترو في ذلك اليوم اثبتت عكس ما نقله الاعلام اي اثيتت زيفها حيث فاقت اعداد ترامب اعداد مهنئي اوبا ما في 2009 كما يدعي سباسير.
ومما يجدر ذكره ان الرئيس الامريكي السابق ترامب ليس على توافق تام مع الاعلام التقليدي على وجه الخصوص وقد سماه بانه عدو الشعب رقم واحد (Public Enemy1 ) وخاصة محطة ( سي أن أن) التي انتهجت خطا اعلاميا اخر وحث ترامب الناس على مقاطعة الاعلام التقليدي . وفي الوقت نفسه حدا بترامب الى التوجه الى الاعلام غير التقليدي ك (تويتر) على وجه الخصوص ومع ذلك استعان ايضا بالاعلام التقليدي كمحطة فوكس نيوز (Fox News ) المؤيدة له الى حد كبير. وكما قلنا التخاصم مع الاعلام مهما كان حدته امر خطير وله نتائج عكسية. حيث اصبح الرئيس السابق من بين قلة من الرؤساء الامريكان الذين يحظون بفترة رئاسة واحدة (One-Term President ) بعكس عدد من سابقيه.
وفي بريطانيا جرت العادة ان يقوم العاهل بالقاء كلمة في اعياد الميلاد مهنئا الشعب البريطاني ودول الكومنويث بهذه المناسبة السعيدة في كل نهاية عام ويبث التسجيل الكامل عادة في الساعة الثالثة ظهرا وهو وقت مناسبا يتمكن اغلبية المخاطبين سماعه في الوقت المناسب وغالبا ما ما يستغل المغرضون تحريف المادة الاعلامية كهذه و نشر معلومات مضللة ( Misinformation) لاغراض شتى .
والمعروف ان هناك نوعين من المعلومات من ناحية الدقة والقصد : معلومات مضللة ( Misinformation ) ومعلومات خاطئة مضللة و ( Disinformation)
وعليه فقد ظهرت الحاجة الى ايجاد وسيلة للتصدي للاخبار والمواد الاعلامية الكاذبة.
حيث في عام 2020 ارادت القناة الرابعة البريطانية ان تقوم وبفضل توفر التكنولوجيا الحديثة المساة (ديب فيك) (Deepfake ) و بقصد تحذير المتلقي من الوقوع في فخ الانخداع ان تقوم بفبكرة خطاب الملكة السنوي بمناسبة اعياد الميلاد بشكل مقنع ولكن تماما خطاب غير حقيقي اي مفبرك للتأثير على العموم وبالاخص الاقليات وشعوب دول الكومنولث. وتعتبر هذه من الوسائل الحديثة للتصدي للاعلام المزيف بكسر الزاء. وحظيت التجربة بنجاح كبيرة محذرة الشعب من الوقوع في فخ التزييف
ختاما صراع الساسة والاعلام قديم قدم الزمن ففي الوقت الذي استطاع الزعماء الديكتاتورين تطويع الاعلام عن طريق القوة وتكميم الافواه الا انهم لم يستطيعوا الاستمرار في عملهم هذا لقدرات الاعلام الهائلة على كشف المستور وللتطور الهائل في مجال لتكنولوجيا الحديثة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here