التكامل المعرفي والاجتماعي بين الشعوب وأثره على تطورها

التكامل المعرفي والاجتماعي بين الشعوب وأثره على تطورها
د. ماجد احمد الزاملي
الكثافة المتزايدة للتدفقات المعرفية العالمية تُشير إلى المزايا المهمة التي تحققها العولمة. فرغم الانتقادات الكثيرة التي تُوَجه إلى العولمة بسبب آثارها السلبية المحتملة، إلاّ أنها حققت زيادة في انتشار التكنولوجيا عبر الحدود ،فقد أتاحت العولمة للبلدان الحصول على المعرفة الأجنبية بسهولة أكبر. كذلك تعمل العولمة على تعزيز المنافسة الدولية – بما في ذلك ما تحقق من زيادة في المنافسة نتيجة صعود نجم شركات الأسواق الصاعدة – الأمر الذي يُعزز الحوافز الدافعة للشركات كي تبتكر وتعتمد التكنولوجيات الأجنبية. والعولمة تعمل على تحفيز انتشار المعرفة والتكنولوجيا، مما يساعد على نشر إمكانات النمو عبر العالم . لكن الترابط المتبادل لا يكفي بمفرده. فغالباً ما تكون الدراية العلمية والهندسية مطلوبة لاستيعاب المعرفة وامتلاك القدرة على البناء عليها. ولذلك يُمثِّل الاستثمار في التعليم ورأس المال البشري وأنشطة البحث والتطوير المحلية أمراً ضرورياً لبناء القدرة على استيعاب المعرفة الأجنبية واستخدامها بكفاءة. ويتطلب ذلك أيضا درجة ملائمة من الحماية والاحترام لحقوق الملكية الفكرية – سواءً محلياً أو دولياً – من أجل الحفاظ على قدرة المبتكرين على استرداد التكاليف مع ضمان دعم المعرفة الجديدة للنمو على مستوى العالم. أمّا الثقافات التي تبقى بمعزل عن غيرها والتي تبقى على قدر محدود من المتابعة الثقافية تنأى بنفسها عن المؤثرات الخارجية وتبقى محافظةً على انغلاقِها، وقد تتعاقبُ على كل الأنواع الثقافية والتغيرات في المثاقفة المجتمعية عبر الأزمان على مجتمع واحد، فالتفاعل يعني التأثير المتبادل، والتفاعل مع الحدث هو أن يثير الحدثُ شيئًا ما في الآخر فيدفعه إلى تصرف معين. وقد يكون من سلبيات التفاعل الثقافي بين الأمم هو انتشار الجرائم فيما بينهم واتّساع تلك الإمكانية التي تؤدي إلى حصول الانتهاكات الشخصية، ومن أسباب ذلك قناعة كل طرف بأنّ له الأحقّية في تكوين الصورة الأساسية لمجتمعه والحصول على رغباته ومتطلّباته، ولا شكّ أنّ الجرائم وانتشارها يفتحُ بابًا واسعًا لتهديم عنصر الأمن في بلد من البلدان ممّا يؤدي إلى اختلال ثقة شعبه وفقدان أهم محور من محاور الحياة الطبيعية. ومن المعلوم إن الثقافة مفهوم شامل وواسع، وهي وسيلة لتطوير وتلبية حاجات الإنسان للمتغيرات ومواكبتها، ويهتم بصفة خاصة الإنسان وأفكاره ككيان مهم وأساس المعلومات والأفكار. أن إدخال التقنيات الحديثة أدى إلى إحداث تغييرات وتطورات ملحوظة في مختلف الميادين الإقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذا بسبب نقل حجم كبير من المعلومات إلى الأفراد، ويُعد ميدان التعليم من أهم وأبرز الجوانب التي لا تستغني عن إنجاز البحوث العلمية، ومرجع ذلك هو السرعة والدقة التي تتسم بها المعلومات عن استخدام التقنيات الحديثة في تكوين العلم والمعلوماتية واستخدام الحاسوب الإلكتروني الذي لم تستغنِ عنه أطراف العملية التعليمية، فمن الوسائل التقليدية التي كان يُستعان فيها كالكتاب والشروحات والندوات العملية والمؤتمرات وحلقات العلم التربوية التي تعتمد على المناقشة بكافة أخلاقياتها إلى المستحدثات التكنولوجية لايصالها للمتعلمين والمؤتمرات والندوات الجديدة في التعليم التي أصبحت تستعين بالحاسب الإلكتروني كأهم وسيلة لنقل المعلومات والتي يتم عقدها وتنظيمها عن بعد، وهي كلها وسائل تعتمد على الديناميكية والسرعة وكثرة المعلومات، ولعل هذه السمات تتضمن جانب من الخطورة إن لم يتم استخدامها بأسلوب عقلاني تراعي فيه الضوابط والأخلاقيات التي تؤدي إلى التحكم في هذه الوسائل بأسلوب يجعل من أطراف العملية التعليمية هو العنصر المحوري والبارز في تسييرها.
