أطراف في الإطار التنسيقي تستخدم سوط مكافحة الفساد للانتقام

بغداد/ تميم الحسن

يتوقع ان تكون اول عودة علنية لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، المعتزل منذ أكثـر من 3 أشهر، الى السياسة من بوابة الحديث عن “محاربة الفساد”. فالملف الشائك يتصدر الان “ترند الحكومة” والجميع يتحدث عن “استرداد الاموال المنهوبة”، فيما الصدريون يجدونه ملفا دعائياً حتى الان. بالمقابل ان أطرافا في الإطار التنسيقي تضغط على محمد السوداني رئيس الحكومة لتحويل الملف الى “اداة انتقامية” من بعض الخصوم.

وقد يكون السوداني في مرمى الاحزاب كما حدث مع اسلافه الذين حاولوا اقتحام “وكر الدبابير”، لكنه يحاول الان الاختباء وراء خلافات القوى الشيعية لحماية نفسه.

ويرى مراقبون على الطرف الاخر، ان الاحزاب لن تترك رئيس الحكومة مطلق اليد في مواجهة الفساد، وان المواجهة تحتاج الى ادارة شجاعة ومكاشفة للرأي العام. وركز السوداني في برنامجه الحكومي على محاربة الفاسد، كما أطلق مؤخراً تسمية “جائحة الفساد” على غرار فايروس كورونا، فيما وصف الاول بانه “أخطر من الوباء”. ويتوقع نائب صدري سابق ان يشهد ملف الفساد اول تحرك من زعيم التيار مقتدى الصدر للعودة الى السياسة. وكان اول ظهور للصدر بعد تشكيل حكومة السوداني، في خطبة الجمعة الاخيرة بمسجد الكوفة في النجف. وقال النائب السابق في حديث لـ(المدى) شريطة عدم ذكر اسمه ان “زعيم التيار يراقب الحكومة وقضايا الفساد من اولى اهتماماته”. وكانت مصادر قريبة من الحنانة حيث مقر الصدر في النجف، قد افادت في وقت سابق عن قرب حمل خطب الكوفة جوانب سياسية. وكانت اخر خطبة جمعة للصدر قصيرة استغرقت نحو 15 دقيقة ولم تتطرق الى الجوانب السياسية، حيث أعلن زعيم التيار الاعتزال عقب احداث المنطقة الخضراء في آب الماضي.

ويضيف النائب السابق: “الصدريون في فترة الإعداد لتشكيل الحكومة –قبل استقالة نواب التيار في حزيران الماضي- كانوا قد اشترطوا على القوى السياسية رفع الحصانة عن اي شخص تتم ادانته مهما كان منصبه”.

وهذه المطالب فهمت آنذاك من أطراف في الإطار التنسيقي التي كانت تحاول اقناع الصدر للانضمام الى تحالف شيعي واسع، بان المقصود منها هو نوري المالكي زعيم دولة القانون.

ولذلك كانت هذه الاطراف قد طالبت مقابل تحقيق مطالب الصدريين في تشكيل حكومة اغلبية بمنح المالكي منصبا تشريفيا للحماية، وهو ما قد يتحقق الان في حصول الاخير على موقع نائب رئيس الجمهورية. ويتهم الصدريون المالكي وحزب الدعوة باهدار نحو 500 مليار دينار بين اعوام 2006 و2014، وتحميل رئيس الوزراء الأسبق مسؤولية دخول عصابات داعش الإرهابية. ويشير النائب الصدري السابق الى ان “اجراءات الحكومة حتى الان في محاربة الفساد لا تتعدى ان تكون اجراءات دعائية، لا تختلف عن قرار حظر المواقع الاباحية، وزيادة مفردات البطاقة التموينية”. وكرر محمد السوداني الكلام عن الفساد نحو 10 مرات في غضون 3 اسابيع منذ لحظة تسلمه رئاسة الحكومة.

