لمحطة رقم 10 الفرزة الخامسة

لمحطة رقم 10 الفرزة الخامسة
لقد خطر على بالي ثلاثة أشخاص من محلتي ليس لهم ناقة ولا جمل في السياسة وأنّ الجلاوزة يعرفونهم حق
المعرفة وحسب توقعي أنّي من خلال هؤلاء الثلاثة يكون خلاصي واثبات حُجتي بأني لستُ في تنظيم شيوعي
جديد ولا توجد عندي خلية أتستر عليها واستقر قراري على هذه الفكرة.
حلّ المساء وبدأت التحيات وحالي في أسوء حال وهي الليلة الرابعة أي يوم الخميس وفي الساعة الثامنة
تقريبًا بدأ المشوار فأخذوني الى غرفة المساعد سامي واعادوا الفلم كما كان بالأمس عندها قلتُ في نفسي
دعني أستعمل الورقة الأخيرة وهي أن أذكرَ الثلاثة الذين يعرفهم الجلاوزة بنقاء صفحتهم وهم كل من زميلي
بالابتدائية حسن جنكول وابن محلتي الرياضي طالب ياره وابن محلتي الخباز سعيد موسى المكصوصي.
وبعد فترة وجيزة تم احضارهم وكان اكثرهم انفعالًا سعيد موسى وبين الاخذ والرد طلبتُ الاختلاء بهم فأدخلونا
الغرفة ودخل الجلاوزة معنا فضاعت الفرصة بشرح موقفي لهم وانتهى اللقاء باخراجهم من الغرفة وفي أثناء
خروج طالب يارة قال لي معاتبًا / انت تدري اولادي ينتظروني وهذا التفاح لهم / واخرج تفاحةً من كيس كان
يحمله/ بعد هذه العبارة تمنيتُ فيها الموتَ قبل ارتكاب خطيئتي هذه وقررتُ تبرئتهم ولا أعود لمثلها حتى يحكم
الله بيني وبين الجلاوزة.
وما أن خرج الثلاثة الى الممر أخرجوني بعدهم ليبدأ المشوار الثاني فسألوني ماذا تقول عنهم فأعدتُ السؤال
عليهم ماذا تقولون أنتم عنهم فقالوا: أبرياء فقلتُ لهم/هم أبرياء وانا بريء مثلهم فأطلقوا سراحهم وبعد قولي
هذا أخذني الجلاوزة بالضرب والكي بالكاوية التي كان يحملها شامل مدير امن الحي وقد استمر هذا ثم توقف
فجأةً واخرجوني الى الممر وهم يتوعدوني ان أقول أنّي شيوعي ولم اعرف ما هو سبب التوقف وهذا التهديد
ثم أدخلوني الى غرفة مدير الامن ضياء العلكاوي وهو الأخ الأصغر الى ذياب العلكاوي المتآمر والمشارك في
انقلاب شباط 1963 دخلتُ فوجدتُ جارنا امين سر الغرفة جابر غلام ومعه زميلي وابن مدينتي موفق جابر
فسلمتُ وقعدتُ على زولية مفروشة بالغرفة فسألني مدير الامن العلكاوي أمامهم : ما تقول هل أنت شيوعي
ام انت غير شيوعي/ توقفتُ عن الإجابة لثواني فتبادر لذهني التهديد الذي قاله لي أحد الجلاوزة بالممر فكان
جوابي أني شيوعي/فالتفتَ الى ضيفيه وقال لهما/هذا هو يعترف أمامكما/ وما أن انهيتُ جوابي حتى أعادوني
الى غرفة المساعد لاستكمال الحفل فاستمر كالليلة السابقة وصرتُ في غيبوبة لا أدري ما حصل الى الثلاثة
ولا أدري كيف وصلتُ الى غرفتي ولم أفق حتى دخول المساعد سامي صباحًا وهو جالس على الكرسي
والجميع وقوفٌ وكأنّ على رأسهم الطير.
