الموسيقى وكثرة آلاتها عند العرب (اقتباس)

الموسيقى وكثرة آلاتها عند العرب (اقتباس)

د. رضا العطار

لقد عرف العرب والمسلمون من الآلات الموسيقية عددا كبير , حتى بلغ من كثرتها ان قال الباحث – هنري جورج – اننا لا نستطيع ان نحصيها على كثرتها الا عشرها . ففي مجموعة الوتريات فقط نجد المزهر , وهو العود العربي الجاهلي , والربابة وهي التي تعزف بالقوس. لا بريش الطير , وهي ام الآلات عند العرب , ومنها تفرعت الكمنجة والقانون والنزهه والسنطور والجنك او الهارب

ومن النايات : البم والشبانه والجواق والصفارة

.

ومن الدفوف : الطار والدائرة والمثمنة .

ومن الطبول : النقارة و الطبل والقصعة .

كما عرف العرب في القرن العاشر الميلادي الاراغون وموسيقى القرب الذي شاع استعماله خاصة في الاندلس .

لكننا نعود ونقول ان الموسيقى التي كتب لها ان تبقى سليمة حية في المجتمعات العربية هي الموسيقى الشعبية التي كانت الجماعات تغنيها في حفلاتهم فهي بسيطة في نغمها , طبيعية في صياغتها تتماشى مع الذوق السليم , لآن موسيقى الشعوب هي مرأة للذوق المحلي تعكس تطلعات الانسان بصورة صادقة ولا يستطيع رجال الدين حيالها ان يعملوا شيئا لآنها جزء من حياتهم نفسها شأنها شأن الماء والطعام فهي ليست مظهرا من مظاهر الترف ولا محاولة لارتكاب المعاصي انما هي تعبير فطري ساذج تعكس الانفعالات العاطفية البريئة لدى الانسان، ولهذا عاشت هذه الموسيقى واصبحت جزا لا يتجزأ من حياة الشعوب فهي ثروة وطنية عظيمة.

والطريف في هذا الشأن ان موسيقى المسلمين في جميع البلدان الاسلامية تتشابه في ذوقها ونغمها, فالموسيقى التي تعزف في العراق مثلا يقبل عليها اهل المغرب العربي . والنوتات الموسيقية التي توضع في الاندلس تجد اقبالا واسعا في مصر وتركيا والباكستان. والانغام الموسيقية في اندونيسيا هي ذات طابع صيني, لكنها اقرب الى موسيقى المسلمين من الصينية, فكأن الامم الاسلامية تقاربت في عالم الانشاد والنغم مثلما تقاربت في عالم العقيدة و مبادئها الاخلاقية الفاضلة.

اود الاشارة الى ان الموسيقية العربية الاولى ظهرت من قبل فنانين مهرة في العهد العباسي الاول في بغداد وبقى العراقيون يطربون اليها طيلة القرن الثاني والثالث الهجري, لكنها تلاشت تدريجيا خلال القرن السابع منه. وكان لابد من الاقتباس من مصادر اجنبية, وما يعرف اليوم بالموسيقى العربية ليس فيها من العربية الا الشئ الضئيل.

لقد عاشت موسيقى الشعوب الاسلامية عمرها دون ان تدون واعتمدت على التلقين دون الكتابة والتسجيل حتى لدى كبار قارئ القران الكريم.

وان ما لدينا من الموسيقى التي يروق لنا ان نسميها بالموسيقى العربية ماهي الا موروثات اجنبية استقبلناها من فنانين اتراك من امثال – عاشق افندي – والمعروف عن هذا الفنان المبدع انه صاغ انغاما ممزوجة مابين عربية وفارسية وتركية اسماها بمصطلحات عديدة منها – العجم – وعشيران – والنهاوند – وما الى ذلك.

وما زالت الموسيقى العربية والاسلامية تراوح على النغمة الواحدة – الميلودي – الذي ينشده المغني وحده او ينشده الفريق كله دون الاتجاء الى التلوين النغمي المعروف بالهارمونيا التي تصنع السنفونية. هذا اللون من الموسيقى يتأتى جمالها من اختلاف عناصرها لكنها تعزف مع انسجام الانغام, فعندما تتوسع افاق العمل وتتناغم الات النغم في الاداء العام تجعل المستمع يقترب اكثر فاكثر على فهم طبيعة الحياة وما يجري فيها .

فالمعروف ان موسيقى الكلاسيك ترهف حس الانسان وتصقل ذوقه وتبلور افكاره على نحو يكون اكثر رقة وانسانية, فعاشق هذا الفن يكون في الغالب اكثر ميلا الى الاتقان في انجاز العمل والى احترام قوانين المجتمع والالتزام بأنظمته و بثوابت الاخلاق, يمتاز في معاملته للاخرين باسلوبه السلمي السليم, فهو هادئ عطوف رحيم,

يتحلى شعوره الفياض بصفاء القصد وحسن النية, وعندما نستمع الى موسيقى الكلاسيك , يغمرنا احساس الفكر والوجدان وليس احساس العاطفة والشهوة.

ان موسيقى الكلاسيك في رأي، انها توسّع نظام الانسان في تفكيره وتجعله يقترب من الكمال، تفضي عليه الرغبة في طرد الشر من كيانه ومن الجزء الاكبر من خلائق مجتمعه.

وحينما نكون جالسين مستمعين صامتين متأملين يعترينا الشعور وكأننا داخل قاعة محاضرة لعلوم الفلسفة والدين, فقد ارتفع هذا اللون السامي من الفن وارتقى الى عالم الخيال الخصب الممتع , انه احد مظاهر الحضارة الحديثة والثقافة الرفيعة عالية المستوى

كما يعتقد كاتب السطور بان لموسيقى الكلاسيك تاثير بالغ على اسلوب الكتابة ، تحسنه ، بشكل او بأخر .

يغمرني الاعتقاد ان هناك صله بين الدين الحنيف والفن الطاهر سواء اكان ذلك الفن رسما او نحتا او شعرا او لحنا , فكلاهما مشكاة تضي , فالدين هو ذلك القبس السماوي الذي يملآ القلوب بالصفاء والآيمان وحب الآخرين, اما الفن فأنه ذلك القبس العاطفي الذي يسمو بمشاعر الآنسان الى الآفاق الرحيبة بكل ما يتعلق بأحاسيسه الذاتية السامية, فكلاهما قائم على قواعد الآخلاق. ومن هنا يمكن القول بأن الدين يرعى عقل الانسان يرفعه الى مستوى الفضائل الآخلاقية, والفن في جميع صوره واشكاله يرعى ذوق الانسان, يصقل مواهبه الفطرية ويبلور قدراته الخلاقة التي تجعل سنوات عمره زهوا.

* مقتبس من كتاب حضارة العراق لمجموعة من الباحثين العراقيين، بغداد 1985

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here