الليبرالي يقرأ عكس ما يفعله الاصولي

الليبرالي يقرأ عكس ما يفعله الاصولي (*) بقلم د. رضا العطار

بعد الف عام من كتابة رسائل اخوان الصفا، بقي الاصوليون على حالهم كما تراهم اليوم – ونقرا لهم ونسمعهم وكأن تاريخ الثقافة العربية قد توقف عند القرن العاشر الميلادي – وهو ما حصل بالفعل – فالثقافة والفكر العربي متجمدان منذ عشرة قرون – – والدليل، اننا لم نات خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة بشيء جديد في الفكر العربي – ولولا ظهور مجموعة من المفكرين الليبراليين، لظل الفكر العربي ارضا يبابا، كما وصفها الشاعر الامريكي ت . اس . اليوت في قصيدته (الارض اليباب).

انكر المفكر العربي زكي نجيب محمود التراث وخيّر الليبراليين بين امرين : اما عصرنا واما تراثنا – وقال (اما ان نعيش عصرنا بفكره ومشكلاته – واما ان نرفضه وتوصد دونه الابواب لنعيش تراثنا – – نحن في ذلك احرار لكننا لا نملك الحرية في ان نوحّد بين الفكرين – ولكن مفكرا ليبراليا آخر كالسوري جورج طرابلسي – ياخذ على محمود استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة – هذه المقولة وينكرها عليه – – فهناك فروقات كثيرة بين طريقة قراءة الاصوليين للتراث وطريقة الليبراليين – – الاصوليون يقراون التراث من خلال المفردات والشكل والبنية النحوية والاسلوب – كما يقول محمد اركون في كتاب (الاسلام والحداثة) – – اما الليبراليون فيقراون التراث بربطه اولا بالعقل – كما قراه ابن رشد ثم ربطه بالقيم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي كانت سائدة عندما تشكل النص التراثي – – ولذا يقول محمد اركون (ان نقد العقل الاسلامي غير ممكن من خلال القراءة اللغوية الشكلية فقط، لان العقل ليس نتاج النصوص، ولان الحقيقة عملية تواصلية تراكمية وليست عملية منقطعة ومرتبطة بزمان ومكان معينين.

وفي القرن العاشر الميلادي ايضا جاء الفقيه عبد الملك الجويني امام الحرمين واحد ائمة الاشعرية صاحب كتاب – نهاية المطلب في دراية المذهب – وهو فقيه ليبرالي اخر يقول بضرورة تطبيق مقاصد الشريعة على واقع كل مجتمع مع الاخذ بالمستجدات والتغييرات – وان التطبيق يجب ان يكون طبقا بتغيير المجتمعات – والهدف من هذا كله اولوية مصلحة الانسان التي تعرف بالعقل السليم وليست بتطبيق ما افتئ به السلف فقط. لاجيال عاشت حياة مختلفة وهو ما نفتقده هذه الايام في فقهاء عصرنا الحاضر.

وفي القرن الثاني عشر ظهر الامام ابراهيم الشاطبي المولود في الاندلس، وهو فقيه ليبرالي بامتياز، فقد سبق زمانه وتجاوز فقهاء عصره، بنى فكره على المقاصد الكلية للشريعة واستخرج منها فتاوى لصالح الناس، ملاحظا الزمان الذي هو فيه. واشترط معرفة زمان الفتوى وظروفها قبل الادلاء بها – وان مصلحة الانسان في كل فتوى هي العليا. وان الاصل في الاشياء الاباحة.

وفي القرن الثاث عشر الميلادي ظهر الفقيه نجم الدين الحنبلي الذي تجاوز اهم القواعد الفقهية القائلة لا اجتهاد في النص – فاباح الاجتهاد حتى مع النصوص الواضحة القاطعة المجمع عليها. فالغى فريضة متعة الحج – وفريضة متعة النساء وفريضة المؤلفة قلوبهم لاختلاف المصالح بدوران الازمان – وان رعاية مصالح الناس تعلو على النص والاجماع وتقدم عليها – – هذا ما صرح به سيد القمني في

( خريطة الطريق نحو الاصلاح)

* شاكر النابلسي في (العرب بين الليبرالية والاصولية الدينية).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here