الوظيفة العامة.. على سفود المحاصصة!

محمد عبدالرحمن

من جديد اثارت الإجراءات التي أقدمت عليها حكومة السيد محمد شياع السوداني بشان الاعفاء والتعيين في عدد غير قليل من المناصب العليا في الدولة، جدلا بشان كيفية وآلية اسناد الوظيفة العامة في الدولة.
وإذ جرى تبرير هذه الخطوات بان حكومة تصريف الاعمال للسيد مصطفى الكاظمي لم تمتلك صلاحية التعيين دستوريا في تلك المواقع والمناصب، العسكرية والأمنية والمدنية، فانها لم تحصل مع حكومات سابقة وعلى هذا النطاق الواسع، وعسى ان يكون ذلك قاعدة تسري في المستقبل أيضا اي حتى على الحكومة الحالية عندما يتم تحديد موعد الانتخابات المبكرة كما جاء في المنهاج الوزاري، وتتحول الى حكومة تصريف اعمال، بمعنى ان لا تقدم على تعيينات غير دستورية.
وحيث ان الإجراءات متواصلة على قدم وساق لاعادة ترتيب وهيكلة الوزارات من درجة مدير عام فما فوق، فالسؤال هنا: اية معايير سوف تؤخذ بنظر الاعتبار؟ وهل ستكون المحاصصة حاضرة أيضا، مثلما تشكلت الحكومة على أساسها؟ وهل ستدخل الاعتبارات السياسية والمناطقية والعشائرية على الخط؟ وما حصة الدولة العميقة في ترتيب الأمور؟ وهل سياخذ مجلس الخدمة دوره الحقيقي فعلا؟ وهل وهل..؟
تتوجب الإشارة الى انه عندما يجري الحديث عن ان العراق دولة ديمقراطية، فما يحصل عندنا لا نجده في الدول الديمقراطية الحقة. نعم تحصل تغييرات وتعيينات جديدة بحدود معينة عند قدوم حكومة جديدة، لكنها في جميع الأحوال لا تمس البناء الأساسي لمؤسسات الدولة، بل بالعكس في حالات معروفة جرى اسناد مواقع مهمة الى منافسين سياسيين تتوفر فيهم الخبرة والكفاءة، وبهدف الاستمرارية وانسيابية العمل. وهذا بالتأكيد يحصل في الدول التي فيها مؤسسات راسخة، وفيها انفاذ للقانون.
بات معروفا ان خللا كبيرا حصل في اسناد الوظيفة العامة منذ 2003، وسرى مفعول المحاصصة حتى الى الحلقات الدنيا في السلم الوظيفي لمؤسسات الدولة، بل ان هناك مواقع معينة لا يحلم احد في ظل هذه المنظومة الحاكمة والمتسلطة في الوصول اليها، حيث احتُكرت لهذه الفصيل او الحزب او الكتلة او تلك الشخصية، والحجة حاضرة طبعا وهي تمثيل المكون، الطائفي او القومي او الديني، وبعضه الآن مسنود بقوى السلاح داخل وخارج مؤسسات الدولة.
وقاد هذا بالنتيجة الى ضعف الأداء على كل المستويات، والعجز عن النهوض بمهام مؤسسات الدولة وادارتها، وقسم من هؤلاء الذين أسندت لهم تلك المهام لا هم لهم الا مراكمة الثروة على حساب المال العام، وهذا ما بات واضحا الان في ما جرى كشفه من منظومة الفساد، التي غدت اخطبوطا امتد الى مؤسسات الدولة، من دون استثناء، ووجد طريقه، للأسف، الى المجتمع.
كما تسببت هذه الطريقة المتبعة في اسناد الوظيفة العامة الى ابعاد قسري للعديد من الكوادر والكفاءات العلمية والإدارية والمالية، وهذا ما تجلى أيضا في عدد من الوزارات في الحكومة الحالية، ففيها من لم ُتعرف عنه أية خبرة او ممارسة في مؤسسات الدولة، وطبعا الى جانب عدد من الكفاءات المعروفة بخبرتها وامكاناتها.
نشير أيضا الى الكم الهائل من الكفاءات التي اضطرت الى مغادرة بلدها لهذا السبب او ذاك، ولم تبذل جهود جدية للاستفادة منها، بل ان هناك تجارب مع عدد منهم، تبين مدى الاستخفاف بمثل هذه القدرات الوطنية المهملة والمتروكة.
لذا فان الحديث عن مجرد الاستفادة من الكوادر الموجودة حاليا في الوزارات، هو تفريط متعمد بكفاءات وقدرات موجودة الان داخل الوطن وخارجه.
فهل ان حكومة السيد السوداني جادة فعلا في التوظيف العقلاني للكفاءات العراقية، اعتمادا على التجربة والخبرة والنزاهة، وبعيدا عن جائحة المحاصصة وضغط المتنفذين والمناطقية والعشائرية والحزبية الضيقة؟ ننتظر الأجوبات في الأيام القريبة القادمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاحد 6/ 11/ 2022

يرجى الاشارة للمركز الاعلامي للحزب الشيوعي العراقي عند النشر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here