وفي اخر لقاء جمع رئيس الحكومة مع لجنة الامن والدفاع في البرلمان تحدث بشكل عرضي بعيدا عن القضايا الامنية، عن “وجوب إعادة المبالغ المسروقة”!. وقال السوداني في بيان صدر أمس عن مكتبه متحدثا عن الفساد: “لن تكون هناك مصداقية مرجوّة من جهود مكافحة الفساد ما لم نثبت للمواطن العراقي إمكانية استعادة هذه الأموال وحمايتها”. ومطالب “استرداد الاموال” عبارة تكررت في اخر ثلاث حكومات بطريقة “النسخ واللصق” ضمن البرامج المتعددة لمحاربة الفساد. في تشرين الثاني عام 2017، أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، عزمه شن “حرب على الفاسدين” داعياً “الناشطين والمواطنين الى التعاون في كشف الفاسدين”. واضاف حينها خلال مؤتمر صحفي مقارنا بين الفاسدين و”داعش”: “أمام السارقين خيارين أما ان يسلموا أموالهم او يخسرون الاموال ويقبعون بالسجن ولن يشعروا بالامن”. وفي نفس الشهر الاخير بعد عامين، أصدر مكتب عادل عبد المهدي في 2019، بيانا دعا فيه السياسيين للتعاون مع الحكومة في “إعادة الأموال المسروقة”. وفي من ايلول العام الماضي، وقف مصطفى الكاظمي امام المهتمين بقضايا النزاهة والمال وقال ان “اموال العراق المسروقة ستعود إلى أصحابها مهما طال الوقت”. واضاف حينها في مؤتمر سمي بـ “مؤتمر استرداد الاموال المهربة” أن “الفساد واسترداد أموال الشعب العراقي المهربة إلى خارج العراق، يمثلان أولوية للحكومة الحالية”.

ويقدر حجم الأموال المنهوبة من البلاد بحدود 360 مليار دولار، وفق تصريحات مسؤولين سابقين في لجنة مكافحة الفساد التي شكلها عبد المهدي في 2019. في غضون ذلك يصف سياسي قريب من مكتب السوداني التقرب من ملفات الفساد باعتباره تقربا من “عش الدبابير”. ويقول السياسي المطلع في حديث لـ(المدى)، ان “السوداني يحاول الان التخلص من اشتراطات بعض القوى الشيعية لكن قد ترتد عليه في حال قرر اقتحام ملفات الفساد”.

ويكشف السياسي عن ان “أطرافا شيعية تريد استخدام هذا الملف للانتقام من بعض المنافسين وخصوصا الصدريين، لكنه توجه يعارض أطرافا اخرى داخل الإطار والسوداني يحاول حماية نفسه بين الفريقين”. ويشير السياسي المطلع الى ان “الإطار التنسيقي كان قد تقصد اختيار السوداني لأنه لا يملك ثقلا في البرلمان ليكون التخلي عنه سريعا وبدون اضرار”. وفاز السوداني لوحده بكرسي في البرلمان قبل ان يصعد تياره “الفراتين” الى 3 مقاعد عقب استقالة نواب التيار الصدري في الصيف الماضي. وكان المتصدون لقضايا الفساد قد قتلوا او اختفوا في ظروف غامضة، اخرهم كان القاضي عزت توفيق الذي مات في 2019 بحادث سيارة يعتقد بانه مدبر. وقبل 6 أيام من الحادث، قال عزت في مقطع مصور، بانه “يبحث منذ أسبوع في ملفات خطيرة، تتعلق بالعقارات والمنافذ الحدودية وتهريب المشتقات النفطية والضرائب”.

وكان الرئيس الاول للنزاهة القاضي راضي الراضي، قد هرب من العراق بعد 3 سنوات من رئاسة الهيئة، عقب اتهامات بالفساد وجهت له من قبل المالكي في عام 2007. وفي 2012، توفي سهيل القريشي، وهو المفتش العام السابق لأمانة بغداد بعد توعده بفضح ملفات فساد، وتسربت انباء حينذاك عن ان القريشي توفي بعد إصابته بجلطة بسبب تلفيق تهمة رشاوى ضده. كما كان رئيس هيئة النزاهة الاسبق رحيم العكيلي قد ابعد عن المنصب وحكم عليه في 2015، بـ 7 سنوات غيابياً، ثم لاحقا صدرت عليه احكام جديدة وتم التحفظ على امواله.

وفي 2018 اعترف حسن الياسري، وهو آخر رئيس للهيئة قبل القاضي توفيق، بانه استقال من منصبه لأنه “يئس” من مكافحة الفساد في العراق.

وفي نفس العام قال حيدر العبادي ان قتل قاسم ضعيف المسؤول المالي للحشد، وراءه “فاسدون في الهيئة”. بدوره يتفق عبد الرحيم الدراجي وهو نائب سابق في اللجنة المالية على خطورة اقتحام ملفات الفساد “وازعاج الاحزاب”.

ويقول الدراجي في حديث لـ(المدى) ان “الوقت مبكر لتقييم اداء الحكومة في ملف الفساد، لكن ندعو الى تشكيل لجنة متخصصة تتعاون مع النزاهة والرقابة المالية لإنهاء هذه الظاهرة”.

واضاف الدراجي: “حتى الان لم تقم اية حكومة بإجراء حقيقي لمكافحة الفساد، لان الفساد هو سياسي وليس شعبيا وتجب مواجهة الاحزاب الفاسدة وهو امر يحتاج ادارة شجاعة”.

واكد النائب السابق ان “نجاح اية حكومة في ملف الفساد يحتاج الى صلاحيات واسعة ودعم شعبي ومكاشفة الرأي العام”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here