بقيتُ جالسًا وبدأ المساعد سامي بالتهديد والوعيد وأضاف على مسمعي تعذيبًا جديدًا وهو الجلوس على
الصوبة ولا أدري هل يعني بالصوبة الكهربائية أم النفطية وفي الحالتين إنّ احلاهما مُرُّ.
فكان جوابي له/ أستاذ سامي خلينا نتكلم بصراحة أنتم تتهموني بأني بتنظيم شيوعي جديد ومعي اثنان فأين
هما الاثنان كي اعرفهما واتبين الحقيقة؟ واذا كانت غايتكم التعذيب فهذا انا امامكم !
فأجابني/ غايتنا الحقيقة / فقلتُ له أحضروا الاثنين لأعرف ما يقولا عني / فأجابني اصطبر لي بسيطة سوف
أحضرهما.
ومن هذه المقابلة استنتجتُ بأن جماعتي الثلاثة قد خرجوا الا أنى بقيتُ في دوامة من القلق كيف إذا ما جاءوا
بواحد واتهمني بالتنظيم وتَقّولّ عليّ واتهمني كذبًا كما فعل حسن علوان فماذا يكون موقفي اذن؟؟ أخذتني
دوّامة الأفكار حتّى سمعتُ اذان الظهر فخاطبتُ ربي من اعماقي خطابًا خفيّا فيه لوعة مظلوم ثم نذرتُ لوجهه
الكريم نذرًا وأوكلت اليه الامر في خلاصي من هذا الابتلاء.
حلّ وقت المغرب وبدأت التحيات وأنا بانتظار القادم وما هو المقسوم في ليلتي الخامسة ليلة السبت وقد مضى
الوقت الذي كانوا يبدأون به حفلتهم الساهرة معي.
فقلتُ في نفسي/لا تستعجل كل الليل لهم حَفْلٌ وسَمَرٌ/ وفات هزيعٌ منه وإذا بأحد الجلاوزة يفتح الباب ويناديني
قُلتُ الآن ابتدأ المشوار وما أن دخلتُ غرفة المساعد سامي تفاجأتُ بشخصين هما صهري ابن عمي الحاج
ناصر عساف ومعه العميد هيوه المفتي ودار بيننا الحديث وتكلم ابن عمي مع المساعد سامي وفي غضون
نصف الساعة انتهى اللقاء واعادوني للغرفة.
ومضت الليلة السادسة ليلة الاحد ثم مضت الليلة السابعة ليلة الاثنين وفي الليلة الثامنة ليلة الثلاثاء يتم نقلي
الى الغرفة القريبة من السلم الأول للبناية وهناك وجدتُ عددًا من الموقوفين تعرفتُ على أحدهم هو الشخص
الذي اعترف عليَّ وعلى المجموعة التي كان فيها عام 1963 المدعو دفّار عرير فاستقبلني بالسلام ودار بيننا
في خفيةٍ همسًا عمّا حصل معه فـفهمتُ منه أنه انتقل لميسان ويسكن مدينة العمارة مركز المحافظة وعلاقته
بالحزب جيده وسألتُهُ عما حصل له من تعذيب فأجابني/ بأنّـهُ تلقى بعض الصفعات وانتهى موضوعه.
بِتُّ تلك اللية بحالة من الارتياح لكن هاجس الشخص الثالث باقٍ في حسابي وتحلُّ الليلة التاسعة وفي هزيعها
الأخير يُنادي باسمي أحد الجلاوزة ليقتادني الى غرفة المساعد سامي وكان في ظني لقائي بالشخص الثالث.
وما أن دخلتُ الغرفة تفاجأتُ بقولهم/ احضر كفيلك فلم أجد غير ابن عمي الحاج ناصر فاتصلوا به فجاء على
الفور وكفلني وكانت الكفالة 200 دينار وفي نفس الوقت كان/ الموقوف حامد/ يحتاج الى كفيل فطلبتُ من ابن
عمي كفالته فاعتذر والحقيقة أن طلبي كفالتَهُ فيه ما يدعو الى زرع الشكوك برؤوس الجلاوزة، ولكني طلبتُ
منه أن يُخبرني عن أحد أقاربه فعرّفني على بائع قماش محله مجاور محل/ اشطيب أو اشتيب بائع الدهن.