ويمكننا القول ان الثقافة على أنّها المعارف والخصائص المتعلقة بجماعة معينة تشتمل على العادات الاجتماعية، والفنون، والموسيقى، واللغة، ، والدين وغيرها من المعارف والأنماط المشتركة من السلوكيات والتفاعلات والتراكيب المعرفية؛ لذا يمكن القول إنّ الثقافة تعبِّر عن هوية المجموعة. وللتنوع الثقافي والتقارب بين المجتمعات المختلفة دور في تعزيز التفاعل مع الآخرين وبناء جسور الثقة والاحترام والتفاهم عبر الثقافات. ويساهم التنوع الثقافي في التعزيز من المهارات اللغوية وطرق التفكير الجديدة والمعرفة الجديدة والتجارب المختلفة. تعلّم مهارات التواصل والتفاعل مع المجتمعات والمفاهيم وأنظمة المعتقدات المجهولة، وبالتالي اكتساب منظور حيوي وتوازن ملحوظ لدى الشعوب. والمقصود بالتنوع الثقافي وجود العديد من الثقافات في مؤسسة معينة أو في مجتمع معين أو في العالم بأسره، ومن أبرز الأمثلة عليه وجود تجانس بين الثقافات المحلية مع الثقافات الوافدة، ويشير هذا التجانس لقابلية التعايش المشترك تحت مفهوم التنوع وليس الصدام. وهناك علاقة تلازم بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية، حيث إن الهوية لا يمكن أن تكتمل إلاّ بوجود الثقافة، وتتميز الهوية الثقافية بأنها تمتلك القدرة على فهم التنوع الثقافي لجميع الشعوب. تكفل السياسات الثقافية في كل بلد تهيئة الظروف لإنتاج ونشر سلع وخدمات ثقافية متنوعة، عن طريق صناعات ثقافية تملك الوسائل اللازمة لإثبات ذاتها على الصعيدين المحلي والعالمي، وأخيراً تعزيز القدرات على الإبداع والنشر على المستوى الدولي والسعي لإقامة شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وتوجد اختلافات كبيرة بين ثقافات البلدان المختلفة ، والشعوب تختلف فيما بينها في كثير من الأوجه والنواحي والأشياء، مثل: الدين، واللغة، والحياة الاجتماعية، والنواحي الاقتصادية والسياسية . حيث تعددت الآراء التي تدور حول مفهوم الثقافة، فهنالك من يرى أنّها صفة مكتسبة، أو كيان مستقل عن الأفراد والجماعات، باعتبار تلك المفاهيم جميعاً تدور حول معنى واحد، وهو أنّ الثقافة مركَّب يتكون من مجموعة مختلفة من ألوان السلوك، وطريقة التفكير، والتكامل، والتوافق في الحياة التي اتفق أفراد مجتمع ما على قبولها، مما جعلهم يتميزون بها عن غيرهم من باقي المجتمعات، كما يدخل في ذلك المهارات والاتجاهات التي يكتسبها أفراد المجتمع، والتي تتناقلها الأجيال من جيل لآخر في صورٍ وأشكالٍ مختلفة عن طريق الاتصال، والتفاعل الاجتماعي، ونقل تلك الخبرات من جيل إلي جيل، كما يمكن تناقلها مثلما هي أو يضيفون عليها وفق تغير الظروف وحاجتهم ولكن جوهرها ومضمونها يبقى كما هو. يأتي التعدد الثقافي ليُذيب تلك الاختلافات، ليس ذلك فحسب بل وجعلها نقاط قوة، وذلك من خلال دمج كل تلك الاختلافات معًا، والاستفادة من كل وجهات النظر، وتقاربها وتوظيفها في المكان المناسب. وعندما تتمتع بيئة العمل بالتعدد الثقافي، تكون لدى الأفراد فرص عظيمة لتطوير مهاراتهم ومواهبهم، عن طريق الاستفادة من ثقافة الآخرين من زملاء العمل. كما أن طرح الأفكار والخبرات المختلفة -كل على حسب ثقافته ووجهة نظره- يزيد من فرص التعلّم من الأشخاص بعضهم البعض. وينشأ تعدد الثقافات في ظل الوجود أو القبول، أو تعزيز التقاليد الثقافية المتعددة ضمن نطاق واحد، وتُعتبر عادة نتاج الثقافة المرتبطة بالجماعات العرقية. كما يمكن أن يحدث هذا التعدد الثقافي عندما يتم إنشاء سلطة قضائية أو توسيعها لتضم المناطق المدمجة بثقافتين أو أكثر مثل ما هو موجود في كندا (كندا الفرنسية وكندا الإنجليزية) أو عن طريق الهجرة من بلدان مختلفة من جميع أنحاء العالم (كما هو الحال في كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة).
وهناك الكثير من الأسباب التي تعوّق التفاعل الثقافي مما يجعل التأثير محدوداً لهذا التفاعل، أو معدوماً لفترة زمنية معينة ومن تلك المعوقات: إذا وجدت ثقافة معينة لا تقبل التطور ولا تستطيع أن تقوم بفتح أبوابها للتواصل، ومن أمثلة ذلك وجود شعوب تصُرُ على أن تعيش بشكل بدائي. عدم وجود رغبة لدى شعب من الشعوب لإحداث التطور، وعدم اقتناع هذا الشعب بأهمية ما يحدث من حوله من تطورات هائلة وعدم التفاعل معها. ومن أهم المعوقات المتواجدة أمام التفاعل الثقافي هو خلق روح الطائفية بين الشعوب، مما يخلق شعور لدى الشعب بوجود نقص، وقد يشعر بأنه لا يستحق العيش بحياة كريمة. فكيف بنا في المجتمع نحاول إلغاء ثقافة الآخر ووضعه بغير وجه حق في ثقافتنا، وإلا فالتخطي سيكون مصير هذه الثقافات، ولهذا يأتي الوافد الينا غريباً ويعيش غريباً ويرحل غريباً إلاّ من نجح في الموائمة ما بين ثقافة مجتمعه وما يجده مناسباً أو قريباً من ملامسة ما يقبله.اللغة تقف على رأس مظاهر التنوع الثقافي، وهي الركن الأساسي الذي تقوم عليه أي هوية ثقافية محلية، حيث تفتخر كل أمّة بمزايا لغتها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here