وما ان حلَّ صباح يوم الأربعاء المصادف 30/ اذار ذهبتُ صباحًا للشخص المعني واوضحتُ له الموضوع
فبادر بالذهاب لكفالة حامد وكان هذا اليوم هو يوم وقوف الحجيج على جبل عرفات كما أنّي بادرتُ الى الوفاء
قي نذري فضَحَيْتُ بأضحية لوجه الله وفاءً بما عاهدتُهُ به.
وقـد خرجتُ من التوقيف ولسان حالي يقول قول المتنبي:
سأحملُ روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّـا حـيـاةٌ تَـسِـرُّ الصـديـقَ وإمّـا ممـاتًا يُـغـيـضُ الـعِـدى
ثم بعد ذلك تبينت حقيقة توقيفي وهي أنّ صديقي الذي صادقني عام 1966 بمقهى عبد الاله الدبين الكائنة في
محلة المشروع والمدعو الحاج مجيد سعدون الأمير والذي كان يتردد عليّ في غرفة التجارة بين الحين
والاخر أخذ يزورني يوميًّا في الأشهر الأخيرة من عام 1970 فيأتي من الساعة التاسعة صباحًا حتى نهاية
الدوام وفي إحدى زياراته اليومية في شهر شباط عام 1971 ومن خلال حديثه معي تطرق الى ذكر مساعد
مدير الامن المدعو علي برع الجنابي فقال: أنّ بين البرع والمحافظ جعفر الذهب معركة تسقيط.
فعلقتُ للطريفة على الموضوع وقلتُ / هذا علي البرع بَـرع اسم على مسمى/ وضحكنا وبعدها تم اعتقالي في
ليلة 21 اذار وهنا لا أستطيع تحديد ما نقله عني بحيث اوغر صدر البرع والبرع بالاصل كان يضمر هذا الحقد
عندما كان يمر بساحة سيد حسين عصرًا مرتين او ثلاث مرات خلال الأسبوع بسيارة الامن ويراني واقفًا مع
بعض أبناء المحلة وهذا ادانة كافيه بحد ذاتها حسب المفهوم البعثي باعتباره تجمعًا مشبوهًا لقد جاء الفَرَج
للبرع بهذا التعليق فرسم الطريق بأن يتهمني في تنظيم شيوعي جديد وهذا سهل بوجود صديقي الذي تعين
مخبرًا لديهم في غرفة التجارة في أواخر عام 1970.
فقد تم تكليفه من قِبَل المساعد البرع ليقوم بوساطة لدى التاجر محمود الحاج حمزة الراضي ليتكفل العامل
في النسيج حسن علوان في سلفته وهو من رفاق عام 1963 والذي لا استبعد أصبح مُخبرًا بعد ان نفض ما
في جعبته في أيامها ولإبعاد الشكوك وللتغطية أرْفَقَ مع سلفته سلفةً لعامل يُـدعى حامد والذي لم أتعرف عليه
الا ليلة توقيفي.
ومنها تبين لي ان المساعد البرع غبي في تخطيطه ولصق التُهَمة ظهر هذا بعد نقله وتولي المساعد سامي
التحقيق معي حين طلبتُ منه احضار الشخصين اللذين ذكرهما حسن بأنهما معي بالتنظيم وكانت النتيجة ان
احضر الجلاوزة واحدًا وهو دفار عرير الذي اثبت براءته للجلاوزة ثم عجزهم عن احضار الاخر فصاروا امام
الامر الواقع وهو ان يُخلوا سبيلي بكفالة.
هذا ما تبين لي قبل إطلاق سراحي حين ادخلوني الى غرفة المساعد سامي ووجدتُ فيها شخصًا لم أره في
الأيام الماضية حيث تكلم معي بنعومة وكلامه اشبه ما يكون بالاعتذار وما أتذكره من كلامه أنّه قال:
لا تحملنا مسؤولية اعتقالك، ولكن الاعتراف عليك اقتضى ان نستدعيك للتحقيق وهذا اجراء نتخذه حتى وان
كان المتهم في الحزب ثم قام بعد أن أنهي الكلام معي للاتصال بابن عمي الحاج ناصر للحضور وكفالتي.
أمّا عن علاقتي مع صديقي الحاج مجيد سعدون الأمير رغم معرفتي به مُخبرًا الا أني بقيتُ معه وقد انقطعت
زياراته عني في الغرفة حين دخلنا في بداية عام 1974 لوجود مَنْ يُغنيهم بالمعلومات التي يُريدونها عني
وعن الاخرين وكان آخر لقاءٍ لي به في بيتهم ببغداد / حي المنصور عام 2005.
وأما حسن علوان الذي توعدتُ أن أقتلَهُ اقتنصتُهُ مرتين يتلصص عليَّ من شباك الغرفة المُطل على الشارع
وهو على دراجته الهوائية عساهُ يعثر على شخص معي في الغرفة ولسوء حظه أني كنتُ خارجًا أنظر اليه من
السياج ومنها تأكد لي عمله/ أنّه مخبر سري/ واخر لقاء لي به هو عام 2005 في السوق القديم قرب محل
عبد الرزاق غفوري الحاج عبود النجار حيث كنتُ وأخي محمد جواد بالاتجاه المعاكس له وحين رآني رأيتُ
الرعب في عينيه وعلى وجهه ولا يدري أنّي تركتُهُ وأمثالَهُ ممن ظلموني الى الله سُبحانه ليستوفي حقي منهم.
وأمّا عبد الأمير الذي كان مسؤولي في بداية تنظيمي فقد رأيتُه بعد خروجي من التوقيف بشهر هو وزوجته
في مصلحة نقل الركاب في الكوت عند ساحة العامل وهو يتحدث معها ويُشيرُ بإصبعه نحوي.
وأمّا عن الموقوف حامد فقد سألتُ صديقي المخبر السري الحاج مجيد بعد فترة من خروجي من التوقيف
فأخبرني بأن الجلاوزة أعادوا توقيفه وتمت تصفيتَهُ ثم أحرق الجلاوزة جثمانه ورميت في منطقة الداموك
وكان ردّي على هذه الجريمة / أما كان يكفيهم انهم قتلوه؟؟؟!
أمّا المساعد سامي فقد كان آخر مرة التقيتُه حين كنتُ واقفًا بجانب محل ابن عمي سامي ومعي كتاب أدبي
مستعار من مكتبة نقابة المعلمين وجاء بسيارة الامن ومعه اثنان من الجلاوزة لشراء قرطاسية الى دائرته
وما أن نزل وانتهى كلامه مع ابن عمي عن القرطاسية مـدّ يـده نحوي ليتصفح الكتاب فأعطيتُهُ الكتاب وبعد
الاطمئنان أعاده لي وكان ذلك في اليوم الأول من شهر رمضان من العام الميلادي 1972 حيث دار الحديث
عن الآية الكريمة / ومَنْ شَهِدَ منكم الشهر فلْيَصُمْهُ / فكان رأيه في / شَهِدَ / هو شاهدَ من المشاهدة البصرية
ولأني لا أقبل المجاملة كان جوابي له أن معناها حضر في شهر رمضان وليس رأى وطال الكلام وأخذ لوازمه
ثم غادر وهو مكبوت من إصراري فعاتبني ابن عمي على جدالي معه وذكرني بتوقيفي قبل عام فقلتُ له هذا
طبعي ولا أجامل على غلط وبعد هذا اللقاء لم أرَ وجهه والى اليوم.
*************************************************************
الدنمارك / كوبنهاجن الثلاثاء في 2 تشرين2 / 2022

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here